العدد 1408 - الجمعة 14 يوليو 2006م الموافق 17 جمادى الآخرة 1427هـ

لبنان... الحلقة الثانية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

اجتمع أمس مجلس الأمن للبحث في الشكوى التي رفعها لبنان بشأن العدوان الإسرائيلي. وكما كان متوقعاً لم يختلف الموقف الأميركي عن ذاك الذي اتخذته الإدارة بشأن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. فالولايات المتحدة استخدمت حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار يدين الاعتداءات ويطالب بوقف سياسة التقويض في غزة، كذلك لا يستبعد أن تستخدم أميركا الفيتو مرة أخرى لتأخير صدور قرار بشأن سياسة التقويض التي تعتمدها حكومة تل أبيب ضد الدولة اللبنانية.

السياسة الأميركية واحدة من غزة إلى طهران. فالولايات المتحدة الراعية الدولية لـ «إسرائيل» تربط استراتيجياً بين الحلقات الأربع، وترى أن غزة ولبنان وسورية وإيران سلسلة مترابطة لابد من فكها حلقة بعد أخرى وصولاً إلى الأقوى (طهران).

بدأ مشروع التقويض والتفكيك بعد زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلي ايهود أولمرت لواشنطن. وهناك وضعت خطة الاختبار بدءاً من الحلقة الأضعف (غزة). وما حصل في القطاع من تدمير شامل للبنية التحتية بذريعة خطف الجندي الإسرائيلي كان خطوة أولى لقياس درجة الحرارة ومدى استعداد الحلقات الثلاث الأخرى للتجاوب أو الرد أو التحرك.

حرب الدمار تذرعت بالجندي الإسرائيلي، لكنها كانت تستهدف جس نبض الموقف العربي ومدى استعداد الدول المعنية بالأمر إلى التحرك دولياً لوقف سياسة التقويض. وعندما اكتشفت واشنطن أن غزة أصبحت مكشوفة دولياً وعربياً انتقلت إلى الحلقة الثانية وهي الأضعف بعد غزة في السلسلة.

استغلت «إسرائيل» العملية الدفاعية النوعية التي نفذها حزب الله على الحدود الدولية لتبدأ تجربة الاختبار الثانية وتلمس مدى ترابط الحلقات بين بيروت ودمشق وطهران. وحتى الآن مضت أربعة أيام على حرب التقويض ولم تحرك القوى المعنية إقليمياً وعربياً ساكناً. وهذا ما أعطى حكومة أولمرت الفرصة لتوسيع دائرة هجماتها ورفع سقف مطالبها. تل أبيب الآن تتهم الحكومة اللبنانية بالمسئولية وتطالبها بتطبيق ما تبقى من فقرات القرار الدولي 1559. وكذلك تعتبر حكومة أولمرت أنها تملك الوقت والأسباب والدوافع التي تعطيها الذريعة الكافية لاستكمال سياسة التقويض وإخضاع الدولة اللبنانية لشروطها التي تتغطى بسقف دولي.

العملية الدفاعية النوعية التي نفذها حزب الله جاءت كما يبدو في وقت حساس. فسورية شبه محاصرة وهي تعاني من هجمات دبلوماسية أميركية وتواجه مشكلات واتهامات مختلفة الوجوه والاتجاهات. فدمشق متهمة بدعم المقاومات العراقية واللبنانية والفلسطينية وهي مراقبة دولياً منذ سقوط بغداد في العام 2003. وإيران أيضاً تواجه حملة دولية وهي الآن على عتبة استحقاقات خطيرة بشأن ملفها النووي وبالتالي فهي في وضع صعب لا تستطيع مساعدة «حماس» في غزة ولا حزب الله في لبنان.

التوقيت الذي جرت فيه العملية الدفاعية النوعية في جنوب لبنان لم يكن موفقاً بحسب النتائج الميدانية التي أسفرت عنها حرب التقويض التي تقودها تل أبيب بدعم وتنسيق وتوجيه من الولايات المتحدة. وبسبب هذا التوقيت الحساس تبدو المقاومة في لبنان مكشوفة دولياً وعربياً وإقليمياً، بينما ما تبقى من حلقات السلسلة فهي مكبلة وغير قادرة على التحرك وتقديم المساعدات وتوفير الغطاء المطلوب عسكرياً لنجدة المقاومة وحماية هذا البلد الصغير من حرب الدمار والتحطيم والتكسير.

«إسرائيل» كما يبدو استغلت هذا الضعف العام وأخذت برفع سقف مطالبها السياسية والضغط على الدولة اللبنانية لتمرير مشروع خطير يتصل بأمن البلد وتوازن مناطقه ومواقع طوائفه. ولذلك لا يتوقع من الولايات المتحدة في هذا السياق سوى تكرار استخدام «الفيتو» لإعطاء المزيد من الوقت لحكومة أولمرت لاستكمال الضغط والسحق لشد الحلقة الثانية خارج السلسلة الرباعية. و«إسرائيل» في هذا المعنى تطبق استراتيجية أميركية بدأت بتنفيذها منذ العام 2001، ولذلك فإنها مطمئنة لسياستها وهي ستستمر بها بعد أن اكتشفت مدى استعداد ما تبقى من حلقات السلسلة للتحرك الدبلوماسي أو السياسي أو الميداني لنجدة أو احتواء تداعيات الموقف من غزة إلى لبنان.

القطاع (حماس) هو الحلقة الأضعف. وبعده يأتي لبنان (حزب الله)، ثم تأتي سورية في الدرجة الثالثة... وإيران تعتبر في هذا المعنى الحلقة الأقوى في السلسلة. ولذلك يرجح أن تترك طهران إلى الشوط الأخير بعد اختبار مدى الحراك السوري وقدرة دمشق على التجاوب أو الرد.

ما يحصل في غزة ولبنان هو مجرد نموذج مصغر لاستراتيجية عامة. وليس بالضرورة أن يتكرر السيناريو نفسه في دمشق وطهران، ولكن كل الاحتمالات مفتوحة بعد أن تم اختبار القوى وامتحانها ميدانياً من خلال فك الحلقات عن بعضها وعزل حلقة غزة أولاً وتحطيمها ثم عزل حلقة لبنان والبدء في تحطيمه في وقت تبدو سماء البلد الصغير مكشوفة دولياً وعربياً وإقليمياً.

مضت حتى الآن أربعة أيام على حرب التقويض في لبنان وتبدو الأمور سائرة نحو المزيد من التدمير والتحطيم بتناغم دولي وعجز عربي وإقليمي عن تلبية نداء الاستغاثة. وهذا يعني أن الحرب على لبنان باتت مفتوحة على احتمالات كثيرة، ولا يبدو في الأفق المنظور أن هناك ما يشير إلى عكس الاتجاه الذي خططت له «إسرائيل» بدعم وتوجيه واشراف من الولايات المتحدة.

المسألة إذاً تعتمد على توازن القوة بين «إسرائيل» وحزب الله. والمؤشرات العسكرية ليست بحاجة إلى ذكاء لمعرفة النتيجة. فحكومة أولمرت استخدمت حتى الآن 20 في المئة من قوتها العسكرية لتقويض الحلقتين الأضعف (غزة ولبنان) وتحتفظ بـ 80 في المئة من احتياطها لمواجهات أخرى محتملة. في المقابل استخدمت «حماس» في غزة وحزب الله في لبنان 80 في المئة من قدراتهما العسكرية واحتفظا بـ 20 في المئة احتياطاً لتوقعات محتملة. فالتوازن العسكري النظامي محسوم لكفة «إسرائيل». فهذه الدولة تعتبر الرابعة عسكرياً في العالم وتملك أحدث الأسلحة الأميركية التي تعوض لها النقص في الكثافة البشرية وعندها قدرة نيرانية تعطيها ميزة التفوق على أي مواجهة أرضية وميدانية.

حزب الله يعتبر قوة عسكرية نوعية، لكنه لا يملك تلك الإمكانات التقنية لخوض حرب نظامية تضع حداً للعدوانية الصهيونية. فالحزب يعتمد على القوة البشرية أساساً بينما التقنيات والصواريخ فهي محدودة قياساً بذاك الاحتياط الاستراتيجي النوعي الذي تملكه «إسرائيل» ولم تستخدمه حتى الآن. وضمن هذه المقارنة العسكرية تبدو الأمور سائرة نحو الأسوأ في المقاييس العامة لميزان الربح والخسارة.

إلى الآن لم تتضح الصورة إلا أن خطوطها العريضة بدأت ترتسم في الأفق. عسكرياً حزب الله يمتلك مخزوناً من الصواريخ (16 ألف صاروخ كما يقال) يكفيه لمدة تزيد قليلاً على الشهر بينما «إسرائيل» عندها من المستودعات والاحتياطات الأميركية والأطلسية ما يكفيها لخوض حرب طويلة. لكن المقياس ليس عسكرياً فقط وانما هناك معطيات كثيرة تدخل في موازين الربح والخسارة وهي تبدأ أولاً بعدم قدرة «إسرائيل» على خوض حرب طويلة بسبب تركيبها الجغرافي - السكاني بينما حزب الله يملك من القدرات البشرية التي تعطيه أفضلية لخوض حرب طويلة تتعدى حسابات التقنيات العسكرية.

هذا أولاً. ثانياً ان الفوز العسكري ليس كافياً لتسجيل الانتصار السياسي. ففي النهاية تحطيم البنى التحتية يعزز القوة النظامية، لكنه لا يرهب القوى البشرية القادرة على ابتكار وسائل أخرى للصمود والمقاومة.

انتقل أمس الملف اللبناني إلى مجلس الأمن ويتوقع من الولايات المتحدة المماطلة لكسب الوقت واستخدام حق النقض لتقويض أي توجه دولي لوقف العدوان. وما حصل في غزة سيتكرر مع لبنان لأن هدف واشنطن في النهاية اختبار النوايا واكتشاف مدى ضعف المنطقة وفحص استعدادها للتحرك والرد على التحديات

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1408 - الجمعة 14 يوليو 2006م الموافق 17 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً