العدد 3560 - الثلثاء 05 يونيو 2012م الموافق 15 رجب 1433هـ

التيار السياسي السني في البحرين بين الهوية والاستقلالية (1)

عيسى سيار comments [at] alwasatnews.com

-

لا يختلف اثنان في هذا البلد على أن حراك الفاتح، أو «فزعة الفاتح» كما يرددها الشارع السني، جاء كنتيجة أو ردة فعل على انتفاضة 14 فبراير/ شباط 2011، وقد اختلفت الآراء والتوصيفات بشأن الأسباب الكامنة وراء حراك الفاتح حيث ذهب فريق إلى أن الجهات الرسمية هي من أوعزت إلى عدد من قيادات الشارع السياسي السني وبالذات الدينية منها التي عادة ما تستعين بها في تنفيذ أجنداتها. وفريق آخر ذهب إلى أن حراك الفاتح هو فزعة وردة فعل على ما حصل في دوار اللؤلؤة (تقاطع الفاروق حالياً).

والكثير من المهتمين بالشأن العام البحريني والباحثين وحتى المواطنين يتساءلون عن ماهية ولون التيار السياسي السني الذي توّج «بفزعة الفاتح» وانقسمت التوصيفات بشأنه هل هو تيار موالٍ للنظام؟ أم هو معارضة للمعارضة؟ أم انه معارضة حقيقية فعلاً؟

ومهما اختلفت الآراء وانقسمت بشأن تلك الأسباب وهوية التيار السياسي السني، فإنني اعتقد جازماً بأن حراك الفاتح هو نقلة نوعية بامتياز للشارع السني من حالة اللاوعي السياسي التي كان يعيش فيها منذ أكثر من ثلاثة عقود، إلى حالة الوعي السياسي الفاعل. فالشارع السني فرض عليه أن يكون مهمّشاً أو مغيّباً، وأن يقبل بالأمر الواقع والعطايا والمكرمات والمناصب (والشرهات)، ومقابل ذلك عليه أن يطبق مقولة «الشور شورك يا يبه والقول قولك يا يبه»، التي تقوم على مبدأ الطاعة العمياء حتى لو «كسر رأسك».

إن التهميش الذي تمت ممارسته على الشارع السني كان تهميشاً ممنهجاً، وكان الهدف منه إقصاء قوة فاعلة ومؤثرة تعادل نصف المجتمع، حيث إنه لو دخلت هذه القوة في شراكة حقيقية وفاعلة في اتخاذ القرار السياسي لاختلفت موازين اللعبة السياسية، وقد بدأت سياسة تهميش الشارع السني بعد حل البرلمان العام 1975 وتطبيق قانون ومحكمة أمن الدولة، حيث صاحب ذلك اعتقالات واسعة وغير مسبوقة في صفوف القوى الوطنية واستشهاد عدد من القيادات الوطنية في المعتقلات. كما اضطرت مجموعةٌ من القيادات الوطنية للجوء إلى الخارج لتفادي الإجراءات التعسفية التي تم تطبيقها بموجب قانون أمن الدولة. وقد صاحب تلك الإجراءات في نهاية السبعينيات بداية الانطلاق للتيار السياسي السني الذي بدأ نشاطه على هيئة جمعيات دعوية إرشادية خيرية تقوم بنشاطات متنوعة ظاهرها تكافل وباطنها سياسي. وقد حصلت على العديد من التسهيلات والامتيازات من الحكومة تتمثل في منحها الأراضي وبناء مقرات لها وتوظيف كوادرها في المناصب القيادية بالدولة... إلخ، حيث استطاعت تلك الجمعيات من خلال المساعدات التي تقدمها للفقراء والمحتاجين أن تتغلغل إلى الأحياء والفرجان في ظل غياب أو تواضع الدعم الذي تقدّمه الحكومة آنذاك للأسر المحتاجة.

التمدد في دور تيار الإسلام السياسي السني صاحبه أيضاً انحسار واضح في دور المعارضة الوطنية التي تم ضربها وتفتيت قواعدها بعد حلّ البرلمان العام 1975 كما أسلفنا القول.

ومع انطلاق مشروع الإصلاح السياسي العام 2001 بالتصويت على ميثاق العمل الوطني، وضمن تقاطعات ومجادلات سياسية ومذهبية، قامت أطرافٌ نافذةٌ في المطبخ السياسي، ومن خلال تفاهمات واتفاقات، باستغلال وتجيير الشارع السياسي السني في الانتخابات البرلمانية العام 2002 لمصلحة النظام، إلا ان تلك الجهات النافذة رمت بثقلها بالكامل في انتخابات العام 2006 بعد أن قرّرت الجمعيات السياسية المعارضة كـ «الوفاق» و «وعد» وغيرها الدخول في العمل البرلماني بعد أن قاطعت انتخابات برلمان 2002.

وقد مارست تلك الأطراف النافذة دوراً مفصلياً في انتخابات 2006 في تزوير الإرادة الوطنية للناخبين في الدوائر السنية، وذلك من خلال التوجيهات الشفهية لموظفي بعض قطاعات الدولة والكتلة الانتخابية الجديدة سياسياً للتصويت لمرشحي جمعية المنبر الوطني الإسلامي (إخوان) وجمعية الأصالة السلفية لتكون هناك ضمانة لوصول (22) مرشحاً من التيار الديني السني المحسوب على النظام السياسي من أجل مواجهة مرشحي المعارضة. وقد مارس «المطبخ السياسي» دوراً إقصائياً في الدوائر السنية من خلال تحشيد الناخبين للتصويت لمرشحي التيار السني (إخوان وسلف)، كما أنتج برلماناً طائفياً بامتياز، أي أغلبية دينية سنية (22 نائباً) في مواجهة أقلية معارضة شيعية (18 نائباً)، وبالتالي أنتجت اللعبة السياسية بين الفرقاء السياسيين برلماناً بمرجعيات دينية طائفية وحكومية، لا يرقى إلى طموحات ونضالات وتضحيات الشعب البحريني العظيم التي قدمها منذ عشرينيات القرن الماضي ولايزال. برلمان لم يستطع حتى أن يستجوب وزيراً حتى في ظل وجود (18) نائباً يمثلون المعارضة، ولم يستطع فعل شيء يذكر لمعيشة المواطن البحريني! وبالطبع فإن هذا الأداء البرلماني المتواضع هو ما خُطّط له من قبل بعض الجهات النافذة.

وفي ظل تواضع أداء برلمان 2006 بشكل عام والنواب السنة بشكل خاص، عاقب الشارع السني كلاً من جمعية المنبر الوطني الإسلامي (إخوان) والأصالة السلفية، من خلال التصويت للنواب المستقلين الذين هم كذلك محسوبون على الحكم، ولكن هذه المرة أراد الناخب السني أن يتمرّد على التيار السياسي السني الديني، طبعاً في ظل قراءه واعية من الحكم لمزاج واتجاهات هذا الشارع. كما أدى امتناع شخصيات وطنية سنية وازنة من دخول اللعبة الانتخابية بسبب الاستمرار في لعبة تزوير الإرادة الوطنية للناخب في الدوائر السنية. كل ذلك أدى إلى بروز ما يسمى بكتلة «المستقلين» السنة، الذين أثبتوا ومن خلال أدائهم خلال العامين الماضين، أنهم ليسوا أفضل حالاً من التيار السياسي السني، بل هم أسوأ أداءً لانحدار معظمهم من عائلات تجارية أو لأنهم كانوا مسئولين في الحكومة. وفي تقديري كان أداء نواب التيار السياسي السني في برلمان 2006 أفضل وأكثر تقدماً من أداء المستقلين، لأن نواب التيار السني الديني كانوا على الأقل يؤدون دورهم من خلال تكليف شرعي كما يقولون! أما النواب المستقلون فكانت منطلقاتهم حكومية الهوى والمنحى، وتعرضوا للكثير من النقد لكون قرارهم ليس بيدهم، إذ حُدّدت لهم مسبقاً خطوط حمراء يتوجب عليهم عدم تجاوزها، ومن يفعل ذلك يتم سحب الدعم عنه في الانتخابات القادمة كما حصل عندما سحب الدعم عن عددٍ من مرشحي الأصالة والمنبر الإسلامي في انتخابات 2010، وذلك بسبب تجاوزهم الخطوط الحمراء التي رسمت لهم في ملف الاستيلاء على أكثر من ستين كيلومتراً مربعاً من الأراضي من قبل بعض الجهات، وكذلك في ملف الفساد في طيران الخليج، وهما ملفان تم تغييبهما في برلمان 2010. وهنا بدأ التراجع الحاد في الأداء في البرلمان لنواب التيار السياسي السني الذي يمثله حالياً في البرلمان خليطٌ من الإسلاميين والمستقلين.

وقد ضاعف من سوء أداء برلمان 2010 استقالة نواب جمعية «الوفاق» المعارضة على خلفية تداعيات ما حدث في فبراير 2011، حيث وصلت إلى البرلمان مجموعةٌ من النواب معظمهم من التيار السني، ولا يملكون الإمكانيات السياسية والمهنية للتعاطي مع الشأن البرلماني، وبالتالي استمر التيار السياسي السني بعيداً عن الاستقلالية ولا يملك أية هوية سياسية تجعل بينه وبين النظام أي مسافة. وسوف نسلط الضوء في حلقة (غد) على أداء التيار السياسي السني الديني بعد انتفاضة 14 فبراير 2011 (أي فزعة الفاتح وتداعياتها).

إقرأ أيضا لـ "عيسى سيار"

العدد 3560 - الثلثاء 05 يونيو 2012م الموافق 15 رجب 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 25 | 1:05 م

      محرقية

      من خرب التيار السياسي السني... من زرع جمعيةالاصلاح وجمعية الفزعة وكلها متسلطة على الشارع المحرقي السياسي والسني

    • زائر 24 | 10:06 ص

      منصف ومتزن

      بارك الله فيك يا استاذ عيسي وعساك دائما على خط قول كلمه الحق .

      اننا نكبر فيك القدره على قول الحق في الوقت الصعب ..

      كل الحب والاحترام

    • زائر 23 | 9:48 ص

      شكرا يا عيسى سيار

      حقا ابتعدت عن الطائفية التي بتلينا بها فحتى الاخوة في الوفاق وهم معارضة نشهد لها بالوطنية وقوة الممارسة السياسية فهم مهما كانت وطنيتهم فهم في الاخير لايمثلون الا طائفة واحدة رغم المطالب الوطنية التي يمتازون بها فحين يتحرك هذا الشارع يتحرك بطائفة واحدة ويتقدمهم رجال الدين المميزين بهذا الشكل الشيعي ، وهذا لايعني انهم السبب بل بهذا الشكل ونتيجة للتييد الخارجي العراقي والايراني والقطيفي فهكذا يبدو الحراك حين تقف الطائفة الاخرى متفرجة خوفا من المجهول اوموالية كما يتبين والله اعلم وغدا لنا لقاء

    • زائر 22 | 6:57 ص

      أنا احد تلاميذك أستاد عيسى سيار!

      كما كنت استاد صريح ومحلل جيد .

    • زائر 21 | 6:30 ص

      ننتظر الحلقة القادمة

      شكرا لكم من زمان ونحن نتظر الصوت الوطني استمر بارك الله فيك

    • زائر 19 | 5:48 ص

      شكرا لك

      شكرا لقلمك على هذا الطرح فلازلت تمتلك قلوبنا ونهوى قراءة مقالتك من اسمك وفقك الباري وحفظ اسمك دائما

    • زائر 13 | 2:47 ص

      موضوع ممتاز

      شكرا جزيلا لك

    • زائر 11 | 2:25 ص

      تمنيات

      أخي ، لو كل السنة يملكون مثل وعيك ، لكانت االبحرين بخير.

    • زائر 10 | 2:11 ص

      نظرة محايدة جميلة

      سرد ممتاز وموفق
      ننتظر الأجزاء الباقية

    • زائر 7 | 1:46 ص

      بوركت

      السلام عليكم، بوركت أستاذي على هذا التحليل، وننتظر تحليلك في الحلقة القادمة..

اقرأ ايضاً