العدد 3540 - الأربعاء 16 مايو 2012م الموافق 25 جمادى الآخرة 1433هـ

فرات... وقصائد من الشرق الأقصى عن الحياة والموت

يطلق الشاعر العراقي باسم فرات في مجموعته الجديدة «بلوغ النهر» قصائد كتبت في عدة بلدان في الشرق الاقصى وفي نيوزبلندا وتحمل إلى القارىء صوراً ومشاعر وأفكاراً من الماضي والحاضر، وهي إجمالاً تأتي تمجيداً للحياة.

جاءت المجموعة في 104 صفحات متوسطة القطع وبغلاف من تصميم الفنان صدّام الجميلي حمل إلى جانب العنوان واسم الشاعر بالعربية ما بدا أنه الترجمة اليابانية على الأرجح لذلك. وقد صدرت المجموعة عن دار الحضارة للنشر في القاهرة.

كثير من هذه القصائد نظم في هيروشيما وأماكن غيرها من اليابان وفي لاوس وفيتنام وتايلند ونيوزيلندا. يكتب باسم فرات في صور متتابعة تفيض بمشاعر ورموز وبموسيقى لا تبتعد عن كلماته لكنها دائماً موشحة بنغم حزين وبشعور بالفقد والحنين في أحيان كثيرة.

القصيدة الأولى ربطت بين معتقدات دينية إسلامية وما شاهده الشاعر في هيروشيما وعنوانها «البراق يصل إلى هيروشيما». قال في هامش: «وسط هيروشيما ومقابل قلعتها ينتصب تمثال لفرس مجنح ذكرني بالبراق» أي الفرس التي امتطاها الرسول محمد إلى المسجد الاقصى. ويتحدث باسم فرات عن هذا البراق الجديد الذي لم يقيّض له نبي يمتطيه فيقول: «أمام قلعة هيروشيما/ وحيداً/ يقف البراق/ دون نبي يمتطيه/ حاملاًً أحلاماً/ فقدت صلاحيتها/ يجري النهر تحته/ نزقاً ينيض بالجنون/ كثيرون مروا من أمامه/ يرتقون انشغالاتهم. «ولم يرفعوا رؤوسهم بعد/ متجاهلين الغبار وقد بنى/ مستعمرات على جناحيه/ حتى الطير الذي اتخذ من رأسه مكاناً لعشه/ ما عاد يغري السائحين بالتقاط الصور التذكارية/ «اليافطة وهي تئن تحت حوافره/ استسلمت لوشايات الزمن وسباق الأرضة/ من فحولته يسخر المراهقون/ قوائمه التي كان يخب بها طويلاً/ إيحاء لمجاعات وأوبئة/ بينما البراق منتظر من يواريه التراب بعيداً/ نسي أن يحلم بنبي يمتطيه».

وننتقل بعد ذلك إلى قصيدة «الساموراي» أي المقاتل الياباني القديم الشهير. يجول باسم فرات في هذه القصيدة بين الواقع والرمز. الساموراي كان واقعاً وتحول الآن إلى رمز فان يمثل تقاليد أماتها التاريخ. يقول:»يعتمر خوذته/ يمتشق سيفه/ الذي يكاد ينافسه/ على قوامه/يتمنطق بالفولاذ/ إنه بكامل أبّهته/ فيه رائحة التاريخ/ وبقايا غباره/ ولأنه لم يجد فرساناً/ ليقاتلهم/ خصصوا له ركناً/ في المتحف/ وفي المهرجانات «تراه يجلس على صخرة/ قرب قصره/ أو يقف في زاوية ما/ تلتقط له الصور التذكارية/ مع الأطفال/ وفي أحسن الأحوال/ يتبختر أمام الزوّار/ وفي المساء/ عندما تنفض العوائل/ إلى مهاجعها/ يجرد من أبّهته/ ويركن/ في زاوية شبه مظلمة/ في متحف ما/ بانتظار/ مهرجان/ جديد».

القصيدة التي تلتها هي «الهنمي في هيروشيما». والهنمي هي احتفالات اليابانيين بتفتح زهرة الكرز. والساكورا هي زهرة الكرز باليابانية. يقول: «في احتفالات الهنمي/ عليك أن تحتفي بالفرح/ وتطرد أحزانك بعيداً/ تحت أشجار الساكورا/ تنادم ضحكات الجميع/ وتمنح النسيان فرصة أن يتسلل إليك/ تحيي ذكرياتك في دهاليز مفقودة/ في حديقة السلام».

في قصيدة «عن الغريب الذي صار واحداً منا» التي نظمها في فينتيان عاصمة لاوس يقول: «ها أنذا.. قدم في ميكون وأخرى في الأمل/ أتأمل قوارب الصيادين/ يدلني صوتهم على مراس نخرها الأبد/ نائمة حيواتهم في غياهب الطحالب/ يتجولون في خرائب الموسيقى/ وحطام أصواتهم/ ينبيء عن حكايات قضمتها الجرذان/ النساء المتشحات بالفقر والجمال/ يكورن الشاطيء فوق المناقل/ لتفوح رائحة الشهوة والخجل بين أقدام السائحين «أنسل نحو الطرق الملتوية/ أحيي الباعة بابتسامة وهم منشغلون/ عن مقابر القمامة إذ تفيض بطقوسها/ لأن قيامة الجوع ركلت بوذا بعيداً/... مستمتعاً بعرس الطبيعة/ حيث يخالطه رنين السوق/ أحتمي بالمطر من البلل/ وبالمناداة من ضجيج الهدوء/ أنصت للقلوب وهي تتغامز:/ انظروا للغريب لقد صار واحداً منا».

قصيدة الإمبراطور التي كتبت في لاوس تتناول رمزاً قاسياً زال مع كل أمجاده وأهواله وتصف تلك الأبهة الميتة التي تحيط به الآن. يقول: «الممالك تحت عرشه تستغيث/ تلك الجهات العشر/ فرسانه زرعوا السواحل جماجم غزاة/ ونقشوا في المحار قبلات خيباتهم/ كانت العذارى مفتاح بهجته/ بمائه الامبراطوري يودعن عزوبيتهن/ غلا مجده حتى استحال العويل خيانة للبلاد/ شراكه تصطاد الجيوش والبرق/ قاعات قصره مزدانة بالخلود/وتعاشيق الشعر والدماء».

ويضيف قائلاً: «صرخات يتامى على الجدران/ صارت تهطل من أردان قميصه/ في السقوف مدن عانقها الخراب/ وفتوحات تتسرب من الشقوق. «الإمبرطور الذي تهتز الجبال من لائه/ وتحت بسطاله ترتجف أسود وتنانين/ها هو داخل مربع يسوره شريط أصفر لا يتخطاه/ ضريحه وقد فاق الأهرام في أبهته/ لم يعد مكاناً للتبرك/ فهو مأوى جرذان ومبولة سكارى «ملابسه تذكر بقطيع الحمر الوحشية/ وعصاه التي طالما ابتلعت ثعابين وأعداء/ كثيب نمل غدت/ أتأمله ساخراً/ وبثمن بخس أصفعه/ وأمضي».

ونقرأ في قصيدة «متحف السلام في هيروشيما» التي كانت ونغازاكي هدفاً للقصف الذري الأميركي في نهاية الحرب العالمية الثانية وأدى الأمر إلى وقوع آلاف القتلى والمشوهين «حين تدخل عليك أن تحذر الارتطام بالإنين/ أو أن تحرك دمعة طفلة بارتباكك/ اضغط على الزر وانصت لحكايات صامتة/ حكايات توغلت القسوة فيها والألم».

العدد 3540 - الأربعاء 16 مايو 2012م الموافق 25 جمادى الآخرة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً