في حلقة الأمس، تناولنا إلقاء الضوء على آراء عدد من الناشطين الذين رحبوا بالتصديق على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وتطرقنا الى موقف جمعية الوفاق التي كان لديها بعض التعليقات رفعتها للمجلس الوطني، مبدية بعض الملاحظات على التصور المقدم من قبل الحكومة فيما يتعلق بانضمامها للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وفي حلقة اليوم، نواصل الحديث عن هذا الموضوع المهم من منطلق أنه يتمحور على واحد من أكثر العهود الدولية أهمية، وعلى مستوى البحرين، عكف الناشطون الحقوقيون على حضور الاجتماعات السنوية للجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ودعوا الحكومة إلى الانضمام إلى العهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالاضافة إلى البروتوكولات الملحقة بهما.
من الأهمية بمكان التأكيد على نقاط التحفظ التي عددها الناشط الحقوقي عبدالنبي العكري، والتي تتمثل الأولى في التحفظ على بعض المواد، إذ نجد أن الفقرة (4) من المادة (23)، تنص على اتخاذ الخطوات المناسبة لتأمين المساواة في الحقوق والمسئوليات عند الزواج وأثناء قيامه وعند فسخه ويجب النص في حالة الفسخ على الحماية اللازمة للأطفال. وبررت الحكومة تحفظها بأن هذه المسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية تحكمها الشريعة الإسلامية طبقاً لنص الفقرة (ب) من المادة (5) من الدستور، ولا أرى تناقضاً بين الفقرة (4) من المادة (23) من العهد مع جوهر الشريعة الإسلامية. علماً بأن القضاء في مملكة البحرين ينحو في بعض أحكامه نحو ذلك، فمثلاً أضحت مصلحة الأطفال هي الأساس في تحديد الحاضن الأب أو الأم. وجرت تعديلات على قانون الإسكان، بحيث يكون بيت الزوجية من حق الأم الحاضنة، كما أن ديوان الخدمة المدنية عدل أنظمته بحيث أضحت الأم تستحق العلاوة الاجتماعية اعترافا بمسئوليتها عن إعالة أبنائها».
ويستطرد العكري «كذلك الفقرة (5) من المادة (9) من العهد، والتي تنص على أحقية أي شخص ضحية توقيف أو اعتقال غير قانوني في الحصول على التعويض. وتجادل الحكومة في أنه من حق القضاء تحديد أساس تلك المسئولية ووضع قواعد للحصول على التعويض المنصوص عليه في تلك الفقرة. والحقيقة أن الحكومة هنا تماطل في حق معترف به في القانون الدولي، وهو حق المعتقل أو السجين خطأً أو عمداً أو بشكل غير قانوني في الحصول على التعويض. وجاء في توصية لجنة مناهضة التعذيب في اجتماعها في مايو 2005، والذي تضمن مناقشة التقارير الرسمية وغير الرسمية بشأن مملكة البحرين بتأمين حق التظلم لضحايا التعذيب لدى القضاء، والحصول على التعويض والعدالة، وبالطبع سيشمل ذلك الاعتقال أو السجن التعسفي المصاحب للتعذيب. كما أن تقرير رئيس مجموعة الاعتقال التعسفي، القاضي لويس جرانيه عن زيارته إلى مملكة البحرين في أواخر 2001، اعتبر المحكومين من قبل محكمة أمن الدولة، بمثابة معتقلين تعسفاً، وهم بذلك يستحقون التعويض والإنصاف، وهو ما تريد الدولة تجنبه».
خطوة لم تكن بالقوة المطلوبة!
وفي الإطار نفسه، أكد نائب رئيس جمعية حقوق الإنسان عبدالله الدرازي أن «انضمام المملكة إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية كان من أهم المطالب التي تضمنتها الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان في توصياتها، التي تصدرها الجمعية بشكل دوري، لذلك فإننا نعرب عن سعادتنا بانضمام البحرين لهذا العهد من خلال الخطوة التي اتخذها جلالة الملك حديثاً بالتصديق عليه». واعتبر الدرازي أنه «على رغم كون التصديق خطوة ايجابية، فإنها لم تكن بالقوة المطلوبة لأن البحرين أبدت تحفظها على البروتوكولين الملحقين بالعهد، فالبروتوكولات عادة ما تكون لها آليات تنفيذ ومحاسبة، ما يجعل من إلحاقهما بالعهدين ضرورة ملحة». وتمنى الدرازي أن «يتم التصديق على باقي الاتفاقات الدولية التي لم تنضم لها المملكة بعد، وفي مقدمتها العهد الدولي الخاص بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، والبروتوكولات الملحقة بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية»، معتبراً أن «الجمعيات الحقوقية يلقى عليها بعض العبء، من خلال دورها في مراقبة ورصد ما ستقوم به الحكومة، أو ما لا تقوم به في تطبيق هذا الاتفاق، وغيره من الاتفاقات، خصوصاً مع وجود بعض المتطلبات الضرورية المتمثلة في تغيير بعض القوانين المتعارضة مع العهد، لذلك سنقوم بدورنا في رصد ومتابعة ومراقبة خطوات الحكومة للتأكد من تطبيق مواد العهد». وفيما يتعلق بالقوانين التي تستوجب التغيير لتواكب بذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، أشار الدرازي إلى «بعض المسائل المهمة، كمسألة السن الانتخابي، والتحكم في ثروات الشعب، وعدم التمييز بحسب العرق أو اللون أو الدين أو الجنس، والاختلاف في الرأي السياسي، وقانون مكافحة الإرهاب، وقانون التجمعات، وحرية التعبير، والحق في الحياة، ومسألة الإعدام، وغيرها من المسائل الكثيرة التي تستوجب التغيير لكي لا تكون متناقضة مع بنود العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية».
إذاً، فأنظارنا اليوم كشعب تتطلع بتضرع للمؤسسات والهيئات الحقوقية داخل الدولة، علها على أقل تقدير تستطيع تحريك الشارع الراكد الذي - ربما - لم يستوعب بعد أبعاد قانون مكافحة الإرهاب، ثم إلى ما ستتخذه المنظمات الحقوقية من إجراءات بعد اطلاعها على تقاريرنا الدورية، التي سيتضح فيها مقدار التناقض في قوانيننا مع مواثيقها...
ثم، هل جهز الحكوميون لسيناريو مسرحية أكثر فكاهية عنوانها «التصديق على العهد الدولي الخاص بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية»؟ دعونا ننتظر..
العدد 1468 - الثلثاء 12 سبتمبر 2006م الموافق 18 شعبان 1427هـ