العدد 3505 - الأربعاء 11 أبريل 2012م الموافق 20 جمادى الأولى 1433هـ

غزل إيراني أميركي غير معهود!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ثلاثة تصريحات مهمة، صَدَرَت في إيران خلال سبعة أيام. الأول، لرئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني. والتصريح الثاني لعضو مجلس خبراء القيادة، أحمد خاتمي. والثالث للمرشد الأعلى للثورة آية الله خامنئي. تصريحات رفسنجاني كانت ذات نزعة يسارية حادة «بالمفهوم السياسي طبعًا»، وتصريحات خاتمي كانت يمينية متشددة، وتصريحات خامنئي كانت أمراً بين أمرين، وهو التصريح الأهم، كونه الوازن العملي لخيمة الحكم هناك.

هاشمي رفسنجاني وفي لقاء مطوَّل له مع مجلة «دراسات دولية»، قال تعليقاً على سياسات إيران الخارجية «على إيران البدء بحوار مع الولايات المتحدة الأميركية. فما الفارق بين الولايات المتحدة والصين وأوروبا وروسيا؟ وإذا ما تفاوضنا مع هذه البلدان (الثلاثة)، فلماذا لا نتفاوض مع الأميركيين؟ فالتفاوض لا يعني الرضوخ لإرادتهم»، مذكرًا بأنه عبَّر عن هذا الموقف بوضوح في رسالة بعث بها إلى الإمام الخميني قبل وفاته في يونيو/ حزيران من العام 1989م.

أحمد خاتمي، وخلال خطبته في صلاة الجمعة الفائتة بساحة طهران المركزية، قال بلغة شديدة تعكس جبهة الرفض التي يقودها أقصى اليمين المحافظ «الذين يعتقدون بأننا يجب أن نتفاوض مع رأس الاستكبار (وهو مصطلح يتداول في الإعلام والخطابات الإيرانية، ويقصد به الولايات المتحدة الأميركية) إما مُصابون بالسذاجة أو الرعب، فملف أميركا هو من صلاحيات شخص الولي الفقيه، ولا يحق لأي شخص مهما كانت مكانته أن يُدلي بأي تصريح أو يبادر بأي خطوة في هذا المجال». وهو تصريح واضح في مقصده ومراميه، وإلى أيّ اتجاه يُرَاد له أن يصل.

أما آية الله خامنئي، وخلال لقائه بعدد من مسئولي السلطات الثلاث فقال «إن التعاون والتلاحم بين الحكومة والبرلمان، يشكل أحد الأدوات اللازمة للتحرك بشكل شامل، باتجاه دعم الإنتاج الوطني، ومواجهة محاولات جبهة الاستكبار» داعيًا المسئولين الإيرانيين، وبالخصوص السلطتيْن، التنفيذية والتشريعية إلى التكاتف والانسجام، وكأنه يغمز إلى التصريحات المتناقضة، ما بين هاشمي رفسنجاني وأحمد خاتمي، ولبعض نواب المجلس.

كما امتدح خامنئي في لقاء آخر قبل ثلاثة أيام، مجمع تشخيص مصلحة النظام الذي يرأسه رفسنجاني، واصفًا إيَّان بمظهر العقل الجماعي في النظام الاسلامي، وأن قسمًا من أهم قضايا البلاد، يتم حلها في المجمع، وخصوصًا تلك القضايا التي تصل إلى طريق مسدود. وهو في حد ذاته انحياز واضح من المرشد لرفسنجاني الذي يرأس ذلك المجمع، ضد خصومه في الحكم، وداخل مسطرة اليمين المحافظ.

هذه المواقف تدلل على وجود جدل سياسي على أعلى المستويات في إيران، بشأن العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية. وإذا كان الداخل الإيراني قد طفح بمثل هذه التصريحات، حتى وصلت إلى قمة الهرم السياسي، ففي واشنطن، كانت الأمور متشابهة، ولكن هذه المرة، من خلال رسائل رئاسية (وعددها ست) صادرة عن باراك أوباما، بعث بها لإيران، وبالتحديد إلى المرشد الأعلى للثورة آية الله خامنئي، عن طريق رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان.

فقبل أيام، ذكرت صحيفة (حريت) التركية نقلاً عن جهات إسرائيلية، أن أردوغان، وخلال لقائه بالرئيس أوباما في العاصمة الكورية الجنوبية سيئول في الخامس والعشرين من مارس/ آذار المنصرف، قد بُلِّغَ بست رسائل أميركية، طلب منه أوباما حملها للمرشد، وتضمنت عددًا من الرؤى، اعتبرت بمثابة خريطة طريق تقترحها الولايات المتحدة الأميركية لحلحلة الخلافات بينها وبين إيران، والتي راكمتها ثلاثة عقود من العداء، والتباين في المصالح في الإقليم والعالَم. وقد تضمنت الرسائل الست ما يلي: أن تقدم إيران تنازلات للتوصُّل لاتفاق، بعد موافقتها على أن تكون مدينة اسطنبول التركية مكانًا لاجتماعات الدول 5 زائد 1 بشأن البرنامج النووي الإيراني. ثانيًا: أن تتحاشى طهران، اتخاذ موقف سلبي، يعوق تخفيف العقوبات المفروضة عليها. ثالثاً: أن تقبل واشنطن بتجميد البرنامج النووي الإيراني وليس إلغاءه. رابعًا: أن يخرج الرئيس أوباما في مؤتمر صحافي يُعبِّر فيه عن رضاه وارتياحه لموقف المرشد الأعلى والخاصة بعدم رغبة طهران في امتلاك سلاح نووي. خامسًا: أن تغيِّر إيران خطابها المعادي لواشنطن، وتحوِّله لخطاب تصالحي. سادسًا: أن تمنع واشنطن أي مسعى عربي أو غربي عسكري ضد سورية.

وبالنظر إلى هذه الرسائل الست، فإن الذي يظهر هو أنها تتعلق بإجراءات مباشرة، تأتي بعد ترتيبات، تم الاتفاق عليها من قبل، في غرف مغلقة، وتتعلق بأمور أكبر، كالتواجد الأميركي في المنطقة، ودور إيران المحتمل في تسوية ملفات معقدة. وإذا ما صحَّ هذا التقدير، فهذا يعني، أن المنطقة الممتدة من الشمال الغربي الآسيوي، نزولاً إلى أقصى جنوب شبه الجزيرة العربية ستشهد تغييرات مهمَّة، فيما خص السياسة الخارجية، وطبيعة التحالفات القائمة.

الإيرانيون بدورهم، بدأوا النظر إلى الأمور بطريقة مختلفة، وأكثر براغماتية. فهم في السابق، كانوا يبنون علاقاتهم المأزومة مع الولايات المتحدة الأميركية، من خلال أزمة التيار الإسلامي في العالم العربي برمته معها، كونه ضحية لتحالفها مع نظامي تونس ومصر بالتحديد، لكن، وبعد حصول ثورات الشمال الافريقي واليمن والغرب الآسيوي، بدا أن ضحايا التحالف الأميركي الدكتاتوري، باتوا اليوم طرفًا في الحكم في مصر وتونس والمغرب، وأكثر من ذلك، قيامهم بالتعامل مع واشنطن خارج نمط العداء القديم، واستبداله بالزيارات المتبادلة، والمشورة، وتغيير الأدبيات السياسية، الخاصة بالصراع الحضاري والإسلامي الغربي برمته.

فالاخوان المسلمون والأحزاب الإسلامية بصورة عامة في تونس وليبيا والمغرب ومصر (وإسلاميو سورية)، لم يعودوا اصدقاء للولايات المتحدة فحسب، بل بدأوا يصرِّحون علنًا بأن ليس لديهم مشكلة حتى مع إسرائيل، وهي مركز الصراع في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي فإيران، باتت ترى، أن عداءها مع واشنطن ليس ذا معنى، ولا يحقق مصالحها مع تخلي الإسلاميين للغة العداء معها، في ظل قدرتها هي (إيران) على التفاوض مع واشنطن، من خلال أهم خمسة ملفات إقليمية حاسمة بالنسبة للأميركيين، وهي أفغانستان والعراق ولبنان وفلسطين والعراق.

في كل الأحوال، فإن تسوية العلاقات الإيرانية الأميركية سينعكس بشكل كبير جدًا على خريطة المنطقة. كما أنه سيخفف من حدة الاستقطاب المتبادل، لصالح حلول جماعية.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3505 - الأربعاء 11 أبريل 2012م الموافق 20 جمادى الأولى 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 11 | 6:03 م

      ايران

      ايران موضوع دسم لكل الصحفين خصوصا مواضيع المخالفه لأيران وكما يقول بعض المعلقين اشدخلنا احنا في قضية ايران وامريكا خلينا نطرح مشاكلنا في البحرين وهذا الاهم

    • زائر 10 | 2:28 م

      يا خوي تراك غثيتنا!!

      إكتب عن المصايب اللي في ديرتنه واللي كل يوم قاعدة تكبر، خل إيران إتولّي و أمريكا تلحقهه.

    • زائر 9 | 1:18 م

      ماذا لو ؟؟؟؟؟يبوعبدالله

      ماذا لو حذفت ايران من قواميسها العداء العلني لاسرائيل صدقني يبو عبدالله سترضى عنها آله الامبرياليه وسيركع العرب كل العرب صاغرين وسيرتمي في احضانها القاصي والداني اما المغرديين الان والشاتميين لايران سوف تأكلهم حكوماتهم التبن وسيوقفون كل الشتم والتهجم حسب الاوامر............ديهي حر

    • زائر 8 | 9:11 ص

      هل عندك موقف من إيران

      بصراحة في كل مقالاتك تلف وتدور وتنتقد إيران إنتقاد مبطن.
      الإختلاف ناتج عن عدم عصمة أحد وعدم معرفة الغيب.
      الإسلاميين في الدول الأخرى يغيرون مواقفهم لأن مدرستهم الفكرية والعقائدية مختلفة

    • زائر 7 | 6:57 ص

      بعد كل هذا الدمار!!!

      بعد كل هذا الدمار الذي أحدثته أميركا جائت لتعترف بأن لها شركاء في المنطقة ولا بد من احترامهم وأخذ رأيهم في كل خطوة تخطوها أميركا في الشرق الاوسط بل والعالم .

    • زائر 6 | 5:50 ص

      لا اتفق مع هذا التحليل

      وبالتالي فإيران، باتت ترى، أن عداءها مع واشنطن ليس ذا معنى، ولا يحقق مصالحها مع تخلي الإسلاميين للغة العداء معها، في ظل قدرتها هي (إيران) على التفاوض مع واشنطن،
      لا أوافق على هذه الفكرة، إيران الثورة منذ قيامها هي السباقة إلى دعم القضايا الإسلامية فهي القائدة في هذا المجال وليست التابعة حتى تتنازل الآن لمجرد اختلاف المواقف .

    • زائر 5 | 3:41 ص

      امريكا

      ان في السياسه والمنهج الامريكي دائما ليس هناك صديق دائم ولا عدو دائم فالمصلحه فوق كل شي ولاعجب كما يقول عبدالله الرويشد

    • زائر 4 | 3:06 ص

      و لا تنسى

      الشىء الأهم فى كل ما يجرى هو تقارب الدخل القومى الصينى الى الدخل القومى للأمريكا و امكانية تجاوزه فى السنوات القليله المقبله . لذا كل هذه التغييرات فى مواقف امريكا خوفاً للأفول قبل الأوان .

    • زائر 3 | 1:51 ص

      وحدث ما قاله احمدي نجاد

      ان على امريكا ان لا تكون الوحيدة المتحكمة في ادارة العالم لها شركاء يجب ان تتشارور وتتحاور معهم ليكون العالم تحت ادارة جماعية لا انفرادية

اقرأ ايضاً