العدد 1409 - السبت 15 يوليو 2006م الموافق 18 جمادى الآخرة 1427هـ

هل العرب يقرأون؟!

حسين راشد الصباغ comments [at] alwasatnews.com

قرأت منذ أيام في صحيفة «الشرق الأوسط» مقالاً مثيراً. «هل يقرأ العرب على متن الطائرة» انه قول طريف وقد أيقظ ما في نفسي من أحاسيس وذكريات عتيقة في هذا الشأن. أذكر أنه في صيف 1958 من القرن العشرين الماضي كنت متوجهاً إلى القاهرة لمواصلة دراستي الجامعية عبر بيروت التي وصلت اليها على متن طائرة الشرق الأوسط اللبنانية توجهت إلى مكتب الشركة في مطار بيروت بغية إنهاء ترتيبات حجزي إلى مطار القاهرة. كنت جالساً على بنش أو صوفة محاذياً لمكاتب طيران عدة منها طيران مصر وCAOB. كان المطار يعج بالحركة والركاب والضوضاء التي لا تكاد تهدأ حتى تبدأ من جديد وبزخم شديد. أخرجت من شنطتي اليدوية هدية من سفريات كانو، كتاباً لجرجي زيدان انها رواية المملوكي الشارد الذي نجا بنفسه من مذبحة القلعة التي نفذها حاكم مصر أو والي مصر محمد علي باشا بكل اقتدار ومكر سياسي ضد قادة المماليك المناوئين لملكه وحكمه. كان المشهد عادياً جداً فجأة وأنا ممسك هذه الرواية المشوقة لمواصلة قراءتها التي بدأتها أثناء رحلتي من البحرين... انه مشهد مرعب إطلاق نار غير متوقع بل مباغت استهدف رجلاً كان فعلاً مواجهاً لجانبنا الكريم. رصاصتان مرقت بسرعة فوق رأسي الصغير واستقرت في الجدار وباقي الرصاصات مزقت جسد ذلك الرجل الذي وقع أمامي مغشياً عليه مضرجاً بدمائه القانية وقد فارق الحياة. الحكاية بسيطة للغاية في دنيا العرب والعجم ومفادها أن المكتب السوري الثاني، أي جهاز المخابرات السورية الذي كان يديره رجل سورية القوي عبدالحميد السراج كان يقوم بعملية بسيطة وهي تصفية عميل عراقي خائن. هكذا أوردت الصحف العربية هذا الخبر في صفحاتها. انه أمر يتكرر دائماً في عالمنا العربي ولا يعدو أن يكون تصفية للحسابات بين الأنظمة العربية والمشغولة كما تزعم بتحرير فلسطين من البر إلى البحر، كيف لا، وهي القضية المركزية والهاجس الأهم منذ سقوط فلسطين في براثن الصهاينة منذ العام 1948. طالما أن الشيء بالشيء يذكر ففي العام 1981 حدث أمر مشابه في مطار أبوظبي وذلك عندما أطلق عميل عراقي النار خطأ على وزير خارجية الإمارات الفذ سيف غباش فأرداه قتيلاً في الحال. انه خسارة فادحة للإمارات. فمن المعلوم أن الراحل المغدور به التحق بمدرسة ابتدائية في البحرين العام 1948 إذ أكمل تعليمه الابتدائي وكان من الطلبة المتفوقين على جميع أقرانه. لقد أخطأت الرصاصات وزير خارجية سورية عبدالحليم خدام المستهدف الذي سكت دهراً ونطق كفراً أخيراً ضد النظام السوري الحالي. كان أحد أهم أركانه ورموزه السياسية البارزة على مدى عقود.

وطالما أننا نتحدث عن أجواء القراءة في قاهرة المعز وعلى رغم أنني شططت عنها قليلاً إلى أجواء السياسة وطقوسها فلابد من ذكر شخصية ملفتة للنظر انه الطالب الجامعي بالجامعات المصرية عبدالله إبراهيم فخرو. كان المرحوم يصر على القراءة في «اتوبيسات» النقل العام في القاهرة على رغم استحالة ذلك بسبب الزحام الشديد وسط جموع الركاب التي أشبه ما تكون بالأمواج المائية المتلاطمة تأتيك من كل صوب وحدب. ولا أبالغ إذا قلت ان حتى الجالسين على الكراسي لا يسلمون من ركلات أو صدمات تأتيهم من الواقفين. «الأتوبيس» أشبه بعلب سمك السردين. كان عبدالله محباً للطلبة خادماً ومعيناً ولا يشبهه في ذلك إلا المرحوم خليل الدوي. وعبدالله هذا هو أكبر أبناء المرحوم إبراهيم محمد فخرو من مناضلي البحرين السياسيين فقد حكم عليه بالسجن سنين عدة في حقبة الخمسينات من القرن العشرين الماضي قضاها في سجن جده كما أقيم له تأبين مشهود ومهيب في نادي البحرين منذ شهور قليلة. ومن الشخصيات المشهود لها بالقراءة والاطلاع المرحوم المحامي أحمد علي التاجر وتطرقت إلى ذكره عند حديثي عن والده الأديب المرحوم علي التاجر في حلقة سابقة في صحيفة «الوسط» الغراء.

هنا سأتطرق إلى شخصيتين مهمتين هما: حسين قاسم والمرحوم قاسم محمد فخرو، ففي صيف العام 1959 ذهبت معه إلى قطاع غزة الخاضع يومئذ إلى السلطة المصرية كنا نمثل رابطة طلبة البحرين في المؤتمر العالمي للروابط، كان قاسم على الفطور يقرأ كتاباً باللغة الإنجليزية يستغرق في قراءته لا يكاد يتوقف إلا بعد إجهاد عينيه. كان محباً للثقافة والاطلاع انه نجم هذا المؤتمر وخطيبه المفوه وألقى أكثر من خطبة باللغة الإنجليزية المتمكن منها والحائز ناصيتها وشد انتباه الطلاب الأوروبيين المشاركين، كان له حضور ونشاط مرموق ابان انبثاق الميثاق الوطني وإطلالته المباركة بعد ظلام سياسي دامس وذلك في 14 فبراير/ شباط 2001، تابعت هذا الزخم السياسي الزاخر بالحيوية والترحيب من جميع المواطنين البحرينيين وأنا في مقر عملي الدبلوماسي في تونس الخضراء انها مبادرة بحرينية خالصة اضطلع بمسئوليتها صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، انها مشروع سياسي واجتماعي واقتصادي بل هي نقلة حضارية على دروب التقدم والرقي والبناء في ظل أجواء من الحرية والعمل المشترك. حقيقة انه انبثاق المشروع الإصلاحي والعدالة ويمكننا أن نحضنه ونحافظ عليه. ويحدونا الأمل في حاضر جميل مشرق وضاء ومازلت أذكر يومها كلمة الملك حمد بن عيسى، انه مازال يحرص على تحقيق المزيد من الرفاهية والتقدم والاستقرار لشعبه وان ما يحلم به لم يتحقق بعد.

من تونس تابعت جهود قاسم فخرو ورفاقه في رعاية هذا الميثاق الذي كان حلماً وأملاً داعب مخيلتنا وآمالنا لسنين طويلة خلت فقد انبثقت بعد ذلك الحياة الدستورية والبرلمانية وصاحب ذلك إطلاق جميع الموقوفين وعودة جميع المبعدين السياسيين وأصحاب الرأي والفكر إلى بلدهم البحرين.

ولابد هنا في هذه العجالة من الوقوف مع رفيق درب قاسم انه الصديق حسين عبدالرسول قاسم انهما زميلا دراسة في القاهرة ربطتهما عرى صداقة وثيقة لم تنفصم في دروب الحياة المختلفة مرها وحلوها. كان حسين قاسم الكاتب والأديب سجين رأي وفكر وعندما أفرج عنه في العام 1963 وكنت موظفاً في بابكو، حرصت كل الحرص على زيارته ومواساته في منزله برأس الرمان. وعندما كنت موظفاً في دائرة الإعلام في باب البحرين التابعة إلى حكومة البحرين، كان الصديقان يترددان على دائرتنا إذ كان يعمل فيها أيضاً محمد جابر الأنصاري والفنان عبدالله المحرقي اللذين ربطتهما علاقة دافئة وحميمة وحزنت على رحيل قاسم الرجل المعطاء والمحب لأصدقائه بغض النظر عن انتمائه البعثي. وقادهما طموحهما في البداية إلى فتح مكتب صغير متواضع لتدقيق الحسابات وواجها صعوبات وتحديات كبيرة واليوم تطل علينا مؤسسة فخرو للمحاسبة والتدقيق صرح شامخ يفتخر به أبناء البحرين

إقرأ أيضا لـ "حسين راشد الصباغ"

العدد 1409 - السبت 15 يوليو 2006م الموافق 18 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً