العدد 1412 - الثلثاء 18 يوليو 2006م الموافق 21 جمادى الآخرة 1427هـ

باحث: السينما المصرية «امرأة سيئة السمعة»

يتهم باحث مصري السينما في بلاده بأنها في كثير من الفترات كانت «امرأة سيئة السمعة» لا تهتم برفع الوعي العام لدى الجماهير ولهذا يجد تفسيرا للتناول الذي يعتبره سطحيا لقضية البغاء باعتباره محصلة لعوامل نفسية واجتماعية واقتصادية أكثر تعقيدا مما قدمته كثير من الأفلام.

وقال المدرس بالمعهد العالي للسينما بالقاهرة خالد بهجت في كتابه «البغاء على شاشة السينما المصرية 1975 - 1985» إن الأفلام التي أنتجت خلال عشر سنوات ابتداء من منتصف السبعينات «لم تهتم بمشكلة البغاء الاهتمام الواجب على رغم معدلات الظاهرة المرتفعة».

وأضاف أن بعض الأفلام لعبت دور «البغي» ضمن ثلاثية كان فيها الجمهور هو «العميل» وبعض جهات الإنتاج قامت بدور «القواد».

وأشار الى أن دور البغي الذي قال إن بعض الأفلام لعبته كان «وصمة انحدرت اليها السينما المصرية بدءا بتدخل الاجانب في الانتاج وانتهاء بتدخل جهلاء (شركات) المقاولات وتحكم التوزيع وغيبة الدور والرسالة» عن كثير من الأفلام التي أطلق عليها سينما المقاولات وهي من انتاج من لا علاقة لهم بالسينما من المستفيدين بسياسة الانفتاح.

وصدر في مصر قانون العام 1949 باغلاق بيوت الدعارة واعتبار البغاء جريمة.

وقال بهجت ان الحملة الفرنسية على مصر (1798 - 1801) ساعدت على انتشار البغاء وفرضت عليه ضرائب ألغيت العام 1837 ثم أعاد الاحتلال البريطاني للبلاد العام 1882 الظاهرة باصدار لائحة العام 1905 تنظم عمل بيوت الدعارة وتمنح من تمتهن البغاء ترخيصا وتلزمها بكشف دوري.

وأشار الى أنه في الثلاثينات وعلى رغم التصريح بالبغاء فانه يصعب وجود فيلم مصري يتناول الظاهرة تناولا مباشرا لكن السينما نفسها منذ تلك الفترة «قامت بدور البغي الذي عادة ما يمثله رأس المال الذي يسعى الى الربح بأية وسيلة وعن أي طريق» في اشارة الى غياب الدور الاجتماعي.

وقال المؤلف إن عقد السبعينات شهد ما اعتبره تشكيلات وأبعادا جديدة لظاهرة البغاء «لم تكن متفشية في تاريخ الظاهرة في مصر الا بعد ظهورها على استحياء بعد هزيمة 67 ثم استشرائها كنتيجة حتمية للمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية وللبنيات الجديدة التي تفاعلت مع واقع جديد».

وعرفت مصر منتصف السبعينات سياسة سميت بالانفتاح الاقتصادي واجهت انتقادات كثيرة لخصها الكاتب المصري أحمد بهاء الدين (1927 - 1996) بأنها «انفتاح السداح مداح» أي بلا ضابط.

ويصدر الكتاب الذي يقع في 375 صفحة كبيرة القطع اليوم الاحد في سلسلة «الرسائل» عن أكاديمية الفنون بالقاهرة.

وكان الكتاب أطروحة علمية حصل بها الباحث العام 1992 على درجة الماجستير قبل أن يتجه الى اخراج المسلسلات التلفزيونية ومنها «رياح الشرق» و«درب ابن برقوق» و«ملفات سرية» و«أمس لا يموت» و«الاقدار» عن رواية «عبث الاقدار» للروائي الحائز على نوبل نجيب محفوظ كتبها قبل أكثر من 60 عاما مستلهما التاريخ الفرعوني.

وقال رئيس أكاديمية الفنون مدكور ثابت في مقدمة الكتاب انه اثر ألا يبقى شيء من البحوث والدراسات «الاكاديمية في العتمة بل لابد من الخروج الى النور» وحتى لا تظل صفة الجمود مقترنة بكل ما هو أكاديمي.

وأضاف أن نشر هذه الدراسات يمنح مساحة من التفاعل والتشابك مع ما تثيره من قضايا قبولا ورفضا من خلال جدال يؤكد التفاعل الحي بدلا مما اعتبره موتا سريريا لبعض الدراسات الاكاديمية مشيراً الى أن قانون التطور يفرض نفسه «فاذا ما تحولت الاكاديمية الى جبهة قتال ضد الجديد أصبحت معقلا للتجمد».

واعتبر السينما ثورة في وظيفة الفن ورسالته الاجتماعية وخصوصاً في المجتمعات التي تزيد فيها نسبة الامية كالمجتمع المصري مشيراً الى أن السينمائي في معالجته للبغاء وهو من أقدم المهن في التاريخ الإنساني ينتهج أحد مسارين اما التعمق في فهم القضية استنادا الى رصيد علمي سابق أو استهداف النجاح التجاري باثارة حواس المشاهد من خلال أفلام «رخيصة لا تهتم بالعلم ولا تلقي بالا للدور السينمائي في المجتمع ومن ثم تصبح هي الأخرى أفعالا بغائية».

وقال إن بعض الأفلام المصرية في مطلع السبعينات حاولت ربط البغاء والجنس والفساد بالحالة العامة للبلاد «بعد هزيمة 1967». كما جاء في (حمام الملاطيلي) لصلاح أبوسيف و(ثرثرة فوق النيل) لحسين كمال «أكثر من قدم أفلاما بها شخصيات لبغايا أو شخصيات تتحول الى بغايا».

قدم في ست سنوات ستة أفلام «منها (أبي فوق الشجرة) و(نحن لا نزرع الشوك) و(أنف وثلاث عيون) و(دمي ودموعي وابتسامتي) والجديد في الفيلم الأخير «هو نوعية القواد إذ أصبح من رجال الأعمال إذ المستوى الاقتصادي والاجتماعي الرفيع والذي يدفع زوجته لطريق البغاء كما أن الدافع للبغاء نفسه لم يكن من أجل الحصول على المال لمواجهة قسوة الحياة وانما هو لمزيد من الثراء ومزيد من السلطة».

وأضاف أن السينما المصرية شهدت موجة أفلام الانفتاح «بصخبها الاجوف الذي يستثمر معاناة الجماهير بأكثر ما يحلل أو يتناول الاسباب» خلال السنوات العشر موضع الدراسة إذ أنتج 542 فيلما بمعدل 54 فيلما في العام الواحد منها 29 فيلما ناقشت البغاء مثل (دائرة الانتقام) و(أمواج بلا شاطئ) و(عندما يسقط الجسد) و(السقا مات) و(شفيقة ومتولي) و(لا عزاء للسيدات) و(المشبوه) و(حب في الزنزانة) و(خمسة باب) و(شوارع من نار).

وقال إن معظم هذه الأفلام واكبت المناخ الاجتماعي الاقتصادي «السائد الذي حمل شعاره... اكسب واجر... فكان شباك التذاكر هو بغية صناع الفيلم في المقام الاول واثارة غرائز المتفرج هو الهدف الاسمى بالكثير من المشاهد الجنسية العارية والرقصة والقبلات الحارة والنكات الجنسية».

وأشار الى حرص بعض الأفلام على تصوير البغي نموذجا للنبل بل أشرف من الاخريات مع امتهان نموذج رمز العلم المتمثل في أستاذ الجامعة كما في فيلمي (درب الهوى) و(المذنبون) الذي تعرض رقباء صرحوا بعرضه للعقاب بحجة ما أثاره انذاك مصريون يعملون في الخليج قائلين انه يشوه صورة مصر.

واستبعد بهجت أن يكون عقاب هؤلاء الرقباء بسبب تصريحهم بعرض فيلم به بعض المشاهد الجنسية «فما أكثرها في الكثير من الأفلام الأخرى بل كان الاعتراض بالتأكيد على ما يعري البناء الفوقي لمجتمع حقبة الانفتاح»

العدد 1412 - الثلثاء 18 يوليو 2006م الموافق 21 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً