العدد 3529 - السبت 05 مايو 2012م الموافق 14 جمادى الآخرة 1433هـ

جمال خطي في كتابة التقارير لفت انتباه الدكتور سنو ونقلني للسجلات الطبية

من أوائل «المضمدين» البحرينيين بدائرة الصحة... الحاج محمد حسن التاجر (1-2):

الحاج محمد حسن التاجر في حديثه إلى «الوسط»
الحاج محمد حسن التاجر في حديثه إلى «الوسط»

كان في التاسعة عشرة من عمره تقريباً حين التحق بأول وظيفة له بدائرة الصحة، في العام 1950 وقتما كان يطلق على وظيفته «مضمد»، وهي باصطلاح التمريض اليوم «مساعد ممرض»، فهو من أوائل البحرينيين الذين انضموا إلى العمل بدائرة الصحة تحت إدارة (الدكتور سنو) حتى تقاعده في العام 1993... ولهذا فإن ضيفنا الحاج محمد حسن التاجر الشهير بـ (أبو عباس)، يمتلك كمّاً جميلاً من الذكريات في مرحلة الصبا والشباب بين ربوع أبوصيبع والشاخورة والمنامة، وشارع البديع الذي كان يقطعه ذهاباً وإياباً مشياً على الأقدام تحت ظلال أشجار اللوز.

يحكي لنا أنه كان ذات يوم، كمساعد ممرض، يكتب بعض التقارير المتعلقة بالمرضى والتي تحتاج إليها الممرضات باللغة الإنجليزية، ولم تكن نصوصه قوية بقدر جمال خطه! لهذا، لفت الخط الجميل انتباه الدكتور سنو في احدى زياراته القسم، فسأل عنه وطلب مقابلته في دائرة الصحة العامة، وتم نقله الى قسم السجلات الطبية... الراتب آنذاك كان كبيراً ومغرياً... ثماني وخمسين ربية ونصف (يعني ستة دنانير تنقص مئة وخمسين فلساً).

سيحة الشاخورة... أم النخيل

سنبدأ حديث الذكريات مع الحاج محمد حسن التاجر من باب (طفولة القرية الجميلة)، وهذا مدخل جميل نعيش فيه عبق الماضي، فحدثنا عن سيحة الشاخورة؟

- أنا من مواليد العام 1932 وتحديداً في سيحة الشاخورة، والسيحة لفظة تطلق على المكان الممتلئ بالنخيل، فحين يقولون سيحة عالي أو سيحة سترة؛ فهي منطقة وسط بساتين النخيل، وقرية أبو صيبع كانت مشهورة بأشجار السدر (الكنار) واللوز والرويد والبوبر والبطيخ والتين، في حين امتازت الشاخورة بأنواع النخيل، وعموماً؛ الفرق في المسافة بين القريتين يقدر بحوالي 200 متر... ولادتي كانت في جزء من القرية يسمى «لمبود»! ولا أدري حقيقة ما معناها؟ وعشت فيها الى سن السادسة، وأتذكرها جيداً فقد كانت بين أشجار نخيل كثيفة، وفي شرقها غدير ماء، وهذا الغدير قريب من مسجد الشيخ فخر الدين.

العيش في بيت الشيخ محسن التاجر

ومن «لمبود» التي لا نعرف معناها، كنت تتوجه الى منزل المرحوم الحاج صالح الزاكي لتعلم القرآن الكريم؟

- هذا صحيح، أول ما تعلمت عند الكتاتيب (القرآن الكريم) في السابعة من العمر، وكان معلمنا من جيراننا في قرية أبوصيبع وهو المرحوم الحاج صالح الزاكي، وتساعده زوجته في تعليم أطفال القرية، وبعد سنة ونصف حفظت القرآن الكريم وحين حفظت القرآن الكريم، ولم يكن في أواخر الثلاثينات وأوائل الأربعينات مدارس في القرى؛ فأرسلني والداي الى المنامة للعيش في بيت عمي الشيخ محسن التاجر (عضو هيئة الاتحاد الوطني) والالتحاق بالمدرسة، وكنت أذهب الى المنامة يوم السبت وأعود يوم الخميس ظهراً بعد أن أتغدى في بيت عمي، وفي غالبية الأوقات أعود ماشياً على قدميّ من المنامة إلى أبوصيبع والشاخورة عبر شارع البديع... في الأربعينات على فكرة، ما ان تخرج من منطقة القفول (من السويفية تحديداً) مروراً بالسنابس وجدحفص والقدم وكرانة فإنك تمشي في ظلال أشجار اللوز والنخيل مختلفة الأشكال ولا تراك الشمس.. ولم تكن قرية البرهامة تعرف بهذا الاسم، ولكن كانت تعرف باسم السنابس الشرقية، وتعود تسمية البرهامة الى شجرة، وكان البعض يسميها شجرة أم حمار، ولقلة العلم والوعي، كان البعض يعتقد أن النذر لهذه الشجرة يبرئ المصابين بالصرع والمرأة العاقر فكان البعض ينذر لها ويضع الرز والبيض والسكر... معتقدات قديمة خاطئة كانت منتشرة آنذاك بين الناس.

المدرسة ذاتها كانت هي منزل عمي المرحوم الشيخ محسن التاجر، ودعني أصف لك رحلتي ذهاباً وإياباً، فحركة السيارات كانت قليلة جدّاً في أوائل الأربعينات، وكان والدي رحمه الله يوصيني بالقول :»يا ولدي حين تمشي لا تجعل مسيرك مسير السيارات، فأنت يجب أن تشاهد السيارات أمامك لكي تعرف مسيرها ولا تجعل السيارات خلف ظهرك»، وهذه الوصية بمثابة تعليمات للسلامة في الطريق كما نقول، وهذا هو طريقي في الذهاب إلى المدرسة التي كان يديرها المرحوم عبدالرسول التاجر، وكان معي في المدرسة من الطلاب الذين أتذكرهم؛ أبناء عمومتي: مهدي ومحمد جعفر التاجر وعبدالكريم التاجر، وكان المرحوم محمد علي التاجر أديباً ومؤرخاً فهو صاحب كتاب «منتظم الدرين في تراجم أدباء وعلماء الاحساء والقطيف والبحرين»، بالإضافة الى أنه شاعر ملهم له الكثير من القصائد في حب أهل بيت المصطفى (ص) أودعت في كتاب «رياض المدح»، وتوفي شاباً في الثلاثين من العمر قبل أن يكمل كتابه: «عقد اللآل في تاريخ أوال».

بين آل نشرة والتاجر

إذاً من بيت المرحوم الشيخ محسن التاجر بدأ اهتمامك بالثقافة... فقد كانت عائلة التاجر، وفي مجالسها، العلماء والأدباء والمفكرون، لكن يقال إن لقب العائلة كان «آل نشرة» فكيف اكتسبت لقب التاجر؟

- كانت عائلة التاجر تسكن منطقة الماحوز، ومن الماحوز سافر المرحوم الشيخ إبراهيم التاجر إلى النجف الأشرف، وكان لقب العائلة في السابق آل نشرة وليس التاجر، لكن بعد سفر الشيخ إبراهيم إلى النجف عمل وولده الشيخ علي التاجر في التجارة، بل يقال إنه اصبح من الأثرياء (مليونير أيام زمان)، فقد كان له قصاب اللحم الخاص به، وفي ذلك قصة بلغتنا وهي أن القصاب طمع في مال الشيخ علي فقتله، وبعد ذلك أولاده تفرقوا... فالكبير منهم المرحوم عباس آل نشرة التاجر (وهذا الكلام قبل قرن من الزمان تقريباً)، عاد الى البحرين وسكن في جدحفص واتخذ التجارة عملاً له، ونجح في التجارة حتى أنه كان يسمونه التاجر بدلاً من آل نشرة، وغاب اسم آل نشرة رويداً رويداً إلا في المؤلفات... فمنذ أن رحل المرحوم الشيخ ابراهيم الى النجف تبعه أبناء العائلة، الى حين عودة المرحوم عباس التاجر.

اللغة الإنجليزية والآلة الكاتبة

ما هي قصة الضباط الإنجليز الذين كانوا يزورون مدرسة التاجر في الأربعينات؟ هل تتذكر الحادثة؟

- في المدرسة الأهلية، مدرسة التاجر... درست حتى العام 1944، وبعد ذلك نقلنا الى المدرسة الجعفرية، وهي في موقع المدرسة الغربية التي تحولت فيما بعد وإلى الآن الى مدرسة أبي بكر الصديق، وأكملت فيها الدراسة حتى الصف السادس الابتدائي، وبعد الفصل السادس توجهت إلى مدرسة العجم بالمنامة، ودرست فيها ثلاث سنوات، وبما أنني أجيد اللغة العربية والإنجليزية والحساب، تعلمت الجغرافيا والتاريخ في مدرسة العجم، وهذه كانت هي المواد التي تدرس آنذاك، وخريج مدرسة التاجر يعتبر في مكانة خريج الجامعة اليوم، لقوة تعليم اللغة الإنجليزية وكذلك الطباعة بالآلة الكاتبة التي كانت نادرة في ذلك الوقت، وكانت لغتنا الإنجليزية تتطور سريعاً كون المرحوم عبدالرسول التاجر يفرض على الطلبة ألا يتحدثوا الا باللغة الإنجليزية حتى وإن كانوا (يخربطون)، إنما يشجعنا على أن نتحدث ونكتب وفق ما نستطيع.

بالنسبة إلى الضباط الإنجليز، وخصوصاً إبان الحرب العالمية الثانية، كانت هناك مجموعات ليلية تأتي الى المدرسة تضم 5 الى 6 ضباط، ففي ذلك الوقت، لم تكن الا مدرسة التاجر تعمل الى الساعة العاشرة ليلاً، فالجنود الإنجليز كانوا يجولون في دوريات استطلاعية بمختلف مناطق البلاد، ومنها المنامة طبعاً، ويرون المدرسة فكانوا يزورونها بشكل مستمر... لم تكن هناك مدرسة أهلية غيرها وكانت تضم أبناء مختلف العوائل البحرينية، وأتذكر منهم القصيبي وزباري والزايد والمديفع وخلف والعرادي، وكانت الفترة الصباحية مخصصة للصغار، والمسائية لمن هم في سن الإعدادية أو الثانوية.

العدد 3529 - السبت 05 مايو 2012م الموافق 14 جمادى الآخرة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 6:24 م

      رائع

      اشكركم

    • زائر 7 | 11:59 ص

      اشهر من نار على علم

      ابو عباس اشهر من نار على علم ويكفي انه من عشاق مانشستر يونايتد ويا ليت الحديث يشمل الرياضه لان ابو عباس من مؤسسي نادي جدحفص وله صولات وجولات من الخمسينات الى اواخر السبعينات

    • زائر 6 | 10:11 ص

      رجال الماضي والحاضر

      الحديث مع هكذا اشخاص يعني ان التاريخ ينطق وعلى الجيل الحالي ان يتعلم من هؤلاء كيف عانوا من اجل اعطائنا دروس في الصبر والمثابرة..شكرا للوسط

    • زائر 5 | 5:51 ص

      احسنت الاختيار يا سعيد

      حسناً فعلت يا استاذ سعيد عندما اجريت هذة المقابله مع هذا الانسان الرائع فهو استاذ في التاريخ وهرم من اهرامات الرياضة وبصراحة شهادتي فية مجروحه واعتقد ان معظم اهل البحرين يعرفونه تمام المعرفة لان الجلوس والاستماع لحديثة يجعل الانسان ينسى الوقت فهو محل وتقدير واحترام الجميع .مرة اخرى اكرر الشكر لك يا استاذ سعيد ونحن بانتظار الجزء الثاني من المقابله

    • زائر 4 | 5:23 ص

      FutureAbusaiba

      نشكر صحيفة الوسط الأكثر تأثيراً وحضورا وإنتشارا على الإهتمام بالأحداث الجارية في أبوصيبع واللقاء برجالات القرية.

    • زائر 2 | 3:54 ص

      أمنيات

      أتمنى من الوالد أبوعباس أن يُكوّن كتاب يحوي ذكرياته منذ الصغر ويكون بمثابة مرجع للأحداث المختلفة التي عايشها.

    • زائر 1 | 2:54 ص

      ر وعة بو عباس

      روعة يا بو عباس ذكريات جميلة وموضوع رايق للقراءة من الصبح

اقرأ ايضاً