العدد 3529 - السبت 05 مايو 2012م الموافق 14 جمادى الآخرة 1433هـ

العلاقات الإنسانية... كيف نحافظ عليها في الأزمات السياسية؟

سلمان سالم comments [at] alwasatnews.com

نائب برلماني سابق عن كتلة الوفاق

منذ أن وجد إنسان هذا البلد على هذه الأرض الطيبة، كان الراقي في علاقاته الاجتماعية والإنسانية، والأنموذج الأبرز في أخلاقه وسمو تواضعه، والأفضل في تكافله وتعاونه، والأحسن في مراعاته للمشاعر الإنسانية، فكان لا يسمح بالخلط بين الاختلافات السياسية وعلاقاته الوطنية والإنسانية والاجتماعية، فمهما كبرت الاختلافات السياسية وازدادت وتعقدت الأمور بين أطرافها، لا يمكن السماح لأحد المساس أو العبث بعلاقاتهم الاجتماعية والإنسانية، فكانت مودتهم لبعضهم البعض أكبر من أعظم الخلافات، لأنهم على يقين تام أن في تلاحمهم الوطني قوة وفي تفرقهم ضعف لهم وللوطن .

لم يكن أحد من أبناء هذا الوطن يتحدث عن المفردات الطائفية البغيضة التي قد تسهم بشكل مباشر أو غير مباشر في تمزيق وحدتهم وتلاحمهم الإنساني، فكان دائماً يتذكر قول الله تعالى (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) - سورة آل عمران 103، فلا يقدم قولاً مهما كبر صاحب ذلك القول في مكانته على قول الله تعالى، فلهذا كان ينبذ كل صوت ينادي أو يحرض على الطائفية والمذهبية والعرقية البغيضة، التي تفتت اللحمة الوطنية وتؤثر على النفس الإنسانية وتزلزل الأمن الأهلي بين أبناء البلد الواحد، وكانت سمته أنه يحترم ويقدر معتقدات الغير ولا يحاول خدش مشاعر الآخرين لا بالقول ولا بالفعل، ولم يعطِ لنفسه الحق في تكفير غيره من المسلمين، بعد معرفته قول رسول الله (ص) الذي أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عمر بلفظ: أيما رجل قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما. وزاد مسلم في رواية: إن كان كما قال؛ وإلا رجعت عليه. وفي لفظ آخر عند مسلم: إذا كفّر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما، وبهذه القاعدة النبوية الثابتة التي لا تتغير بتغير الزمان أو المكان أو بتعدد المشارب الفقهية والعقائدية بين المسلمين، وبهذا التيقن الراسخ، وقف بقوة وصلابة يستنكر على كل من يكفر مسلماً، ليبرأ ذمته أمام رسول الهدى والإنسانية وخاتم الرسل والأنبياء (ص) في يوم الفزع الأكبر، فقد عاش ودوداً رحيماً محباً للخير في كل المواقع الاجتماعية دون النظر إلى الأسماء والانتماءات المذهبية، لا يميز في عطائه بين أحد من الناس، ولا يمنع أحداً للاستفادة منه اقتصاديا أو علمياً أو خبرة، فهو يتعايش ثقافياً وأدبياً واجتماعياً وإنسانياً ووطنياً إلى أعلى مستويات التعايش السلمي، فكان يرى الاختلافات بأنواعها المختلفة إيجابية حسب المنظور الإسلامي الراقي، الذي بينه الرسول الأكرم (ص) في قوله ( اختلاف أمتي رحمة ).

فمن يرى الاختلاف في المجتمعات الإسلامية نقمة، فأنه قد عارض القول النبوي الشريف الذي أراد منا أن نجعله نعمة على البشرية جمعاء، لأن باختلاف الثقافات والأفكار والعلوم والمدارس الفقهية والعقائدية ترتقي الأمم بنفسها وبغيرها في مختلف المجالات العلمية والأدبية والدينية والثقافية والتكنولوجية، بهذه الثقافة الطاهرة التي أرساها الرسول الأكرم (ص) التي لا تشوبها شائبة، تسعد البشرية ويحل الأمن والأمان في ربوع الأوطان، ويقل الظلم وانتهاك حقوق الإنسان، ويتحقق العدل والمساواة والإنصاف، ويشاع مبدأ تكافؤ الفرص، ويضمحل التمييز الطائفي والمذهبي والعرقي من المجتمع، ويقدم الأبرز وطنيا وعلميا وثقافيا وإنسانيا وأخلاقيا ويضطر المتقاعس والمتكاسل والمتواكل والمتزلف والمتملق إلى تطوير نفسه، لأخذ مكانه الذي يتمكن من خلاله خدمة وطنه، الذي يحتاج إلى الكفاءات المؤهلة في مختلف التخصصات، ولا يتعود أن يقتات بالتدليس والتزوير والتزييف وقول الباطل .

فالعالم اليوم يسير بسرعة فائقة في التطور التكنولوجي والتقني، ولا ينتظر المجتمعات غير المواكبة لأحدث التطورات العلمية، فالمجتمعات التي تهمش كوادرها الوطنية المبدعة والمتميزة، كالأطباء والطبيبات والمهندسين والمحامين والحقوقيين والنقابيين والممرضين والممرضات والمعلمين والمعلمات والإداريين والإداريات ورجال الأعمال والتجار والبلديين والإعلاميين والإعلاميات والرياضيين والفنانين والتكنولوجيين والفنيين في مختلف المجالات العلمية التخصصية، بمبررات غير موضوعية ولا تتناغم لا من قريب ولا من بعيد مع العهدين الدوليين لحقوق الإنسان، وليس لها علاقة مطلقا بمفهوم الوطنية الحقيقية، لهذا تكتب على نفسها أن تكون في آخر الركب العالمي في المجالات العلمية والثقافية والسياسية والحقوقية والاقتصادية، وهذا ما لا يقبله أي وطني غيور على وطنه، فكل من يعيش الوطن بداخله وفي مشاعره وجوانحه، تراه يتسابق في تطوير بلده في كل المجالات وفي جميع الميادين العلمية والاقتصادية والسياسية، ليجعل رايته خفاقة في الفضاءات العالمية .

إقرأ أيضا لـ "سلمان سالم"

العدد 3529 - السبت 05 مايو 2012م الموافق 14 جمادى الآخرة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 10:37 ص

      هكذا هم المخلصون

      وطني ّ بإمتياز يحمل حب الوطن في قلبه

    • زائر 1 | 10:37 ص

      هكذا هم المخلصون

      وطني ّ بإمتياز يحمل حب الوطن في قلبه

اقرأ ايضاً