العدد 1412 - الثلثاء 18 يوليو 2006م الموافق 21 جمادى الآخرة 1427هـ

يدمي القلب ويحرض على كراهية المسلمين

«يونايتد 93»

الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 ، أربع طائرات مختطفة، والأقوال لاتزال حتى يومنا هذا تتفاوت وتختلف وتكاد تثير كثيرا من الجدل والتباعد الثقافي والسياسي بين الشرق والغرب، بين الغرب والاسلام، بين الغرب والعرب. تضيع الحقيقية بين تأكيدات كثير من الأميركان والأوروبيين وغيرهم ممن يزعمون الهوية الاسلامية، ولعلها العربية، للخاطفين، وبين اصرار مقابل من العرب والمسلمين والشرقيين وغيرهم ممن يكادون يجزمون بالتورط المخابراتي الأميركي في هذه العملية.

مهما يكن من أمر فما حدث كان واقعا لا يمكن انكاره، راحت آلاف الضحايا، ولسنوات ظلت الأفواه مغلقة وظلت جروح الأميركان، خصوصاً، نازفة. لم يجرأ أحد على تذكر الفاجعة أو استرجاع تفاصيلها، على الأقل بالكيفية التي يقوم بها المخرج الأميركي بول غرينغراس الآن في آخر فيلمه United 39 الذي تعرضه شركة البحرين للسينما حالياً.

هذا الفيلم يستعرض قصة الطائرة الأخيرة التي لم تصطدم بمبنى التجارة العالمية لكنها سقطت في أحد حقول بنسلفانيا، ليقتل كل ركابها، مسافرين وطاقم عمل وحتى الخاطفين. لم تصل الطائرة للهدف المقصود، لا ذلك الذي أراده مسافروها، ولا لما تمناه الخاطفون، لكنها انفجرت، وتطايرات أشلاء ركابها، لتختفي معها كثير من الأسرار والحقائق. لا أحد يعرف كيف ولماذا حدث ذلك ، لا أحد، حتى مخرجي هوليوود لا يمكن لهم أن يجزمو بما حدث في الأثناء، لكن كل ما يمكن فعله هو وضع بعض التصورات والخيالات و... التكهنات.

وعلى رغم كل ما قد يزعج المشاهدين العرب والمسلمين في هذا الفيلم، بسبب ما يحمله من تحامل عليهم، فإنه يظل واحدا من أكثر افلام هذا العام اثارة للجدل. لا يبدو طبعاً أن مخرجه أراد أن يغضب جمهوره من الأميركان أو سواهم «ربما»، لكنه كما أكد للصحافيين يريد أن يجد معنى لما حدث في ذلك اليوم.

هكذا إذاً، افلا يعيد ذلك الى الذاكرة فيلم Fahrenheit 9/11 لمايكل مور، الذي أراد هو الأخر إجابات كثيرة لأسئلة أكثر. هو كذلك، غرنيغراس ومور كلاهما يقفان موقفا محاسبا لإدارة بلادهما، كلاهما يريد للصورة أن تتضح. الفرق هو أن مور ركز على تصرفات حكومة بلاده غير المتأنية التي لا تتسم بأي تعقل ولا تجد لها أي تفسير لديه، أما غرينغراس فاستعرض ردود فعل أولئك ممن تعاملوا مع الكارثة من الأرض، وممن توجب عليهم اتخاذ قرارات خطيرة وحاسمة في تلك اللحظة. متحيز قد يكون، ولربما مستعرض للشجاعة الأميركية الفذة، لكن الكارثة التي لاتزال تحمل ذات الوقع المؤلم والموجع لجميع من علم بها، لا تحتمل تحامل طرف على آخر، وتبادل الاتهامات، بل تحتاج جهودا تحقيقية، فيلمية أو غير ذلك، غير متحاملة أو منحازة ضد أي طرف، لا تريد سوى التوصل لحقيقة ما حدث يومها.

يبدأ الفيلم رحلته مع بداية رحلة الركاب الأخيرة هذه ومنذ توجههم للبوابة رقم 17 التي أخذتهم الى طائرة الموت. ويتابع بتفصيل جميل لكنه موجع كيف يقوم أحدهم باجراء آخر مكالمة على هاتفه الخاص، وكيف يتفادى آخرون، بأدب، النظر في عيون المسافرين المقابلين، ثم يسمعنا بعض المحادثات الهادئة المقتضبة بين أولئك المسافرين، الى جانب تلك التي تدور بين ممن تسببوا في موت هؤلاء المسافرين جميعا. أيمكن للقارئ تصور مدى الوجع والرعب الذي قد يصيبه وهو يعلم أن أولئك جميعاً سيموتون بعد قليل، وهو يعرف أن جزءاً كبيراً مما يصور غرينغراس قد حدث واقعا، على الأقل ذلك المتعلق بما بعد معرفتهم بما يخبئه لهم القدر، والمختطفون، أيا كان توجههم وأهدافهم، وحقيقة هويتهم. هو شعور يشبه الغثيان على أية حال، يطلق دموع المشاهد، خصوصا وانه يعلم انه، كأولئك المسافرين، ممن ظهروا في الفيلم، أو ممن أدوه في الواقع، لا حول له ولا قوة، ولا يمكنه بأي حال منع أو تغيير قدرهم الأخير!

طبعاً لا يمكن مشاهدة هذا الفيلم مع الأطفال الصغار، أو التفرج عليه بغرض التسلية والمتعة، فهو لا يقدم أي تسلية تذكر. فلماذا إذن تسترجع هذه الحوادث، ولماذا يتم عمل الفيلم؟

هو بالنسبة لصانعيه والجمهور الأول في أميركا تثبيثاً لتاريخ لا يجب أن ينسى، واشادة ببطولات بعض من اتخذوا قرارات شجاعة في تلك اللحظات القاسية في تاريخ أميركا. والبطل هنا أو نجم الوقائع جميعها هو قائد الطيران الفيدرالي بين سلينلي، الذي يقوم هو نفسه بتمثيل دوره في الفيلم، وهو من اتخذ قراراً سريعا وحاسما بانزال اكثر من 4000 رحلة جوية في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأميركية.

أجمل ما في الفيلم، ومرة أخرى أؤكد، أكثر ما هو موجع فيه، هو ذلك الوصف الدقيق والمفصل لما حدث للركاب منذ البداية حتى آخر نهاية. هو وصف يجعل مشاهديه يعيشون الحدث بكل تفاصيله، ويضعهم في موقع هؤلاء المسافرين ليقتربوا من بعض مشاعرهم حينها. أناس عاديون، لعب أدوارهم ممثلون غير معروفين، لم نرتبط بأحدهم شخصيا، وهذا هو بالضبط ما يزيد من جاذبية وضعهم. نسمعهم وهم يجرون آخر مكالماتهم الهاتفية لأحبتهم ولأسرهم، ثم نشاهدهم وهم يخططون لهجمة مضادة. نجح غرينغراس في تصوير تلك اللحظات، ولعل أكثر ما تميز به وصفه ذاك هو أنه لم يجعل من أي من أولئك الركاب أبطالاً. هم جميعا بشر عاديون دفعتهم الرغبة في حماية أنفسهم في الأقدام على ما فعلوه حينها.

أخيرا فانه وعلى رغم كل التعاطف الذي قد يحمله المشاهدون لركاب الطائرة، فإن غرينغراس أصر على استفزاز المشاهدين المسلمين ببعض تفاصيل فيلمه. وبقصد أو من غير قصد، فقد ضمن فيلمه مشهد يظهر فيه أحد الخاطفين وهو يقرأ القرآن قبل أن يستقل الطائرة، ثم مشهد آخر يؤدي فيه الخاطفون صلاتهم على مسمع من الركاب المذعورين. ثم وبكل غرابة، يضمن مشهداً آخر نسمع فيه أحد الخاطفين ينهي مكالمة هاتفية بعبارة «أحبك»، ربما ليضفي بعدا إنسانيا على هؤلاء الخاطفين يشبه الى حد بعيد ذلك البعد الذي حاول هاني أبوأسعد اضفاءه على الاستشهاديين في فيلمه المثير للجدل «الجنة الآن»!

لا يعلم أي منا ما حدث يومها، لا الأميركان، ولا المسلمون، ولا العرب، ولا أحد آخر، ربما تعلم السي أي ايه CIA وبوش وإدارته. ربما يكون أسامة بن لادن هو فعلا من ارتكب ذلك الفعل الاجرامي، وربما تكون عملية مشتركة بينه وبين المخابرات الأميركية، وربما... وربما لا شيء من كل ذلك.

لا يمكن لأحد أن يجزم بحقيقة ما حدث، وتبقى أفلام هوليوود وفيلم بول غرينغراس يونايتد 93United تخرصات وتأويلات قابلة للصحة... أو الخطأ

العدد 1412 - الثلثاء 18 يوليو 2006م الموافق 21 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً