العدد 3516 - الأحد 22 أبريل 2012م الموافق 01 جمادى الآخرة 1433هـ

ماذا لو وقعَ المحذور؟!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

سؤال وجيه وواقعي جدًا. ماذا لو وقع المحذور؟! أيُّ محذور؟ إنه التقارب الاستراتيجي الإيراني الأميركي. مَنْ منا قادرٌ على تصوّر ذلك؟ فالجميع، يحمل في ذاكرته علاقة مأزومة بين الجانبين، منذ أزيد من ثلاثة عقود، تخللها عقوبات اقتصادية، وحرب عسكرية، واغتيالات، وحصار سياسي، وتحريض إعلامي. وفي أفضل الأحوال، تفاهمات موضوعية يتيمة في العراق وأفغانستان. لكن لم يتصوَّر أحد بعد، الشكل الآخر من العلاقة. هذا الأمر ليس بعيدًا في أن يكون واقعًا أمامنا في لحظة ما، إذا ما تحققت متطلباته السياسية والموضوعية للندَّيْن.

ماذا لو تفاجأ العالَم، على خبر افتتاح سفارتين، واحدة في طهران، تمثل الأميركيين، وأخرى في واشنطن تمثل الإيرانيين، وأصبح فيهما ملحقيات ثقافية وعسكرية واقتصادية، ووقَّع الجانبان اتفاقيات استراتيجية، طويلة الأمد، كاتفاقية التجارة الحرة، وبدأت الشركات الأميركية العملاقة، تدخل إلى السوق الإيراني، الصناعي والاستهلاكي، وتحصل فيه على عقود بمليارات الدولارات، مصحوبة، بامتيازات تفضيلية، كالتي تملكها واشنطن في المنطقة.

ماذا لو رأينا الجانبين، وهما يقومان بتدريبات عسكرية بحرية مشتركة في مياه الخليج العربي، وأخرى برية في صحراء طبس أو خلوص في عمق الأراضي الإيرانية، وثالثة جوية، على تخوم منطقة أرومية وباختران، أو عند بحر قزوين؟! وماذا لو رأينا، أن وكالة المخابرات المركزية الأميركية الـ (سي آي أيه)، تفتتح لها مكتبًا في طهران، كالذي تستخدمه في الكثير من عواصم المنطقة والعالَم، وأصبح بينهما تعاون أمني؟ وماذا لو رأينا موانئ الجنوب الإيراني، وهي تتحول لنقطة ارتكاز عسكرية واقتصادية للأساطيل الأميركية الماخِرَة في مياه الخليج؟

وماذا لو رأينا المندوب الإيراني في الأمم المتحدة، وهو يُصوِّت لصالح قرارات أمميّة مدعومة من واشنطن، ثم يخرج لنا المتحدث باسم البيت الأبيض ليقول، أن من حق إيران امتلاك تكنولوجيا نووية، وأن واشنطن تتفهم أبحاث طهران في معامل الماء الثقيل بنطنز وأراك وفردو، لمواجهة التهديدات الخارجية؟ ثم رأينا التقرير السنوي الصادر عن الخارجية الأميركية، والخاص بأوضاع حقوق الإنسان، وهو يشيد بمستوى الحريات، وحماية الحقوق المدنية داخل إيران.

هذه مجرد تصوُّرات يُمكن أن تتحقق في لحظة ما. لكن السؤال، هو: كيف سيكون شكل المنطقة، بعد حدوث مثل هذا التطور النوعي في العلاقات الإيرانية الأميركية؟ الحقيقة، هي أن انعكاسات ذلك التحول ستكون غائرة، وعمودية، لشكل المنطقة، بل ولعموم منطقة الشرق الأوسط. وسيكون هناك واقع سياسي واقتصادي وأمني وثقافي جديد يَجِبُّ ما سبقه من حال، وستكون إيران الثورة، محوره، ودولابه بالضبط مثلما كانت تمثله إيران محمد رضا بهلوي قبل انتصار الثورة. وهو واقع فوضوي، سيؤثر على الجميع، بالضبط مثلما حصل من تأثيرات وانعكاسات على المنطقة الأوروآسيوية وغرب الأطلسي، بعد التحولات الكبيرة، في التحالفات، ما بين الرأسمالية والشيوعية، ضد الفاشية في الأربعينيات.

للوهلة الأولى، سينعكس ذلك إن حصل على جوار إيران. في الشرق، هناك باكستان وأفغانستان. وفي الشمال هناك أرمينيا، وتركمانستان وأذربيجان. ومن الجهة الغربية، هناك العراق وتركيا، وفي الجنوب دول الخليج الست. فمن الجهة الشرقية حيث باكستان، سيكون لإيران نفوذ حتى مناطق تربت وجوادار مرورًا بـ دادو ولاكرنا وانتهاءً بـ كيتا، لتقوية الحزام الإيراني الشرقي. وفي الجانب الأفغاني، ستطلق اليد الإيرانية، زيادة على ما هي عليه من قصر كارازي الرئاسي، وزيادة النفوذ السياسي فيه، إلى مركز العمليات الأمنية في وزارة الداخلية الأفغانية، وتطويق المناطق الحدودية كـ هيرات وفرح ولشكرجا وامتيازات أكثر في نهر هلمند.

وفي الجهة المطلة على آسيا الوسطى، ستتغيَّر معادلات بحر الخزر مع تركمانستان، وموازين الصراع على ناغورني كاراباغ بين الأرمن والآذريين، ومن ثم، تكامل النفوذ الأميركي في تلك المنطقة، القريبة من الأراضي الروسية الشاسعة، بالإضافة إلى إعادة تموضع كارتلات الغاز الممتدة من روسيا وتركمانستان، مرورًا بإيران ووصولاً إلى قطر. أما من جهة الغرب، فتصبح إيران أكثر قربًا من العراق بوجود تحالف ثلاثي بينها وبين بغداد وواشنطن، وتحوّل الجغرافيا الإيرانية، إلى جغرافيا أكثر قربًا من أوروبا عبر الأراضي التركية، والتي توفر لها الآن منفذًا باتجاه نقل غازها ونفطها إلى وسط أوروبا ولكن بمخاطر التنافس مع تركيا، وعلاقة إيران بالأرمن غرماء الأتراك.

أما من ناحية الجنوب، فيُخشى أن يتشكل حلف أحزمة جديد، يمتد من جنوب وسط آسيا، مرورًا بإيران والعراق وسورية، وانتهاءً بتركيا، حيث أوروبا، تستفيد من شاطئيَّة الأراضي الإيرانية، المطلة على الخليج العربي، والتي تزيد على 1200 كم. وخصوصًا أن ما يُميزها عن الحدود المقابلة، هي وجود تلك الحدود الممتدة، تحت قبضة نظام سياسي واحد غير متجزء وحليف، وبالتالي خضوعه لسيادة واحدة، ولمنظمة مصالح واحدة بعيدة عن التقاطع السياسي والاقتصادي، فضلاً عن كونها سواحل تفضي إلى يابسة هي بالأساس قاعدة صلبة، باتجاه شرق آسيا، وبالتحديد، للقوتين الكبيرتين، وهما الصين والهند، بالإضافة، إلى تبدل ميزان القوى مع الروس، وبالتالي، تصبح هذه المياه، وما خلفها من أراضٍ شاسعة، نقطة تحول جيوسياسي استثنائي، يعيد تسمية الوجود الأميركي من الخليج حتى الصين.

أيضًا، سيعيد ذلك الشكل السياسي الجديد، من رسم الحضور الإيراني في منطقة الشرق الأوسط. فوجود جغرافيا إيرانية تزيد مساحتها على الـ 1,648,195 كم2، وكتلة بشرية تصل إلى 74 مليون إيراني، تستوي عليها العديد من القوميات، كالفرس والترك والآذريين والعرب واللور والتركمان والبلوش، وأكثر من 110 من اللغات الأصلية والمتولدة، سيعني أن هناك واقعًا سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا وثقافيًا كبيرًا قد بدأ في فرض نفسه طواعية، ومن خلال التحالف مع دولة عظمى تمتلك أكبر جيوش العالم، ونصف الاقتصاد العالمي.

هذه الرؤية لا يمكن اعتبارها ضربًا من الخيال، بل هي قد تصبح واقعًا قائمًا إذا ما فهمنا لا صديق ولا عدو فيها. المهم من كلّ ذلك، أن على الجميع في المنطقة، أن يأخذ في الاعتبار مثل هذا التصور، وهو ما يفرض عليهم التعامل معه بطريقة أكثر واقعية منذ الآن.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3516 - الأحد 22 أبريل 2012م الموافق 01 جمادى الآخرة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 18 | 6:43 ص

      لولا ايران لما سقطت بغداد

      ممكن بس عندما يأتي أبن الشاه للحكم هذا على العلن أما حاليا و بالخفاء ما أعلن عنه أبطحي نائب الرئيس السابق ( لولا إيران لما سقطت بغداد ولا كابول في يد الامريكان)

    • زائر 13 | 5:03 ص

      الى الجحيم

      الى الجحيم يايران وياامريكا

    • زائر 11 | 4:20 ص

      رجماً بالغيب واجتهاد مقابل النص

      هناك نصوص لا يمكن ان تتنازل عنها ايران للشيطان الاكبر اما الجوانب الفرعيه فيمكن ان يحدث بها العكس

    • زائر 9 | 2:59 ص

      يقال ان السيسة نجاسة وكل شىء ممكن يصير حتى تقرير المصير

      يقال ان السيسة نجاسة وكل شىء ممكن يصير حتى تقرير المصير

    • زائر 8 | 1:33 ص

      يبوعبدالله

      هذا ما تنبئنا به وعقبنا عليه عندما طرحت موضوع ايران في مقالك السابق ماذا لو حدث المحذور ورات الدول الكبرى ان مصلحتها ان ترتمي في الحضن الايراني والتحالف مع دوله هي الاقوى في المنطقه وهذا مايلوح في الافق وما يدور خلف الكواليس من غزل مشبوه بين القوى العظمى وايران ويبدو ان هناك توجه قريب بتخفيف العقوبات على ايران التى باتت لاتقلق الايرانين واضرت كثيرا باقتصاد الدول الفارضه للعقوبات ساعتها سيكون الحلفاء الكلاسيكيين في مهب الريح وسترسم خارطه تحالفات جديده في الشرق الاوسط وهذه لعبه المصالح.ديهي حر

    • زائر 5 | 1:08 ص

      السياسة

      ليس هناك ما لا يمكن توقعه في السياسة

    • زائر 4 | 12:56 ص

      غير متوقع ولكن

      إذا حصل هذا وهو غير متوقع أبدا فسيكون هناك عدة مواقف. دولتين أصلا على علاقة طيبة بإيران فستقويا علاقتهما. ودولتان تعاديانها فستتورطان. ودولتان أمعه فسوف تنافقانها

    • زائر 2 | 11:44 م

      علي نور

      تحية لك سيدي الكريم
      يبدو ان المواضيع الواقعية قد انتهت ولم تبقى سوي المواضيع الا فتراضية؟؟؟ .. عجيب
      امريكا وين وايران وين

اقرأ ايضاً