صدر في 21 يوليو/ تموز 2006 تقرير أعده الاستراتيجي الأميركي .Anthony H. Cordesman يبحث هذا التقرير الأبعاد الاستراتيجية لما يجري اليوم في خط المواجهة بين حزب الله و«إسرائيل»، تأتي أهمية هذا التقرير من بعدين، البعد الأول هو قرب المؤسسة التي أصدرته من حجرات القرار السياسي في البيت الأبيض، أما البعد الثاني فيتمثل في الإنتاج النوعي والفريد لهذا الباحث الأميركي خصوصاً.
يذهب التقرير إلى بيان لعبة الحظ والمعجزات في الحرب الدائرة اليوم في شتى محاور الصراع الشرق الأوسطي، سواء في البعد الإسرائيلي الفلسطيني، أو الإسرائيلي اللبناني، إذ لا يمكن لأحد من هذه الأطراف أن يرفض دور الحظ وهدايا المعجزات غير المتوقعة في هذه المنطقة المسكونة بالحرب، تتعلق الأطراف بالحظ، إلا أن شيئاً لا يتغير عما هو حاصل فعلاً هنا أو هناك.
يقر التقرير أن لا أحد من شتى الأطراف سيكون منتصراً في لبنان، فالإسرائيليون لن يحققوا أي انتصار ما لم تنته المواجهة بنزع سلاح حزب الله، وإلا فإن على «إسرائيل» الرجوع مجدداً إلى حرب الاستنزاف في الداخل الفلسطيني، ويعتقد namsedroC .H ynohtnA أنه من «السهل جداً أن يكون المنتصر في هذه المواجهة مهزوماً»، فزوايا التحليل السياسي تجعل النتائج في الواقع اللبناني الإسرائيلي متخالفة ومتضادة، ولا تؤدي إلى أي شيء جديد!
مشكلات «إسرائيل» الاستراتيجية:
تذهب مشكلات «إسرائيل» الاستراتيجية بعيداً إلى ما بعد المواجهات في لبنان، فثمة الوضع الداخلي الفلسطيني المضطرب، ويأتي الصراع في لبنان مع حزب الله بالتوازي مع ما يجري في غزة، وتلوح هنا الأسئلة المركزية في تحديد الاستراتيجيات الإسرائيلية في القريب المنظور.
إن ثقة «إسرائيل» اعتماد خيار الحواجز الأمنية، والحدود آحادية الجانب، والتحكم بفترات السلم والحرب أفضى ومازال يفضي إلى ما هو عليه الوضع اليوم من تأزم، الإسرائيليون في محاولة تغليب «الأمل» على «التجربة» لا ينجحون، فالواقع العربي المحيط بـ «إسرائيل» لا يتغير، هو تحديداً واقع فلسطيني وعربي وإسلامي غاضب لا يهدأ، بل هو لا يتوقف عن توليد هذه الحالة ومضاعفتها كل يوم.
لا يجد أن الإسرائيليين أن انسحابهم من غزة قد خلق لدي أي فلسطيني شعوراً - ولو مزيفا - بالامتنان، بل فهمه الراديكاليون الفلسطينيون كحماس بأنه «نصر تاريخي»، وبالتالي كان مستوى الفهم الحاصل هو «فشل» إسرائيلي بامتياز، وهذا ما يعقد المعادلة أكثر وأكثر.
ليس أمام «إسرائيل» من خيارات كثيرة، وكل خيار هو أسوأ من الآخر، فعزل غزة، أربك الأوضاع الاقتصادية، وجعل حال المعابر والموانع أكثر صعوبة، ودب الضعف في شريك «إسرائيل» في عملية السلام «فتح»، ورفع من أسهم «حماس» الداخلية بطريقة غريبة.
المعابر غير الشرعية مع الحدود المصرية مقلقة أيضاً، إذ رواج عمليات تهريب الأسلحة عبر الأنفاق، وتهريب الصواريخ المحلية، والصواريخ المستوردة على حد سواء، وكلما ضغطت «إسرائيل» على الفلسطينيين تعقدت الأمور بشكل لا يمكن السيطرة عليه.
هجمات «إسرائيل» على حزب الله:
يعتبر هجوم «إسرائيل» على حزب الله ولبنان تحديداً مشكلة عميقة كتب فيها الكثير، و«إسرائيل» التي عرفت حزب الله لسنوات أمام الحدود اللبنانية الإسرائيلية كانت تدرك خطورة الآف الصواريخ الجاهزة على الحدود، بخلاف ترسانة حزب الله المضادة للدبابات والكثير ما يشكل خطراً عليها.
وفي الوقت نفسه الذي كانت «إسرائيل» مشغولة في صراعاتها الداخلية في غزة والضفة الغربية، في نهاية المطاف اعتبرت «إسرائيل» اختطاف حزب الله لبعض جنودها وقتل آخرين «إهانة لا تحتمل» فكانت ردة فعلها قوية ومنفعلة. «إسرائيل» في هذا الرد تريد أن ترفع من معنوياتها الداخلية من جهة، وان تؤكد قدرتها على حماية جنودها ومواطنيها من هذا الخطر الجديد (الاختطافات) من جهة أخرى، كما أنها تسعى في هذه العملية العسكرية إلى تقويض كل راديكالي ومتطرف يفكر في استخدام مثل هذه الوسائل في المستقبل معها.
على البعد الاستراتيجي تسعى «إسرائيل» بضرباتها على حزب الله ولبنان معاً إلى إضعاف «حزب الله» من جهة، ومن جهة أخرى إجبار الحكومة والجيش اللبناني على التحرك. وإذا كان الأمر كذلك، فإنه من المحتمل أن تكون النتائج النهائية تدميرية بشكل استراتيجي كما حدث في احتلال لبنان في 1982.
حزب الله، بالإضافة إلى استهدافه الرئيس لشمال «إسرائيل» فهو يؤثر على الاقتصاد الإسرائيلي بقوة. إلا أن استمرار القوة التدميرية لصواريخ حزب الله قد يجبر «إسرائيل» إلى النهايات الجديدة، بمعنى محاولة الاجتياح البري نحو خلق منطقة حاجزة توفر وضعاً أكثر أمناً لشمال «إسرائيل».
واقع الأمر، هو أن حزب الله أكثر ديناميكية في الوضع العسكري، يمكنه أن يختفي بسهولة ويفترق داخل لبنان. بل يمكنه الذهاب كاملاً إلى الشمال. ويستطيع ان يحقق بهذه الآليات نجاحات من مقاومته أكثر وأكثر. وتكون «إسرائيل» عندها قد وقعت في المستنقع اللبناني الذي هربت منه مرة أخرى. وعلى «إسرائيل» لو دخلت الجنوب ان تتحمل أيضاً ردة فعل لبنانية وعربية وأوربية معادية هي تتذكرها جيداً.
تبقى جهود إيقاف الحرب إذا ما نجحت وهو أمر مستبعد حتى تخرج «إسرائيل» بما يشبه النصر لا تغير شيئا، فالحلفاء التقليديون لحزب الله سيساهمون في إعادة قوته التي قوضتها «إسرائيل» في الحرب!
عملياً: وفيما عدا القتلى من المصابين، كل شيعي لبناني يشعر بالسوء، أزاح الاستفزاز الذي قام به حزب الله لـ «إسرائيل» بنصف مليون لبناني من الجنوب، بخلاف التأثير السلبي على قطاع السياحة - المورد الاقتصادي الأهم - لسنوات طويلة مقبلة، والضرر بالبنية التحتية في الجنوب اللبناني خصوصاً كلها عوامل محرجة لحزب الله.
قد يكتسب حزب الله منزلة أكبر في عيون الراديكاليين من العرب والإسلاميين، لكنه قد يجد أيضاً بمرور الوقت بأن آثار انقسامات عميقة في لبنان قد بدأت تلاحقه. مضافا لها الكثير من الخصومة في لبنان. والعزلة من قبل أكثر الأنظمة العربية التي ستعتبره بوابة دائمة للخطر وللابقاء على النزاعات والحروب في المنطقة.
قد لا تكون الحكومة اللبنانية عدوة لـ «إسرائيل»، لكنها من جهة أخرى من يسمح له بالإبقاء على أسلحته، وبتعزيز ترسانة صواريخه، وبالسيطرة على الجنوب اللبناني كاملاً. ومقاومة الحكومة لقوة حزب الله ضعيفة، ولا يراهن عليها في الميزان الداخلي اللبناني.
على أية حال، سيترك لبنان في فوضى استراتيجية في جنوبه، في خضم النزاع الدائر بين حزب الله و«إسرائيل»، إن لم تكن حرب اليوم هي حرب الاستنزاف الأخيرة بينهما.
إيران ووكيلها حزب الله:
قد تكون إيران كلفت وكيلها (حزب الله) بشن حرب ضد «إسرائيل»، ولعلها لم تحسب لكلفة هذه الحرب جيداً، ومن دون أي تخطيط أو نية إلى أي شيء محدد اكثر مما هو عليه الوضع اليوم.
الحكومات العربية في الخليج، والأردن، ومصر أصبحت مرتابة أكثر من النظام الإيراني الحالي، وباتت ترى أعماله أكثر خطورة وتأثيراً على مصالحها التي باتت مهددة.
مخططو «إسرائيل» من الاستراتيجيين يدركون ان إيران هي العدو الوجودي والحقيقي، ويدركون أهمية منع إيران من إرسال معونات عسكرية أو تمويل حزب الله والحركات الفلسطينية وحتى سورية بأي شحنات أسلحة أو مساعدات لوجستية أخرى. ويبدو أن «إسرائيل» أصبحت تخطط جدياً لضربة وقائية ضد إيران النووية.
سورية... الراديكالية الجديدة...
سورية أصبحت المقر الاستراتيجي للراديكالية والراديكاليين في الشرق الأوسط. وهي تلعب هذه اللعبة بشكل واضح، لكنها تبدو كلاعب خط ثانٍ بعد إيران، وهي تتمترس خلف المنافع الاستراتيجية من وراء إيران. وهذا ما يجعلها فاعلة خلف لبنان، وأيضاً ما يجعلها أصلب مع «إسرائيل» في ملف استعادة الجولان.
الفرص المضمحلة...
ليس هناك شك أنه إذا ما طفح القتال إلى كامل الشرق الأوسط والعالم الإسلامي. فإن ذلك سيعزز دعماً شعبياً ضد «إسرائيل» وحلفائها كالولايات المتحدة والتي ستكون عرضة للتهديد بلا شك. الخاتمة هي أن العرب والمسلمين سيعانون من الإسرائيليين أكثر، والفرص القائمة نحو استقرار المنطقة ستضمحل.
الولايات المتاحدة ستكون خاسراً آخر في هذه العملية التي تجري على الحدود اللبنانية الإسرائيلية. فالإدارة موقفها متنح، وهي لا تبذل أي جهد في خلق وترويج فكرة قوات دولية ينتظر منها تكوين حاجز حقيقي بين «إسرائيل» وحزب الله، وهي لا تساعد الحكومة اللبنانية في نزع سلاح حزب الله. هي تنتظر «إسرائيل» بشكل سلبي واضح.
كما أنها لا تقدم رؤية واضحة نحو إنعاش عملية السلام، وهو ما يجعل من الولايات المتحدة شريك «إسرائيل» المرفوض من وجهة النظر العربية. ومجمل ما يجري لا يساعد «إسرائيل» أو أي حلفاء آخرين في العالمين العربي أو الإسلامي على حد سواء
العدد 1418 - الإثنين 24 يوليو 2006م الموافق 27 جمادى الآخرة 1427هـ