العدد 3535 - الجمعة 11 مايو 2012م الموافق 20 جمادى الآخرة 1433هـ

ليست مجرَّد جوائز لـ «الوسط»

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

عندما كَرَّم المجلس العالمي للصحافة (لندن) رئيس تحرير صحيفة «الوسط» منصور الجمري، بمنحه جائزة «تحقيق السلام من خلال الإعلام للعام 2012» في 5 مايو/ أيار 2012 غَمَرني ما هو أبعد من الفرح. إنه الشعور بمركزيَّة الأخلاق في الصحافة. وعندما حازت «الوسط» في اليوم ذاته أعلى درجة للعام 2012 في «مؤشر المصداقية العالمية» الذي أطلقته «مؤسسة القرن المقبل» بمقر نادِيَيْ أكسفورد وكامبريدج في لندن، غَمَرَني ما يلي الشعور بمركزيَّة الأخلاق في الصحافة. إنه الشعور بالتحدي.

فأهم أمريْن، أحرزتهما «الوسط» وهي تحصد جوائزها المتوالية، منذ العام 2002 ولغاية الساعة، أنها ثبَّتت مركزية الأخلاق في منهجها الصحافي، وأيضاً، قبِلَت بالتحدي. فأيُّ صحافة تلك، إن لم تكن صاحبة أخلاق في تعاطيها مع الشأن العام؟! وأيُّ صحافة تلك، إن هي لم تقبل بالتحدي، الذي باعتقادي يبقى الملمح الأهم بالنسبة لـ «الوسط»! لكن، نتساءل: ماذا نعني بالتحدي؟ إنه باختصار المعركة، التي من خلالها نستطيع أن نعرف القيمة النسبيَّة للأشياء، لكي ننال بها الحكمة. وهو بالضبط، ما عناه القس الإنجيلي الإنجليزي المعروف وليام رالف إنغ.

ذلك التحدي، المنبثق من النظرة النسبيَّة كما أسلفت، كان النتاج الطبيعي لثلاثة أمور أساسية، ارتكزت عليها «الوسط». الأول: أنها لم تكن نسخة كربونية لأحد سبقها في المجال ذاته. الثاني: أنها أدركت (وكما يجب) مقولة الفيلسوف الإنجليزي النمساوي كارل بوبر، بأنه «إذا ما ظهَرَت لك نظرية على أنها الوحيدة الممكنة، فاعتبر ذلك مؤشراً، على أنك لم تفهم النظرية، ولم تفهم المشكلة التي يفترض أن تحلها هذه النظرية. الثالث: أنها أدركت كذلك، أن الناس، هم أهم عناصر الأمة والدولة، وإن المُلك، هو أقل هذه العناصر شأناً، مثلما كان يقول الفيلسوف الصيني القديم منسيوس. نعم، هذه ركائز أساسية، اجترحتها «الوسط» لوضع التحدي والمنهج.

كثير من الصحف، تلك التي تدمِن على عبادة الرَّمز، والتعريض بمخالفيه. وكثيراً من الصحف، لا تستطيع أن تتحرَّر من نظرية تتلبسها، فتحرق مراحل عديدة من سنينها، وهي على ذلك الحال، من دون أن يكون لها أدنى جرأة، على قول ما يغايرها، إما لكونها مأسورة لها، أو أن سقف تفكيرها، لا يستطيع استيعاب أكثر مما هي عليه. هذان الأمران، يحرمان الصحف، من أن تسير نحو التحرر. فهي لا تملك الحرية الخبرية والتحليلية، إلاَّ في العموميات، أو حين تريد الاسترسال في شتيمة مخالفي تلك النظرية أو الرَّمز والمعبود. كما أنهما (عبادة الفرد والنظرية) يحرمانها من عنصر التكوين. فهي لن تستطيع أن تكوِّن لنفسها خطاباً إعلامياً ذا لغة رشيقة وعالية، تبتعد فيه عن الشتيمة، والقذف، وخصوصاً أنها رمحٌ في يد، وراية في معركة الدفاع عن أحد ضد آخر.

هذه الأمور، أدركتها صحيفة «الوسط» جيداً، فتفادتها، واستبدلتها بنقائضها. أكثر من ذلك، فلم يكن إدراكها (الوسط) مقتصراً على نسبيَّة الأفكار، وأن الناس هم أهم عناصر الأمة والدولة، وإنما امتد ليصل إلى وضع نفسها في مقام الجهة، القادرة على تبادل الأفكار مع التنوع البشري الموجود بين الجمهور، والمتلقين. وهو تبادل قائم على النقاش العام المتزن، وليس على لغة شوارعيَّة. لذا، فأيُّ قراءة للجمهور المتأثر بالمنهج الإعلامي لـ «الوسط» سيلحظ، أنه جمهور لا يقوم على جُمُوح المشاعر الموتورة، والملتهبة، تجاه الأغيار، وإنما على خطاب اجتماعي معقول.

هذه الاعتبارات والمدركات الأساسية التي اختطتها صحيفة «الوسط» لنفسها، قد منحتها شخصية إعلامية متميِّزة عن غيرها. والمعروف، أن التميُّز عادة، ما يُفضي إلى طليعية وتقدُّم الجهة المتميِّزة، وتحولها إلى مقصد. وفي حال «الوسط» فإنها بحق، قد تحوَّلت إلى مقصد إعلامي وسياسي واجتماعي متقدِّم بين أوساط المجتمع البحريني، وأمام الخارج، الذي لم يستطع إلاَّ أن يقدِّر لها ذلك النهج. وهي صورة، لا تصل إليها الصحف عادة إلاَّ بمسببات، يكون العقل فيها الزاوية الرئيسية. فليس من رحلة أشق من العودة إلى العقل، كما كان يقول برتولت بريشت.

اليوم، الصحافة العالمية، لا تلعب لعبة أقل مما تلعبه السلطات الرئيسية داخل الدولة الحديثة. هي تكشف وتحدد وتستشرف وتقول، وتوجِّه، وتخلق رأياً عاماً، يؤثر على مجرى السياسة والاجتماع والاقتصاد، وعلى نقابات العُمَّال، بدل التخندق حول رؤساء ومسئولين ومتنفذين. ولكل مَنْ تابع التغطية الصحافية الأوروبية للانتخابات الفرنسية الأخيرة، قبل إجراء الجولة الأولى من الانتخابات، سيُدرك مدى قدرتها على الاستشراف. فالجميع كان يتحدث عن فوز هولاند، وعن مستقبل التحالف الفرنسي الألماني حول منطقة اليورو، ووضع المحافظين في الدولة الأوروبية.

كما أن تلك الصحف العالمية المرموقة، تحمل أمانة الحفاظ على السِّلم الأهلي، وعدم المس بمتناقضات المجتمع. هي تمتلك ميولاً فكرية وسياسية، كـ «الغارديان» في بريطانيا، والتي تميل إلى اليسار، و «الديلي إكسبريس» التي تميل إلى اليمين، لكنها لا تجنح أبداً صوب اللغة الهابطة، والمهَدِّدة لاستقرار القوميات والأعراق والطوائف، فضلاً عن عدم تنازلها عن دورها الحقيقي، في المتابعة والتقويم والنقد لممارسات ونشاط الدولة، وعدم الانضواء، تحت عباءة الشخوص على حساب المصالح العامة للناس، ومستقبل الأجيال.

عَودٌ على بدء، فإننا نهنئ «الوسط» ورئيس تحريرها مرة أخرى على هذيْن الانجازيْن الجديديْن، اللذين يُضافان إلى مسيرة هذه الصحيفة المتميِّزة. وبقدر ما يكون المرء سعيداً بذلك، فإنه يحسُّ أيضاً، بعظم المسئولية، التي تتحملها «الوسط» في المجال الإعلامي والسياسي والاجتماعي، وسط جوٍّ وطريق ليس فيه سوى المعضلات، وهي مسئولية باعتقادي، تجعلها تضاعف من جهدها المبذول في الحفاظ على المنهج الحصيف ذاته الذي تتوخاه وتتبعه، والذي موضَعَها على ما هي عليه من مكانة متقدمة. وربما أستحضر هنا ما قاله الشاعر العربي الكبير، عمرو بن أهتم بن سمي السعدي في إحدى قصائده: وكلُّ كَرِيم يَتَّقِي الذَّمَّ بالقِرَى... ولِلخَيْرِ بينَ الصّالحينَ طَريقُ.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3535 - الجمعة 11 مايو 2012م الموافق 20 جمادى الآخرة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 4:26 ص

      عرس الوسط عزاء لباقي الصحف

      أعتقد ان باقي الصحف في البحرين تعض اناملها كلما حصلت الوسط على جائزة، لكن هي خيارات من يختار المكاسب المالية هنيئاً له له "بالفلوس" ومن يختار المهنية هنيئاً له بالجوائز والتقدير.

    • زائر 4 | 2:22 ص

      هذا الجوائر في وضع اصعب من صعب من تضييق وخنق

      لو تمعن الانسان في وقت حصول الوسط على هذه الجوائز والتقديرات العالمية في وضع لا تحسد عليه
      فقد حصلت على جوائز وهي في وضع مكبلة الايدي
      والأعين واللسان والقلم عن كثير مما يحصل بينما يحصل
      اطلق العنان للصحف الصفراء لتبث السموم اليومية
      كالوجبات من ريوق وغداء وعشاء صحف تبث لنا
      سما مع كل نفس وكل لقمة .
      نعم يا وسط انها جوائز لكلمة الحق اعترف بها الغريب وبخسها القريب

    • زائر 3 | 1:06 ص

      سلمت أناملك

      من جد وجد و من زرع حصد
      من يزرع الخير لا يجني إلا مثله و من يزرع الكذب و التضليل و التسقيط لابد له من السقوط في وحل صنائعه

    • زائر 1 | 11:08 م

      اتفاق

      اتفق مع الكاتب المميز لما طرحهُ ولولا مصداقية العاملين في الوسط لما توصلت الى هذه الجوائز والجائزة الكبرى هي حب الناس وهذا نابع من قول الحق ووسطية الطرح ولكم منا الف تحية والى الامام دائماً انشاء الله .

اقرأ ايضاً