العدد 1422 - الجمعة 28 يوليو 2006م الموافق 02 رجب 1427هـ

شيء من الكرامة يا عرب

عبدالجليل خليل comments [at] alwasatnews.com

.

افتح التلفاز هذه الأيام واختر أي قناة شئت، فماذا ستشاهد غير أطفال تتساقط على رؤوسهم الصواريخ، وأشلاء قطعتها الطائرات وصور الدمار والخراب يتصاعد الدخان منها ولا صوت يندد أو ضمير يتحرك. ماذا كان سيحدث في العالم لو أن هذا الهجوم كان على مدن في أميركا أو بريطانيا أو فرنسا؟

الكاتب الصحافي المشهور روبرت فيسك يتساءل في «الاندبندنت»، الثلثاء 18 يوليو/ تموز 2006 قائلاً: «ماذا لو كانت الحكومة اللبنانية هي التي تقصف (إسرائيل) على شكل ما يفعل الجيش الإسرائيلي في لبنان وكانت (إسرائيل) هي الضحية، لاندلعت على الأرجح حرب عالمية ثالثة»!

أما جيمس وايلد فقد أضاف بطريقته في الـ «غارديان» اليوم نفسه: «انه لو تصرفت أي دولة في العالم مثلما فعلت (إسرائيل) الآن أو ما فعلت على مدى 40 عاماً الماضية لفرضت عليها الأمم المتحدة أو حلف الناتو عقوبات اقتصادية أو عسكرية»! فلماذا لا يتحرك المجتمع الدولي إذاً ويفرض على «إسرائيل» وقف المجازر التي ترتكبها بحق المدنيين؟

الإجابة تأتي من الـ «غارديان» في عدد الخميس (20 يوليو 2006) نقلا عن مسئول أوروبي «إن أميركا مدعومة من بريطانيا استخدمت حق النقض في مجلس الأمن وأعاقت كل الجهود الدبلوماسية لوقف القتال، وأعطت (إسرائيل) الضوء الأخضر أسبوعا كاملا لتدمير البنية التحتية للبنان تدميراً كاملاً»، ليتم بناؤه - في نظرنا - من جديد بلا مقاومة أو ممانعة بالطريقة الأميركية كما فعلت في العراق!

ولا تسألني بعد ذلك كما سألت قناة «الجزيرة» مشاهديها: أين العرب من كل هذا؟ فالمشاهدون ردوا بكل غضب وحسرة بأن «العرب أصبحوا اليوم كما الأمس بلا قرار، لا في السياسة ولا حتى في الاقتصاد»!

وعبر إذاعة الـ «بي بي سي» العربية شن المشاركون هجوما شرسا واتهموا القرار العربي الرسمي بالعجز عن الرد «في الوقت الذي يكدس الأسلحة في المخازن أطنانا أطنانا، لكنه يفتقد الارادة التي تقرر ولو إطلاق رصاصة واحدة حين يتعرض الأمن العربي للخطر». بينما تساءل عدد آخر من المشاركين عن سلاح النفظ ولماذا لم يستخدم ولو ليوم واحد ونحن في اليوم العاشر والقاذفات تفتك بالأبرياء من النساء والأطفال!

على الشاشة الأخرى كان هناك بعض الصحافيين والسياسيين مع الأسف يحاولون عبثا أن يبحثوا عن أعذار للصمت العربي الرسمي، فمرة يبررون بأنه «لم يستشر في توقيت عملية الاختطاف ولا يتحمل ما يقوم به حزب الله»، ومرة أخرى يقولون: «هذه المعركة تحركها قوى إقليمية لا تريد الخير للبنان، والعرب لا يريدون أن يتورطوا فيها». وأغرب ما سمعت من تلك التبريرات ان الحل لا يحتاج إلا إلى بسط سلطة الدولة فقط، ونسي العرب أو تناسوا المجازر التي ارتكبها العدو وآخرها «قانا» في العام 1996 على رغم بسط سلطة الدولة!

وفي الحقيقة هذا تبسيط واستخفاف بعقل الشعب العربي الذي لا تنطلي عليه هذه السخافات بعد اليوم، فالاسرائيليون منذ اليوم الأول وهم يعلنون أهدافهم بكل وضوح وتحرير الجنود لا يأتي إلا في آخر القائمة بعد تنفيذ القرار الدولي 1559 القاضي بنزع سلاح الحزب، وبسط سلطة الدولة اللبنانية، ومكافحة الإرهاب وكأن الأمم المتحدة أوكلت هذه المهمة الجليلة إلى «إسرائيل» بحكم تاريخها المشرف في تطبيق القوانين الدولية واحترامها!

إلا أن كل تلك التبريرات على ضعفها، ليست لها علاقة بالسؤال المطروح، فلم يكن المطلوب من الموقف العربي الرسمي حماية المقاومة حتى يتم سرد كل تلك التبريرات -وإن كان ذلك من أهم واجباتها - فالمقاومة لم تراهن كما قال سيدها يوماً من الأيام عليه لا في السراء ولا في الضراء، ولم تتنكر لعلاقتها بسورية وإيران، وإنما تفتخر بأنها سخرت دائما تلك العلاقة لدعم المقاومة وتحرير الأراضي اللبنانية ولم يتلوث سلاحها يوما من الأيام بحروب داخلية أو عمليات مشبوهة!

لم يكن المطلوب حماية المقاومة وإنما حماية لبنان، فلماذا يسكت العرب ولبنان كله يدمر؟ لماذا لا يقف العرب في وجه أميركا و«إسرائيل» ويستخدمون شيئاً من أوراقهم إذا رفضوا وقف الحرب المسعورة على المدنيين؟ وكيف يمكن للرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز أن ينتقد «إسرائيل» بكل جرأة لقصفها المدن وقتلها المدنيين ويقول: «إن اللوم يقع من جديد وبشكل رئيسي على الولايات المتحدة التي تزود (إسرائيل) بالأسلحة وتدعم الانتهاكات التي ترتكبها»؟ كيف يمكن لتشافيز أن يقول كل ذلك والموقف العربي الرسمي صامت؟ ولماذا الصمت والاحتجاجات تجتاح عواصم العالم من أقصاه إلى أقصاه؟ وهل تكفي بضع ملايين سيمنون بها على لبنان والكل يعلم أن الفائض المالي من جراء الحرب وحده بلغ حتى الآن مليار دولار؟

هزني حديث الفنان اللبناني روجيه عساف حين قال: «لو راحت المقاومة لا سمح الله، لا يظنن أحد أن (إسرائيل) سترحم أحدا، المهم أن نتحد في وجه (إسرائيل)، فالأموال تأتي وتذهب لكن الكرامة إذا ذهبت لا تعود»

إقرأ أيضا لـ "عبدالجليل خليل"

العدد 1422 - الجمعة 28 يوليو 2006م الموافق 02 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً