العدد 3516 - الأحد 22 أبريل 2012م الموافق 01 جمادى الآخرة 1433هـ

قانونيّاً... لا يكفي اعتذار وزارة الداخلية عن أخطاء تابعيها

علي محسن الورقاء comments [at] alwasatnews.com

محامٍ بحريني

«التابِعُ» وفق المفهوم القانوني هو من يخضع لسلطة المتبوع، وهذه السلطة قد تنصب على الرقابة والتوجيه والإمرة، أو على الإدارة والإشراف. وبمقتضى هذه السلطة يصبح القاصر مثلاً تابعاً لوليه أو وصيه، والتلميذ في مدرسته تابعاً لمعلمه، والخادم في البيت تابعاً لمخدومه، والعامل أو الموظف في المؤسسة تابعاً لصاحب العمل، سواء كان صاحب العمل شخصاً طبيعياً أو شخصاً اعتبارياً كالمؤسسة في القطاع الأهلي، أو المرفق العام التابع للحكومة، وأياً تكن طبيعة عمل هذا العامل أو الموظف مدنيةً كانت أو عسكرية.

ولا تقوم الرابطة التبعية بين المتبوع والتابع على النحو السابق إلاّ إذا كانت هناك للمتبوع سلطة فعلية وحقيقية على التابع، حتى وإنْ كانت هذه السلطة غير شرعية أو كانت قائمة على عقد عمل باطل.

ومن آثار هذه التبعية أن المتبوع يكون مسئولاً مسئولية قانونية عن أخطاء تابعيه ، وهذا ما نص عليه القانوني المدني البحريني في المادة رقم (172/أ) بقوله « يكون المتبوع مسئولاً، في مواجهة المضرور، عن الضرر الذي يحدثه تابعه بعمله غير المشروع، متى كان واقعاً منه في أداء وظيفته أو بسببها».

وعليه متى ثبت خطأ التابع أثناء تأديته وظيفته أو بسببها وألحق هذا الخطأ ضرراً بالغير تقوم مسئولية المتبوع.وهذه المسئولية تقوم على أساس «فكرة الضمان»فيكون المتبوع كافلاً للتابع فيما يرتكبه من خطأ يصيب الغير بالضرر، وعلى هذا الأساس يتحمل المتبوع جريرة تابعيه فيما يرتكبوه من أخطاء تضر بالآخرين.

في حين يجمع الفقه الحديث على أن مسئولية المتبوع تقوم على أساس «فكرة الحلول»، بمعنى أن المتبوع (صاحب العمل مثلاً) يحل محل التابع (العامل)عندما يرتكب هذا الأخير خطأً يعاقب عليه القانون أو خطأً يوجب التعويض عنه، وطبقاً لهذا الأساس يعتبر المتبوع (صاحب العمل) وكأنه هو من ارتكب الخطأ.

وقد اعتنقت الدول المتحضرة مبدأ الحلول أساساً للمسئولية، ولذا نجد أنه عندما يرتكب أحد تابعي الحكومة في هذه الدول خطأ جسيماً يُعرِّض حياة المواطنين للخطر أو يمس حقوقهم تستقيل الحكومة أو يستقيل الوزير المختص على الأقل، لأنها بمقتضى هذا الأساس تعتبر نفسها قد حلَّت محل التابع في جريمته أو في خطئه فتتحمل هي العقوبة أو الجزاء ذاته الذي يتحمله مرتكب الخطأ من تابعيها.

وتطبيقاً لفكرة الحلول ليس بالضرورة أن يكون التابع (مرتكب الخطأ)قد ارتكب الخطأ عن قصد وسبق إصرار إنما يجوز تطبيقها وإنْ يكن التابع قد ارتكب الخطأ عن غير قصد.مثال ذلك حادثة خروج قطار عن مساره في مدينة امستردام بهولندا التي أودت بحياة عدد من المواطنين، إذ قدَّم الوزير المختص هناك استقالته رغم أن المخطئ (التابع)كان فرداً واحداً وهو سائق القطار، ورغم أن خطأ قائد القطار لم يكن آنذاك عن قصد وسبق إصرار وإنما كان عن إهمال وقلة احتراز.

بل وليس من الضرورة أيضاً أن يكون هناك خطأ من الأساس من قبل التابع، مثال ذلك سقوط صخور من جبل المُقطَّم بمصر على قرية مجاورة لهذا الجبل قد حمل وزير البيئة هناك على تقديم استقالته رغم أن تساقط تلك الصخور لم يكن عن خطأ صادر من تابع له.والأمثلة كثيرة على ذلك لا يسع المقام لسردها.

ولتطبيق فكرة الحلول أيضاً لا يلزم أن يكون الخطأ صادراً من جماعة من التابعين، كما لا يلزم أن يكون الخطأ الواقع بعلم المتبوع، فيستوي أن يكون الخطأ صادراً من تابع بمفرده أو من جمع من التابعين، كما يستوي أن يكون الخطأ الواقع بعلم المتبوع أو بغير علمه.

وفي سياق ما تقدم هناك من يسأل: فيما لو أن بعضاً من رجال الأمن العام التابعين لوزارة الداخلية أو غيرها - قد ارتكبوا خطأً انطوى على فعل جنائي أثناء تأديتهم عملهم وكان هذا الفعل الجنائي يتنافى مع واجب رجل الأمن ، هل يكفي اعتذار وزارة الداخلية (المتبوع)عن هذا الخطأ ؟، وهل يصح دفاعها باعتبار أن ما حدث كان تصرفاً فردياً من أحد تابعيها لرفع المسئولية عن نفسها، خاصة إذا كان هذا التصرف متكرراً ؟. وما هي مسئوليتها في مثل هذه الحالة ؟.

في اعتقادنا أن مجرد الاعتذار أمر غير مقبول البتة وإن قُبل لا يعفي المتبوع من المسئولية، أما الدفاع القائم على أساس أن الأخطاء المرتكبة من قبل عنصر، أو عناصر، من الأمن العام كانت تصرفات فردية هو دفاع غير سليم ، إذ أيما يكن هذا التصرف فردياً أو جماعياً لا يُغيِّر من الأمر شيئاً، فتبقى مسئولية وزارة الداخلية قائمة وكأنها هي من قامت بهذا الفعل، سواء أسسنا مسئوليتها على أساس فكرة الضمان القانوني أو على أساس فكرة الحلول، إذ أنه في كلا الحالين يحل المتبوع محل التابع ويصبح الشخصان شخصاً واحداً، وتمسي شخصية المتبوع في هذه الحالة (وهي وزارة الداخلية) امتداداً لشخصية التابع فتكون مسئولة عما يقترفه تابعوها من أعمال غير مشروعة، سواء كان هذا العمل غير المشروع صادراً من شخص واحد بعينه أو من جماعة، وسواء كان هذا الخطأ تصرفاً قانونياً أو عملاً مادياً، طالما وقع هذا الخطأ أثناء تأدية التابع عمله.

وحيث أن من واجب رجل الأمن المحافظة على أمن الناس وسلامتهم بالدرجة الأولى، فمتى ارتكب رجل الأمن عن قصد وسبق إصرار عملاً يتعارض مع هذا الواجب، اياً تكن رتبته ومركزه، اعتبر ذلك العمل جريمة بدرجة جناية يعاقب عليها القانون بعقوبة مشددة، فلا يجوز من ثم للمتبوع تبرير هذا الخطأ أو رفع المسئولية عن نفسه بحجة أن هذا الخطأ جاء تصرفاً فردياً، أو أنها لم تأمر به، خاصة إذا ما تكرر هذا الخطأ أكثر من مرة كما يُقال.

وإذا كانت مسئولية المتبوع وفقاً لمبدأ الحلول على النحو السابق تتحقق بمجرد وقوع خطأ من التابع وإنْ كان هذا الخطأ عن غير قصد ، فإنه من باب أولى تتحقق هذه المسئولية حين يرتكب التابع خطأً عن عمد وسبق إصرار.

وحيث أن الخطأ المرتكب من قبل رجل الأمن (التابع)عن عمد وسبق إصرار يعتبر جريمة تصل عقوبتها إلى الفصل من العمل على أقل تقدير، فإنه تأسيساً على مبدأ «الحلول»، وبناء على اعتبار شخصية المتبوع امتداداً لشخصية التابع على نحو ما تقدم فإن هذه العقوبة يفترض انسحابها على شخص من يدير المرفق الحكومي (المتبوع)بفصله أو باستقالته هذا فضلاً عن حق المضرور في مساءلة المتبوع ومطالبته بالتعويض عما لحقه من أضرار مادية ومعنوية نتيجة ذلك الخطأ. مع التنويه إلى أن العقوبة الجنائية الماسة بالحرية تحديداً (السجن أو الحبس) والمقررة بحق التابع مرتكب الجرم الجنائي لا تلحق شخص مدير المرفق المتبوع إلاّ إذا كان هو من أمر التابع بارتكاب الجريمة أو أشرف عليها أو كان شريكاً فيها.

إقرأ أيضا لـ "علي محسن الورقاء"

العدد 3516 - الأحد 22 أبريل 2012م الموافق 01 جمادى الآخرة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 12 | 4:55 م

      هاه

      قد اسمعت اذ ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي

    • زائر 10 | 7:12 ص

      no body condones the mistakes

      not only appolgy but baked with compesations that is what the government offerred any one that has been wronged this has been mentioned in your article

    • زائر 8 | 5:58 ص

      !!!

      حسناً،
      والجرائم التي حواها تقرير بسيوني... من التابع فيه ومن المتبوع؟!!

    • زائر 6 | 3:04 ص

      المشتكى لله

      نوجه شكوانا للذى لاتنام عينه فهو العادل .........

    • زائر 5 | 2:57 ص

      هذا يعتمد على فداحة الجرم

      الجرم البسيط الذي لا يتسبب في زهق ارواح او تعذيب بشر او تعذيبه او فقدانه احد اعضائه او سواه من الامور كالامور المادية التي يمكن تعويضها بالكامل فهنا يمكن قبول الاعتذار بعض التويض الشامل الكامل للأذى الذي لحق بالانسان.
      اما في حالة فقدان حياة شخص او اكثر فهنا تكون الامور مختلفة لا بد من التحقيق الدقيقة وتقديم كل الادلة والبراهين ومن ثم اذا ثبت تقصير او غيره فالاعتذار ليس كافية اما اذا كان الحدث عمدا فإن تقديم من قام بالامر ضروريا

    • زائر 4 | 1:36 ص

      شتقول استاذ علي

      حتى اذا مرفوع عنهم القلم؟؟؟؟؟ديهي حر

    • زائر 3 | 1:01 ص

      النصر قريب

      الشكر لك استاذانا العزيز
      اتمنى ان تكتب لنا عن توقعاتك للوضع مستقبلا والحلول للخروج من الازمه
      تحياتي لك

    • زائر 2 | 11:22 م

      فشهادة الزور ظلم...

      اخى الكاتب اشكرك على مقالك.
      وتذكر قوله تعالى:

      ((ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون، إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار))

    • زائر 1 | 11:15 م

      ظلم ظلمات

      اقول : فإن سولت لك نفسك في يوم من الأيام على ظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك...

اقرأ ايضاً