العدد 1456 - الخميس 31 أغسطس 2006م الموافق 06 شعبان 1427هـ

قرارات مجلس الأمن خطوة لخلق الاستقرار أم وسيلة لإخضاع الشعوب؟

ابراهيم خالد ibrahim.khalid [at] alwasatnews.com

مارست الإدارة الأميركية ضغوطاً شديدة على الحكومة السودانية حتى وقعت في يناير/ كانون الثاني العام 2005 اتفاق نيفاشا مع الحركة الشعبية لتحرير السودان التي صارت الآن شريكاً في حكومة الوحدة الوطنية، كما مارست الدور نفسه حتى تم في مايو/ أيار العام 2006 التوقيع على اتفاق ابوجا بين الخرطوم وحركة التمرد الرئيسية في دارفور التي انضمت بدورها في ركب حكومة الوحدة الوطنية. واليوم ونحن نتوقع أن تقوم واشنطن بمساعدة الاتحاد الإفريقي لحث بقية حركات التمرد في دارفور لتنضم لقطار السلام، في حين ينشغل السودان بمحادثات سلام الشرق، فاجأتنا أميركا وخلفها بريطانيا بالتلويح بإصدار قرار من مجلس الأمن يدعو إلى نشر قوات دولية في إقليم دارفور.

هذه الخطوة الغريبة وغير المبررة قوبلت برفض قاطع من السودان الذي ظل ينتظر المساعدات الأميركية والدولية الموعودة لإزالة آثار الحرب الأهلية في الجنوب والغرب. ويثير التهديد المستمر للسودان بالتدخل الدولي في كل شاردة وواردة الكثير من علامات الاستعجاب ويؤكد أن أهداف الإدارة الأميركية لم تكن في يوم من الأيام هي ما تعلنه للعلن وتستغل مجلس الأمن في تحقيقه، بل الحقيقة تتجلى بكل وضوح وتبين أن لواشنطن أهدافاً اكبر ترمي لإضعاف كل البلدان العربية والإسلامية التي تتمتع بموارد بشرية وطبيعية كبيرة خصوصاً إذا لم تكن تدور في فلكها، والمثال واضح في العراق وسورية وإيران ومن ثم السودان.

تفاجأت الحكومة السودانية والعالم أجمع بالتحركات الأميركية البريطانية الأخيرة داخل مجلس الأمن لاستصدار قرار يطالب بدخول القوات الدولية في إقليم دارفور في غرب السودان، في الوقت الذي قدمت فيه الخرطوم خطتها للأمم المتحدة لتحسين الأوضاع وحفظ الأمن في دارفور وذلك بتاريخ 2 أغسطس/ آب 2006 وفق ما تم الإنفاق عليه بين الرئيس السوداني عمر البشير والأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان على هامش قمة الاتحاد الإفريقي الأخيرة في بانجول.

كما تزامنت هذه التحركات الغريبة وغير المبررة مع الخطوات الجادة التي تقوم بها الحكومة السودانية وشركاؤها في اتفاق أبوجا والاتحاد الإفريقي لإنزال اتفاق سلام دارفور التي تم التوصل إليها أخيراً على أرض الواقع. وعليه، فإن الحديث عن دخول قوات دولية لدارفور يعكس النوايا المبيتة لبعض القوى الأجنبية التي اتخذت من مسألة إدخال القوات هدفاً لذاته أكثر من كونه رغبةً في مساعدة أهل السودان لتحقيق الأمن والاستقرار المزعوم في درافور.

وقدمت الولايات المتحدة وبريطانيا الأسبوع الماضي مشروع قرار للأمم المتحدة يدعو إلى نشر قوة حفظ سلام دولية كبيرة في إقليم دارفور. وأعرب مسئولون بريطانيون عن أملهم في تبني مجلس الأمن للقرار، الذي يطالب بنشر 17 ألف جندي من القوات الدولية في دارفور، خلال شهر.

وتعارض الحكومة السودانية بشدة تغيير القوة الإفريقية الموجودة حالياً في الإقليم بقوة دولية. وكانت منظمة العفو الدولية زعمت في وقت سابق أن القوة الإفريقية فشلت في حماية المدنيين. وادعت المنظمة أن هناك حالات متزايدة لانتهاكات حقوق الإنسان في دارفور منذ توقيع اتفاق السلام بين حكومة الخرطوم وفصيل متمرد بالإقليم في مايو الماضي.

وكان الرئيس الأميركي جورج بوش دعا أخيراً إلى السماح بنشر قوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة في إقليم دارفور. وقال إن القوات التابعة للاتحاد الإفريقي والموجودة حالياً في إقليم دارفور تحتاج إلى قوات أخرى تكملها وتدعمها. وأضاف أنه يتعين نشر قوات تابعة للأمم المتحدة جنباً إلى جنب مع قوات الاتحاد الإفريقي الموجودة في الإقليم.

وبعد هذه المقدمات نستعرض رأي الحكومة السودان التي تؤكد ثباتها في موقفها الرافض لتحويل المهمة إلى الأمم المتحدة، والداعي إلى الإبقاء على قوات الاتحاد الإفريقي لتكمل مهمتها بدارفور مع توفير الدعم لها وذلك استناداً إلى ما يأتي:

1- الاتحاد الإفريقي منظمة إفريقية وبالتالي هي الجهة الأحق بتولي معالجة القضايا الإفريقية ومن بينها قضية دارفور. كما أن ميثاق الأمم المتحدة نفسه يؤكد تمكين المنظمات الإقليمية من معالجة القضايا الإقليمية التي تقع في نطاق ولايتها.

2- قامت قوات الاتحاد الإفريقي بعمل جيد في دارفور تجاه تحقيق الأمن والاستقرار وكان ذلك محل إشادة من المجتمعين الإقليمي والدولي.

3- نالت قوات الاتحاد الإفريقي خبرة كبيرة من خلال عملها بدارفور، واكتسبت ثقة الأطراف والمواطنين، فضلاً عن ذلك فإن الرابطين الثقافي والاجتماعي والتشابه في التقاليد بين هذه القوات ومكونات المجتمع بدارفور يعزز منطق الإبقاء عليها ودعمها حتى تكمل مهمتها بنجاح.

4- ظل الاتحاد الإفريقي يطالب بتوفير التمويل لقواته بدارفور وإيفاء المجتمع الدولي بالتزاماته تجاهها، إلا أن الاستجابة ظلت دوماً من دون الطموح، وبالتالي يصبح الحديث عن عدم كفاءة هذه القوات في غير محله، إذ إن العجز المهني إن وجد، يظل مرتبطاً بعدم توافر الإمكانات المادية واللوجستية لهذه القوات.

5- جاءت الدعوة إلى انتقال مهمة قوات الاتحاد الإفريقي إلى الأمم المتحدة قبل توقيع اتفاق سلام دارفور، ولكن الآن وبعد تغير الوضع بتوقيع الاتفاق فإن هذه الدعوة أصبحت غير مبررة، ويجب العمل على دعم الاتفاق وترقية أداء آليات تطبيقه، والعمل على ممارسة ضغوط على غير الموقعين لدفعهم إلى الانضمام إلى مسيرة السلام بدلاً عن إرسال الإشارات السالبة إليهم وفتح المنابر السياسية والإعلامية التي يوظفونها في تحركاتهم السالبة لإجهاض عملية السلام، إذ يتنافى هذا المسلك مع روح السلام الجديدة التي يجب دعمها وتشجيعها.

6-إن اتفاق سلام دارفور وبموجب ما توصلت إليه الأطراف خلال عملية التفاوض التي رعاها الاتحاد الإفريقي، أوكل مهمة مراقبة السلام إلى القوات الإفريقية وفق جداول زمنية وتكليفات محددة اتفقت عليها الأطراف، ولم يرد أي ذكر لقوات دولية تتولى هذه المهمات، وبالتالي يصبح الحديث عن قوات دولية بدارفور أمراً قسرياً ويتنافى مع روح الاتفاق.

7- الظروف الدولية الراهنة كلها تشير إلى أن التدخل الدولي في معالجة النزاعات الداخلية بالدول يؤدي إلى تعقيد وتأزيم القضايا أكثر من الإسهام في حلها.

8- إن كل ما يطلبه السودان من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي دعم عملية السلام بدارفور والتحول من روح الاستعداء إلى التعاون الإيجابي والبناء من خلال دعم عمليات إعادة التوطين والإعمار وتحقيق التنمية وتجويد أداء آليات تطبيق اتفاق سلام دارفور.

9- أضحت الظروف الإقليمية وعلاقات السودان بدول جواره أكثر إيجابية وموائمة لتحقيق الاستقرار بدارفور والمنطقة، إذ خرجت علاقات السودان مع كل من إريتريا وتشاد من حال التوتر إلى وضع جديد يتسم بالتعاون البناء، وينبغي على المجتمع الدولي أن يركز جهوده لدعم هذا التوجه الجديد.

10- استناداً إلى كل ما ورد أعلاه ترى حكومة السودان أنه يجب على المجتمع الدولي الإسراع للإيفاء بالتزاماته، نحو دعم الاتحاد الإفريقي لتمكينه من المساهمة الفاعلة في إنفاذ اتفاق سلام دارفور بأسرع ما يمكن دعماً للاستقرار والأمن والسلام في السودان والإقليم بأسره

إقرأ أيضا لـ "ابراهيم خالد"

العدد 1456 - الخميس 31 أغسطس 2006م الموافق 06 شعبان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً