الإنسان العربي في كل الديار مصاب بكوارث عدة، من الصعب حصرها في مقالة أو حتى في كتاب فهذه التراكمات أفرزتها الظروف المعيشية الاقتصادية ومنها الاجتماعية، والأكثر تعقيداً هي الدينية، فالاحتجاجات التي حصلت منذ يناير/كانون الثاني 2011 وبعضها لا يزال مستمراً حتى هذه اللحظة جاءت نتيجة أوضاع اجتماعية واقتصادية وسياسية غير مريحة بتاتاً لهذه الشعوب.

فالأوضاع الاقتصادية المتردية تفرز الكثير من القضايا، فالجرائم والاعتداءات والنصب والاحتيال وغيرها، تكثر وتنمو في هذه المجتمعات مما يؤدي إلى ارتفاع أعداد المطلوبين للعدالة وارتفاع أعداد المسجونين، ومن يطلق عليهم «أصحاب السوابق».

هذه المقدمة الخاطفة هي مدخل لهذا المقال الذي أعادني للتفكير والتفريق بين السجون الخليجية في الدول العربية والسجون في الدول الأسكندنافية، والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا تمت المقارنة بهذه الدول دون غيرها؟ والجواب جداً بسيط هو إن هذه الدول لديها فوائض مالية ومرتاحة مادياً ونحن معشر الخليج العربي أيضاً لدينا فوائض مالية فعلى هذا الأساس أجريت المقارنة.

دهشت لأول مرة عندما سمعت أحد أصدقائي من أحدى الدول المذكورة وهو يتحدث عن السياسة العامة للسجون والحريات المعطاة والحقوق المصانة للمتهم وهو قيد الاحتجاز أو من صدر بحقه حكم قضائي بالسجن لفترة معينة.

فالمتهم في نظر العدالة لديهم بريء بنسبة مئة في المئة حتى يصدر بحقه حكم قضائي، أما بعد أن يصدر بحقه أحكام قضائية فهو إنسان بحاجة إلى التأهيل من خلال إدخاله السجن لفترة معينة، حتى يخرج منه بشخصية جديدة وبلباس جديد ويصبح عضواً فعالاً في مجتمعه ومغايراً عن الشخصية التي دخل بها السجن.

نحن هنا لا نريد التحدث عن السجون العربية فالأفلام والمسلسلات، والأعلام المقروء والمسموع قد قام بالواجب وأكثر ولا أعتقد أن هناك عربياً واحداً عمره لا يتجاوز الـ 5 سنوات لا يعرف ماذا يدور خلف القضبان في السجون العربية، لذا نكتفي بالحديث عن السجون الأسكندنافية، فهذه الدول لا تعترف بالاسلام ديناً بقدر ما تقدم من احترام لمن يعتنقون الإسلام ديناً وفي ذات الوقت يحترمون جميع معتنقي الأديان سواء كان دينا سماويا أو دينا أرضيا.

وللرجوع إلى حديث صديقنا الأسكندنافي عن حال السجون في الدول التي ينتمي إليها يقول: إن «المحبوس» لديه كل الحرية في مزاولة هواياته حتى هؤلاء اللذين لديهم هواية ركوب الخيل فإن إدارة السجون مجبرة لتوفير الهواية للسجين في نهاية كل أسبوع من أجل مزاولتها، وفي حالة عدم توفير الخيل من حقه رفع دعوى قضائية ضد إدارة السجن بعدم الاستجابة لطلبه، وهناك من يريد لعب الكرة فالإدارة العامة للسجون مسؤولة مسؤولية كاملة في تحقيق رغبات كل السجناء وبغض النظر عن اللون أو المذهب أو الانتماء فالقانون يكفل لهم كل هذه الحقوق. أما المتزوجون فهؤلاء يسمح لهم بزيارة بيت الزوجة ليحصل على حقوقه الشرعية متى ما أراد، حتى لا يفكر بتاتاً في البدائل غير المشروعة.

إن الوزارات المعنية بشؤون السجناء عليها إعادة رسم الصورة الحقيقية بكل ما تعنيه كلمة «العدل والحرية والحقوق الإنسانية» من معنى، فحرية الفرد وكرامته وإنسانيته طبقاً للمواصفات الدولية المتعارف عليها بالدول المتحضرة وليس وفقاً للدول المتخلفة التي لا تراعي حقوق الإنسان بل تنظر للسجين كما لو أنه «كلب» ولن يتغير أو يتبدل حتى لو خرج من السجن وهذا مفهوم خاطيء بامتياز فالإنسان متى ما أتيحت له الفرصة الكاملة للتأهيل فإنه قادر على تصحيح سلوكه العدواني فالعدوانية والكراهية هي في مجملها صفات مكتسبة من جراء ظروف معينة، اقتصادية واجتماعية وسياسية لذا من الممكن تبديلها.

إن السجناء مسئولية الجميع من مؤسسات رسمية وأهلية، فعلى الجميع التكاتف للوصول إلى معاملة السجناء كما هو الحال في الدول الأسكندنافية.

إن الحريات المعطاة للسجناء في الدول الأسكندنافية دفعت الكثيرين من المهاجرين بافتعال قضايا جنائية الهدف منها هو دخول السجن والاستمتاع بما هو متوفر فيه من مأكل ومشرب ومسكن وحقوق.

وهذا الفارق بين السجون العربية والاسكندنافية، وهناك مقولة مشهورة للإمام محمد عبده بعد عودته من فرنسا حين قال: «في الغرب وجدتُ الإسلام ولم أجد المسلمين».