العدد 3517 - الإثنين 23 أبريل 2012م الموافق 02 جمادى الآخرة 1433هـ

اللهجة البحرانية: الاقتراض من الأكدية والآرامية

تأثرت اللغة الآرامية باللغة الأكدية وقد اقتبس الآراميون العديد من الألفاظ الأكدية، وبالمثل تأثرت القبائل العربية التي استقرت بالقرب من الآراميين باللغة الآرامية، وانتقلت العديد من الألفاظ الآرامية إلى العربية وخصوصاً تلك المرتبطة بالمهن الحضرية، كالزراعة، التي تعلمتها القبائل العربية التي تحضرت. وعندما ظهرت الديانة المسيحية وأصبحت اللغة السريانية اللغة الطقسية ولغة العلم كان للسريان في ما بين النهرين نحو خمسين مدرسة تُعلم فيها العلوم السريانية واليونانية وأشهرها مدرسة نصّيبين الأولى والثانية والرها وقنّسرين وجنديسابور. وكانت هذه المدارس بمثابة جسور عبرت فوقها علوم الأوائل كالفرس واليونان والتي كانت في مجموعها ذات أثر فاعل ومباشر على النهضة العلمية التي شهدها العالم العربي وخصوصاً مدرسة جنديسابور؛ إذ اتصل العرب بهذه المدرسة قبل الإسلام، وأتيحت الفرصة لبعض الطلاب أن يواصلوا دراستهم هناك، وكانت مدرسة جنديسابور أحد الروافد التي تلقى منها العرب العلوم اليونانية والسريانية، وكان أطباؤها - خاصة - يعتزون بعلمهم، وعندما ظهر الإسلام وفتح المسلمون فارس والعراق والشام ومصر في القرن السابع الميلادي، رأوا ما في هذه البلاد من مدارس تحتضن حضارة اليونان وفكرهم ولم يكونوا على جهل بهذه الثقافات جهلاً تاماً، لأن بعض المؤثرات الثقافية من المدارس السابقة تسرّبت إليهم. وبفضل ما أثاره الإسلام من حماسة للعلم وحثهم على التسامح إزاء الديانات الأخرى أدّى ذلك إلى تزوّد المسلمين بقسط نافع من الثقافات التي التقوا بها ولم يكن السبيل إلى معرفتها إلا بترجمتها (خضر 2007).

ومع مرور الزمن سُحب البساط من تحت أقدام مدرسة جنديسابور؛ إذ تركزت العلوم في بغداد وانتقل علم الطب وغيره إلى دار الحكمة. وبعدها أفل نجم جنديسابور؛ لكنها ظلت ذات مكانة كبرى في تاريخ العلم والطب في العالم (خضر 2007).

مدى اقتراضاللغة العربية من الآرامية

هناك اختلاف بين الباحثين بشأن مدى اقتراض العربية من الآرامية، فنجد إبراهيم السامرائي يقلل من مدى الاقتراض، فحتى وإن كانت اللغة السريانية لغة العلم واقترض العرب منها؛ إلا أن السريانية، وكذلك الأكدية، هي لغات سامية «وهذا يهدي إلى أن المادة اللغوية في أي من هذه اللغات هي مادة سامية، ومن ثم لابد أن تكون في السامية الأم ... فليس لنا أن نقول: «الألفاظ السريانية أو العبرانية في اللغة أو العكس، ذلك أن جمهرة ما يتخيل أنه سرياني أو عبراني أو شيء آخر عرف في العربية لم يكن إلا مواد سامية عرفتها العربية كما عرفتها السريانية أو العبرانية أو البابلية الأشورية أو غيرها من هذه اللغات. ولابد أن نستدرك قليلاً فأقرر استثناءً طفيفاً يخرج عن هذه القاعدة العلمية، وهو أن طائفة من الألفاظ، ولتكن على سبيل المثال من السريانية، قد استعيرت في العربية من السريانية، وذلك لأنها ألفاظ خاصة بهذه اللغة كالألفاظ النصرانية مثلاً ... غير أننا إن تجاوزنا هذا القدْر من الألفاظ الخاصة دخلنا في المشترك العام من الألفاظ السامية فلا يمكن أن ينسب إلى لغة من هذه اللغات دون غيرها» (السامرائي 1985، ص 23).

بينما يرى باحثون آخرون أن هناك ألفاظاً عديدة اقترضتها العربية من السريانية أو الأكدية وخصوصاً ألفاظ الحضارة، فاللغة العربية هي أقرب لغة إلى اللغة السامية الأم؛ والسبب في ذلك «يعود إلى أن العربية عقيب انفصالها عن الأم انزوت دهراً طويلاً في بقعة نائية عن العالم المعروف يومذاك؛ ما ساعدها على التشبّث بالأصول القديمة. حتى إذا حان وقت انتشارها العظيم مع الفتوحات الإسلامية في القرن السابع للميلاد، استطاعت أن تحتفظ بتلك العناصر الأصلية» (أغناطيوس يعقوب الثالث 1969، ص 10)؛ إلا أن الأكديين والآراميين طوّروا من العديد من المهن المختلفة التي ارتبطت بالعديد من الألفاظ التي طورها أو أستحدثها الأكديون والآراميون، وعندما بدأت القبائل العربية بالاستقرار تعلموا تلك المهن المختلفة وبذلك تداخلت ألفاظ تلك المهن مع ألفاظهم، فيلاحظ أنه قد تشابهت في كلتا اللغتين العربية والسريانية «مئات من الألفاظ معنى ولفظاً، وهي إما مما توارثناه عن اللغة الأكدية؛ أو مما اقترضته كل منهما من الأخرى» (أغناطيوس يعقوب الثالث 1969، ص 12 - 13).

منهجية دراسة ألفاظ اللهجة

بسبب التضارب في الآراء بشأن مدى اقتراض اللغة العربية من اللغات السامية الأخرى فلابد لنا من العمل بمنهجية دقيقة في تحقيق ألفاظ اللهجة، تبدأ أولاً بتحديد معنى المفردة كما هو متعارف عليه عند العامة ومن بعد تبدأ عملية البحث عن أصل اللفظ إذا كان ورد في المعاجم العربية بالمعنى نفسه أو أن جذر الكلمة موجود بينما حدث تطور دلالي للفظة أو أن اللفظة قد تكون من أصل غير عربي. ويجب الأخذ بالاعتبار أن العديد من الألفاظ العامية في أي قطْر من الأقطار العربية، في حال كونها من أصل عربي، قد خضع لتطور معين إما في تركيبه، من إبدال حروف أو حذف حروف معينة، أو في دلالة المفردة، من تعميم وتخصيص، أو أن اللفظة عبارة عن اصطلاح تعارفت عليه العامة وهو مشتق من لفظة أخرى عربية.

وفي مثل هذه الدراسات يجب أيضاً التفريق بين المفردات القديمة ومفردات الحضارة الحديثة، ففي البحرين هناك خصوصية للمفردات القديمة بسبب وجود ارتباط بين تلك المفردات ولهجة خاصة، فالمفردات المتعلقة بالمهن الحضرية كالزراعة وصناعة الفخار والنسيج والحدادة وحتى الصناعات المتعلقة بالبحر هذه المفردات مرتبطة أيضاً باللهجة البحرانية؛ إذ إنه من الثابت تاريخياً، كما سبق أن أسلفنا، أن البحارنة هم من مارسوا هذه المهن وبالتالي فالبحث عن ألفاظ هذه المهن هو البحث في ألفاظ اللهجة البحرانية (Serjent 196، Holes 2002 and Holes 2006). أضف إلى ذلك أن ألفاظ هذه المهن هي ألفاظ ارتبطت بالحضارة والاستقرار ومثل هذه الألفاظ قليلة، إن لم تكن نادرة الذكر في المعاجم اللغوية القديمة، وربما يعود سبب قلة ذكر هذه الألفاظ أنها من أصل سامي لكنها ليست عربية أو ربما بسبب أن من وثّق الألفاظ العربية من اللغويين القدماء لم يهتم بألفاظ الحضارة وتم التركيز على ألفاظ البداوة وبذلك تكون العديد من الألفاظ الحضرية هي عربية الأصل وإنما أهمل ذكرها في المعاجم العربية (Holes 2006).

بالإضافة إلى المفردات الحضرية القديمة المرتبطة باللهجة البحرانية هناك أيضاً ألفاظ ارتبطت بلهجة العرب؛ ولكنها في الغالب لها امتدادات أخرى ومنها ما هو مرتبط بالمهن البدوية. بالطبع هناك ألفاظ مشتركة بين اللهجة البحرانية ولهجة العرب وهي تضم ألفاظاً من أصول عربية وألفاظاً أخرى تصنف ضمن مجموعة خاصة من الألفاظ وهي المفردات الأجنبية والمفردات المستحدثة التي تداخلت مع مفردات اللهجات المحلية، مثل المفردات المتعلقة بالسيارات وتصليحها أو الأدوات الكهربائية أو أدوات السباكة أو الأثاث المنزلي الحديث أو أدوات الطبخ الحديثة وغيرها مما دخل البحرين في القرن الماضي. هذه المفردات مسلّم أنها أجنبية ويمكن الرجوع إلى أصول هذه المفردات في المعاجم المتخصصة التي درستها. وهذه المجموعة الأخيرة من الألفاظ لا تختص بلهجة دون أخرى فهي ألفاظ عامة مشتركة.

أما فيما يخص الكتب المنشورة والتي درست مفردات «المواطن البحريني» وأصولها فلا يمكن التعويل عليها في دراسة ألفاظ اللهجات؛ فقد وقع مؤلفو هذه الكتب في أخطاء منهجية؛ إذ إنهم لم يصنفوا الألفاظ المدروسة بحسب اللهجة وبحسب القدم، ولم تراع قوانين تطور اللغة، ولم تراع الدقة في تحقيق الألفاظ، وسنتطرق إلى هذه الدراسات بالتفصيل في فصول لاحقة عند دراسة الألفاظ المستحدثة.

الامتداد الأكديوالآرامي للهجة البحرانية

درس Holes المفردات في البحرين وشرق الجزيرة العربية وجمعها في كتاب نشر العام 2001، وفي بحوث لاحقة أختار Holes عدد من تلك الألفاظ وحدد أن لها أصل أكدي وبعضها لها أصل آرامي، وقد صرح Holes في هذه الدراسات أن ألفاظ اللهجات الحضرية في هذه المنطقة هي التي تتميز بألفاظ من أصل أكدي أو آرامي، وفي البحرين خص Holes اللهجة البحرانية، دون غيرها، بأن بها ألفاظ ذات أصول سامية غير عربية وذلك لارتباط البحارنة بالمهن الحضرية ذات الامتداد القديم (Holes 200، Holes 2006، and Holes 2011). وعلى هذا الأساس سنبدأ بدراسة الألفاظ المتصلة بالمهن القديمة ونحدد الألفاظ الغريبة والتي يرجّح أنها من أصل سامي غير عربي وبالتحديد أصل أكدي أو آرامي. يذكر هنا أن المراجع التي رجعت لها تكتب الكلمات برسم خاص متعارف عليه عالمياً، وقد رجعت لكتاب عامر سليمان «اللغة الأكدية» وذلك لمعرفة الحرف العربي المقابل للحروف المستخدمة في كتابة الكلمات الأكدية والسريانية (سليمان 2005، ص 101، ص 347 – 368).

العدد 3517 - الإثنين 23 أبريل 2012م الموافق 02 جمادى الآخرة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً