العدد 3514 - الجمعة 20 أبريل 2012م الموافق 28 جمادى الأولى 1433هـ

الموجة المقبلة من الرقمنة... تحديد التوجهات وبناء القدرات

بحث «بوز أند كومباني» بشأن ظاهرة الرقمنة والقوى الدافعة لها

الرياض (السعودية) - بوز أند كومباني 

20 أبريل 2012

على مدى أكثر من عقد من الزمان، أثرت المناهج الرقمية الحديثة والمبتكرة في حياة الإنسان، كما وصلت ظاهرة الرقمنة إلى نقطة فارقة في تطورها، مما يجعلنا نقف الآن على أعتاب حقبة أكثر تسارعًا من التغيير الجذري. وتدرس شركة بوز أند كومباني في هذا البحث إمكانية تحديد القوى الدافعة التي تقود هذا التحول، وتبحث في الاستراتيجيات التي تساهم في التخفيف من وطأة الآثار المتحملة.

أفاد بهجت الدرويش، وهو شريك في شركة بوز أند كومباني، «ستعيد الموجة المقبلة تشكيل ملامح عالمنا من جديد، فقد أظهرت أبحاثنا حول سلوك جيل الإنترنت، والذي ظهر بعد العام 1990 وبلغ الآن مرحلة الشباب ويشكل جزءًا من القوى العاملة، وجود تسارع في التوجه نحو الرقمنة العالمية، حيث يساهم انتشار تقنية البرودباند، وتوافر الإنترنت في كل مكان، والخدمات الحاسوبية عبر الإنترنت (cloud computing)، وشبكات التواصل الاجتماعي، وربط الأشياء بالإنترنت (Internet of Things)، في تغيير الطريقة التي نعمل بها ونلهو بها ونتواصل بها ونتعارف بها ونمارس أعمالنا التجارية من خلالها، فقد وصلت ظاهرة الرقمنة إلى النقطة الفارقة في تطورها».

ومنذ أمدٍ بعيد، رُسمت الخطوط العريضة لعالم رقمي كامل، وهنا سؤال يطرح نفسه: لماذا وصلنا إلى هذه النقطة الفارقة في الوقت الحاضر؟ وتكمن إجابة هذا السؤال في ثلاث قوى دافعة ومتشابكة.

تطلعات المستهلكين

أصبح المستهلكون متكيفين تمامًا مع البيئة الرقمية، فهم يتوقعون توافر الاتصال بالإنترنت في كل لحظة من لحظات حياتهم عبر كل جهاز تقريبًا. فضلاً عن ذلك، إن إصرارهم على حقهم في الاتصال المستمر بالإنترنت يحول مسار حياتهم الشخصية، كما أن مدى استعدادهم لتقاسم جميع المعلومات يغير من الآراء التقليدية حول مفهوم الخصوصية، حيث تتحول ثقتهم من العلامات التجارية ذائعة الصيت إلى العلامات التجارية التي يوصي بها أصدقاؤهم المقربون. ومن ناحية أخرى، فهم يناصرون العديد من القضايا بالتزامن مع الانخراط العميق في بيئاتهم الاجتماعية، لذا فإن المعرفة في عالمهم ليست مجرد قوة، بل عملة اجتماعية وتجارية وبوابة إلى الغاية المنشودة.

زخم التقنية

الهيكل الأساسي للبنية التحتية للعالم الرقمي آخذٌ في الاتساع ليغمر كل ركن من أركان المعمورة، مُقدمًا خدمات النطاق العريض السلكية واللاسلكية بأسعار زهيدة لمليارات المستهلكين في أسواق البلدان النامية والمتقدمة على حدٍ سواء. فمع التزايد السريع للطلب على محركات تحليلية آنية ومتطورة لتمكين الشركات من جمع المعلومات «في صورتها الأولية» والاستفادة منها، تعمل الشركات في جميع أقطار العالم على الاستجابة لذلك من خلال تطبيق تقنيات حديثة على غرار أجهزة التحليل داخل الذاكرة لتلبية تلك الحاجة.

المزايا الاقتصادية

تكمن القوة الثالثة التي تقود ظاهرة الرقمنة في إدراك المسئولين التنفيذيين في كل قطاع من قطاعات الأعمال أن إمكانية تحقيق مزايا اقتصادية هو أمر واقعي وممكن. وبالرغم من أنه من المبكر تحديد تلك المزايا، فقد تم ضخ الكثير من رؤوس الأموال في شركات وتقنيات الرقمنة الحديثة، وشرعت الشركات الرائدة في جني الثمار في الأسواق العامة من خلال حصدها لتقييمات مالية تعيد إلى الذاكرة مشهد السنوات التي سبقت طفرة الإنترنت.

وعلق رامز شحادة، وهو شريك في شركة بوز أند كومباني، قائلاً «أظهرت الدورة الاقتصادية والعولمة مدى ضعف الشركات الكبرى التي أخفقت إلى الآن في تبني الرقمنة، بل إنها حفزت الرؤساء التنفيذيين بشأن ضرورة خفض التكاليف، وتعزيز كفاءة تحقيق الأرباح من القدرات الحالية. ومن ناحية أخرى، تدفع المنافسة المتزايدة في جميع أرجاء العالم الشركات العاملة في كافة قطاعات الأعمال إلى التعامل مع ضغوط الأسعار، وتطوير إجراءات عملها التقليدية، واستحداث بنىً ونماذج أعمال جديدة، وإزالة الحدود بين قطاعات الأعمال، بل وخلق قطاعات أعمال جديدة كليًا».

تأثيرات جذرية

معظم الأفكار والتقنيات التي ساهمت في تشكيل ظاهرة الرقمنة لا تُعَدّ حديثة ومبتكرة، ولكن عند تطبيقها مجتمعة تُحدث درجة من التغيير يضاهي في نطاقه الثورات الصناعية الكبرى التي شهدتها العصور الماضية. وستكون لظاهرة الرقمنة آثار كثيرة وبعيدة المدى على عالم الأعمال بشكل عام، كما ستؤثر على كل قطاع من قطاعات الأعمال تأثيرًا جذريًا.

وسيستفيد كل قطاع من قطاعات الأعمال من الرؤى المتعلقة بإمكانية الحصول على المعلومات بصورة فورية وبدقة عالية مع القدرة على التواصل مع العملاء بشكل أكثر فعالية، حيث يتم الآن بشكل روتيني الحصول على المعلومات المتعلقة بعادات التسوق، والمواقع الجغرافية، والشئون المالية، والأنشطة الاجتماعية، وتاريخ محاولات البحث السابقة، وتداول الأوراق المالية، والسفر، وتاريخ الحالات الطبية، والحالات القضائية، إلى جانب أمور أخرى عديدة، والعمل على معالجتها وتخزينها في مركز أو أكثر من بين 7,5 ملايين مركز بيانات موزعة في جميع أنحاء العالم.

ومن بين النتائج الأخرى، فقد تنامى استخدام أساليب الأعمال الأساسية على غرار التسويق من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، واستشعار مواقع الحشود (crowd sensing)، والاستفادة من الجمهور في توفير المعلومات (crowd sourcing).

وستزداد القدرة الإنتاجية للعمالة نتيجة لارتفاع مستوى الإدارة الموجهة للقوى العاملة، وكذلك التوسع المكثف في أتمتة إجراءات العمل، فقد تطورت مستويات التصنيع بالفعل في العديد من قطاعات الأعمال. علاوة على ذلك، ستتحسن القدرة الإنتاجية للأصول المادية بشكل جذري باستخدام البنية التحتية الذكية، وربط المنتجات المادية بالعالم الرقمي بالاستعانة بالأجهزة اللاسلكية المدمجة، وتعزيز قرارات الاستثمار من خلال إجراء تحليلات أعمق لتزايد كميات البيانات المتبادلة.

مجموعات قيم جديدة وتحولات في القيم الحالية

بفضل المكاسب المحققة على مستوى كل من القدرة الإنتاجية ورؤى الأعمال، ستشهد القيم الحالية ثلاثة أنواع أساسية من التحولات على النحو التالي:

- ستحدث معظم التحولات في قطاعات الأعمال بفضل التغيرات الحاصلة في حصص السوق أو هياكل القطاعات، مما سيميز بوضوح بين الرابحين والخاسرين في السباق الرقمي، ويؤدي إلى الاستحواذ على الشركات الخاسرة أو دمجها.

- سيستفيد المستهلكون استفادةً كبيرة، ليس بسبب خفض الأسعار وتزايد جاذبية العروض فحسب، بل لاتساع نطاق الخيارات وسبل الراحة، كما سيحظون بحياة أطول بفضل التطورات التي تشهدها تقنيات الصحة الإلكترونية وغيرها من التقنيات ذات الصلة.

- ستخلق الرقمنة المرحلة المقبلة من نمو الاستثمارات الرأسمالية، والتي ستتدفق إلى جميع أنواع الشركات، متضمنة شركات التوريد، سواء كانت شركات الأجهزة والبرمجيات فائقة التقنية، أو شركات بناء ذات مستوى منخفض من التقنية، أو شركات للخدمات المهنية، أو شركات جديدة طموحة ومنافسة.

تنازلات لا مفر منها

إن رقمنة أي شركة لها ثمن باهظ، وكلما زاد حجم أعمال الشركة، كلما زادت احتمالية تسبب عملية الرقمنة في إحداث اضطرابات. تتمحور الأسئلة الأساسية التي ينبغي الإجابة عليها من جانب جميع الرؤساء التنفيذيين وإداراتهم التنفيذية حول أربعة موضوعات تتمثل فيما يلي:

- كيف ستؤثر الرقمنة على نموذج عملنا الحالي ومكانة الشركة في إطار إجراءات العمل الخاصة بالقطاع الذي نعمل فيه؟

- ما هي أفضل السبل لتحديد المجالات التي يمكن تحقيق مكاسب فيها وكيفية دخولها، سواءً داخل القطاع أو خارجه؟

- ما هي مجالات العمل التي يمكن للشركات الناشئة استغلالها بما يتسبب في الإخلال بنموذج عملنا الحالي، وما هي أفضل السبل للتغلب على ذلك؟

- ما هي القدرات التي نحتاج لبنائها لكي نصير قادة في قطاع عملنا؟

ستساعد الإجابات على هذه الأسئلة في توجيه الرؤساء التنفيذيين وإداراتهم التنفيذية لاتخاذ قرارات بشأن كيفية ترتيب أولويات استثماراتهم في مجال الرقمنة في ظل العديد من الخيارات المتنافسة.

مسألة وقت

ستختلف سرعة عملية الرقمنة من سوق إلى أخرى بطبيعة الحال، كما سيختلف منهج تطبيقها من قطاع إلى آخر داخل كل سوق من الأسواق، ولذا، يتعين على المسئولين التنفيذيين تقييم مدى استجابتهم وفقًا لقطاعات أعمالهم والأسواق العاملين بها ومكانتهم التنافسية الحالية في تلك الأسواق. كما أضاف رامز شحادة قائلاً: «قمنا بوضع منهجية لتحديد القطاعات التي ستتأثر أولاً. وبوجه عام، نتوقع أن نشهد تسارع خُطى الرقمنة في القطاعات التي لا تفرض الكثير من القيود أمام الاستثمار فيها، وتلك القطاعات التي تعد المعلومات فيها المنتج المحوري أو عامل النجاح الرئيسي في أنشطة انتقال البيانات من القمة إلى القاعدة (downstream)، وتلك القطاعات التي تشكل أنشطة انتقال البيانات من القاعدة إلى القمة (Upstream) أكثر الأنشطة التي تستنزف معلومات أو رؤوس أموال، مما يعمل على توفير فرص منقطعة النظير لتبني الرقمنة للحد من استنزاف رؤوس الأموال وزيادة العائد على رأس المال».

لن ينأى قطاع من قطاعات الأعمال عن آثار الرقمنة، وسيتمثل عامل النجاح الأساسي في فهم الكيفية التي تؤثر بها الرقمنة في كل قطاع، وشدة ذلك التأثير، وبهذا فقط يمكن للشركات تحديد القدرات التي يتعين بناؤها وترتيب أولويات استثمارات الرقمنة التي ينبغي تنفيذها وتوقيت ذلك بشكل دقيق. وفي حال غياب مثل هذا النوع من التقييمات، من المحتمل أن تضطر الشركات إلى ضخ مزيد من الاستثمارات التي تقوق قدرتها، وتجعلها تسير في الاتجاه الخاطئ.

ولقد وصلت الرقمنة بالفعل إلى نقطة فارقة في جميع أقطار العالم، ولكن هذا لا يعني أنها تسير بنفس الوتيرة في كل مكان، أو أن العوامل الخارجية لن تساهم في تسريعها أو إبطائها في مختلف القطاعات والمناطق.

وقد وجدنا أنه من المفيد تقسيم العوامل المؤثرة على سرعة تبني الرقمنة إلى أربعة، وهي: المجتمع والثقافة، والاقتصاد والمخاطر، والاعتبارات التنظيمية والقانونية، والتقنية.

المجتمع والثقافة

يُعزى الزخم نحو عملية الرقمنة بشكل كبير إلى الجيل الجديد من المستخدمين النهائيين، سواء كانوا مستهلكين أو مستخدمين تجاريين، الذين يطالبون بالتمتع بمزاياها التي تشمل مواقع التواصل الاجتماعي الآخذة في الاتساع، وتوافر الإنترنت في كل مكان، وإمكانية الوصول الدائم إلى الأخبار والترفيه والمعلومات. وفي الوقت ذاته، وعلى النقيض من ذلك، تظل المخاوف الاجتماعية والثقافية قائمة، حيث تتزايد المخاوف المتمثلة في فقدان الخصوصية واحتمالية إساءة استخدام الحكومات لمجموعة التقنيات المتوافرة مع تزايد بناء العالم الرقمي. وتوجد بالفعل بنية تحتية قوية نسبيًا لمساندة عملية الرقمنة، ولكن يصعب توفير الاستثمارات المطلوبة لتحقيقها بالكامل، سواءً بالنسبة للبنية التحتية الإضافية اللازمة، أو الخدمات والتطبيقات التي ستُبنى على أساسها. وقد يؤدي تضارب المصالح الاقتصادية إلى إبطاء حركة الاستثمارات الإضافية اللازم ضخها في البنية التحتية، فضلاً عن أن الأعطال الجسيمة وحوادث سرقة البيانات الشخصية والمؤسسية المهمة التي حدثت مؤخرًا تطرح تساؤلات حول مخاطر الثقة المفرطة في البيئة الرقمية المعقدة.

وتوفر الحكومات والمؤسسات بالفعل مساندةً كبيرةً لعملية الرقمنة، بما يتضمن الأنظمة المعنية بالمعلومات الصحية ومسائل الخصوصية، والقوانين المعنية بمخاطر المساءلة من حيث صلتها بالمعلومات والربط الشبكي، وذلك يسري في بعض الاختصاصات القضائية على الأقل. كما ساهمت العديد من الحكومات في تعزيز الاتساق في وضع المعايير التقنيّة وتطبيقها، وساهمت بشكل كبير في التوزيع العادل للطيف الترددي في معظم الأحيان.

العدد 3514 - الجمعة 20 أبريل 2012م الموافق 28 جمادى الأولى 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً