العدد 3510 - الإثنين 16 أبريل 2012م الموافق 25 جمادى الأولى 1433هـ

وأعبر البحورَ... شوقاً إلى حبيبي

أحبه كثيراً كثيراً.. أكاد من جنوني إليه أن أطيرا .. وأعبر الجسورَ والنهر والبحورَ ..شوقاً إلى حبيبي .. إلى أن تقول: أحبه لأني كأنه كأني. واختتمت المطربة فايزة أحمد الأغنية دون أن تنزلق إلى التباكي على الأطلال والهجر والأسى والحرمان المؤسف. إن السوداوية في كلمات أغلب الأغاني العربية لم تستثن أحداً من الملحنين ولا حتى أشهر المطربين والمطربات دون الحاجة لذكر أسماء. هذا التيار الكاسح جعل من غير المألوف خروج الملحنين على أنماط الأغنية العربية السائدة، فالمشاعر السلبية عبيرها، وواحة الأحزان رحيقها، وجرياً على السياق نفسه تسير أغلب الأفلام والمسلسلات العربية. ويبدو أن رومانسية الأحزان قد أصبحت هوى الجمهور وهاجس المخرجين، وعليه يقتات المؤلفون وكتاب السيناريو والملحنون والمنتجون فهل من خطأ؟ لا يقف الأمر عند سماع أغنية حزينة أو مشاهدة مسلسل أو فيلم بائس؛ بل في تأثيره السيئ في نفوس الفتيان والفتيات من أبناء هذا الجيل لأنها تنقلهم من الواقع الذي يعيشون فيه إلى عالم لا وجود له إلا في مخيلة كتاب الأغنيات والملحنين والمنتجين ومخرجي الأفلام فانتقلوا من دون وعى وغاصوا في الأوهام وانتهى بعضهم إلى العبثية والضياع لأنهم نأوا عن مناخ الحقيقة والواقع، وتلك هي سير المغامرين والمغامرات وحديث الخاملين والخاملات والمنتحرين والمنتحرات ممن تلمسوا الحياة في الأغاني والسينما والمسلسلات ونأوا بعيداً عن الواقع ...

طاقة كونية جبّارة داخلة في الأشياء من غير ممازجة.

الموضوع أكثر من مجرد مشاعر حزينة أدمنها المستمعون والمشاهدون؛ بل في ارتدادها السلبي على السلوك بما تورّثه من سوداوية تستولي على التفكير وتنأى بالفرد عن فضاء العقلانية التي تستدعي مراقبة النفس وصونها من الانزلاق إلى اجترار الأحزان، وصولاً إلى التشاؤم قرين الفشل، فالسلبيون عن غير وعى يستدعون الحوادث السلبية كالمغناطيس (مثلما تستدعى الغابات المطر) يقول علماء النفس: «إن تعبير الإله في ثقافات كل الشعوب هو المطلق ولكن ما كنهه؟ هناك طاقة كونية جبّارة في هذا الكون تحيط بنا من كل جانب، وليس هناك من سبيل لولوجها سوى المديح فعند العبادات على اختلاف الأديان يغرق المصلون في مديح الإله فينهلوا من ريع هذه الطاقة العظيمة، ولكن على رغم وجود هذه الطاقة على الدوام وفي متناول البشر كافة؛ إلا أنها - والقول لعلماء النفس - عصية على البعض، وخصوصاً المتشائمون فهؤلاء يبنون سدّاً سميكاً يحول بينهم وبين هذه الطاقة»، وأخص بالذكر ذوي النزعة التشاؤمية الحادة على سبيل المثال كلامهم السلبي : «أنا غير محظوظ.. أنا وين ما أضربها عوجة.. إلخ ..». تكرار مثل هذا الأقوال السلبية يلبس الفرد رداء الكفر بالأمل والرجاء وينمّي عنده حموضة المزاج، وصولاً إلى التخاذل «ولذلك تتفشى عادة (الحسد) في أوساط المتخاذلين وغير المنتجين» وفي نهاية المطاف تجعل الفرد ليس عصيّاً على ولوج هذه الطاقة فقط؛ بل هو أقرب جدباً للنكبات والخطوب وفى هذا الصدد قال الرسول (ص): «تفاءلوا بالخير تجدوه».

أصداء الماضي وإملاءات الحاضر

بعيداً عن الحاضر نجد أن السوداوية في سلوك الأمم تعود إلى تراثها التاريخي والفكري والعقائدي والتي أضحت عند البعض كالغذاء الروحي والنفسي، وخصوصاً دراما الأسى والغبن الناتجة عن تكرار قطع عهد ثقة متين. وعلى رغم الحضور الكبير لمصلي الخمسة فروض اليومية من المسلمين وتنزيهها لهم عن القبائح كالسرقة والكذب والنميمة وغيرها؛ إلا أن تداخل وتمازج المرئيات والمسموعات في عصر العولمة أدخل إلى فضاء حياتنا العديد من الثقافات وفي سياقها الكثير من العادات السيئة ومفردات الشتيمة تحديداً وهكذا بدأ (المسلمون) تدريجياً يخلعون بعض عاداتهم الحميدة ويعتمرون رداء الخواجات وتبعاته الفكرية، وصولاً إلى ترجيح إملاءاتها المصلحية فوق فروض الطاعة الإلهية وأعراف المجتمع السائدة.

أعلام بدون رقيب

منذ عدة سنوات حضرت عرضاً لأحد الأفلام الأجنبية من فئة سبع نجوم، الجديد في الفيلم ليس منهجية السرقة أو مشروعيتها عند البعض في المجتمعات الغربية، وليس بالجديد الانتصار للحق والعدالة والقانون في توقيت وصول رجال الأمن قبل هروب المجرمين واللصوص في آخر الفيلم كما عوّدتنا هذه الأفلام إنما الجديد في هذا الفيلم هو نجاح البطل ليس في تجاوز الكاميرات الأمنية والمراقبة فقط؛ بل نجاحه في سرقة صولجان أثرى يقدر بـ 4 ملايين دولار والهروب قبل وصول الشرطة! المفزع في الأمر ليس إفلات المجرم من يد العدالة؛ بل تصفيق جمهور الصالة للحرامي البطل وتعاطفهم معه عندما نجح في مهمته!! انظروا ماذا يمكن أن تفعل السينما والإعلام عندما تزين الفواحش والمحرمات؟ وبالمثل أفلام الخلاعة والهلع والعبثية والتهريج.

أما استشراء مثل هذه الأفلام فيعود دون شك إلى غياب رقابة صارمة أو منهج فكري أو إعلامي هادف يبصر الناس ويكشف لهم مساوئ المرئيات والمسموعات الضارة التي تضبّب الفكر وتعيق التفاؤل الواعي وتميت الهمم، وفي النهاية تضر بالإنتاج والاقتصاد.

الشغف

في أخلاقيات اليوغا الكثير من المبادئ التي لا تختلف كثيراً عن ديننا الحنيف وأعني بالذكر تحريم القتل والسرقة والكذب والافتراء على الغير وكنز المال وعلى رأس القائمة والأهم هو الشغف بامتلاك الأشياء المادية والسبب أن هذا السلوك يحول دون فضيلة القناعة وينمي عند الفرد شهوة الرياء وقد يدفع بالبعض إلى السرقة أو الجري وراء الكسب السريع من أي مصدر وبأي وسيلة تحقق هذا الغرض وقد يجنح البعض إلى السلوك غير السوي وصولاً إلى الإجرام كالاحتيال على الغير أو المتاجرة في الممنوعات أو تسخير الفرد لموقعه الوظيفي أو قلمه أو فنه لتحقيق أغراض شخصيه بوعي أو تحت الضغط لشغف مادي أو معنوي وبذلك يتخلى المرء عن أغلى ما يملك وهو إنسانيته عندما يقايض حاجاته الصغيرة بكل قيم وتعاليم المجتمع الوضعية والدينية، كذلك يندرج تحت بند السرقة والكذب الترويج لبضاعة مغشوشة أو نشر معلومات مغلوطة مضللة. وهكذا يزين الشغف للفرد وربما بالقدر نفسه ما تزينه السينما والإعلام من القبائح فإذا اجتمع الاثنان إعلام مضلل وسلوك مختل فلن يغير هذا الأمر إلا صحوة جبّارة يوقدها دفاع البشر الفطري عن حاجاتهم الأساسية وأعرافهم الأخلاقية السائدة عند استباحتها بشكل فجّ وسافر كما حصل في واقعة البوعزيزي في تونس.

الفراغ أول الطريق لاعتلال النفس

هذا المقال لن يغير من السوداوية في سلوك البعض وذلك لحاجتنا لتعلم أسباب التغلب على الفراغ ( أول الطريق للخطيئة) بالانشغال بالمطالعة الهادفة للوقوف على أسباب التفاؤل والنجاح وتعلم هوايات جديدة تعود علينا بالنفع الكبير كالرياضة وانتهاج عادات غذائية جديدة والسفر والاطلاع على ثقافات الشعوب والأهم من كل ذلك الاستغراق في الهوايات العزيزة على أنفسنا لأنها تهبنا حياة جديدة كل يوم والابتعاد عن المتشائمين والمتخاذلين لأنهم بنفس درجة رفاق السوء إن لم يفوقوهم.

ابدأ الآن ومن أي موقع فطريق الألف ميل يبدأ بخطوة واعلم أن لعقلك وقلبك حقوقاً عليك فلا تسلم قراراتهما للغير بل تعلم دائماً أن تزن الأمور لتميّز الصالح من الطالح، ولكن لا تركن أو تستسلم لسموم التشاؤم والتخاذل مهما قلب لك الدهر ظهر المجنّ فهما أخطر آفات النفس.

العدد 3510 - الإثنين 16 أبريل 2012م الموافق 25 جمادى الأولى 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً