العدد 3571 - السبت 16 يونيو 2012م الموافق 26 رجب 1433هـ

حقوق السجناء في البلدان العربية...

نفيسة دعبل comments [at] alwasatnews.com

محامية بحرينية

السجناء من موقوفين أو معتقلين أو محكومين في أية دولة سواء كانت تنادي بحقوق الإنسان أم لا تنادي بها، هم الفئة الأضعف والمعرضة دائماً لمصادرة حقوقها، بل والتي تتعرض لمختلف أشكال الاضطهاد، وذلك لأسباب عدة؛ منها عدم إمكانياتها في الدفاع عن حقوقها وقت الاعتقال والتوقيف، غياب المؤسسات المحلية المستقلة التي تعمل للمطالبة بحقوق هذه الفئة، غياب الرقابة من جهة مستقلة على الأجهزة التنفيذية التابعة للدولة، وصعوبة وصول معلومات أو قصص واقعية مدعومة بأسانيد للمؤسسات والهيئات الحقوقية خارج الدول.

وأهم تلك الأسباب دون أدنى شك؛ هي الخروقات والتجاوزات المتكررة والكبيرة التي تقوم بها الأجهزة التنفيذية في تعاملها مع هذه الفئة طوال المراحل التي يتعرض لها السجين ابتداء من استدعائه وتوقيفه والتحقيق معه ومحاكمته وسجنه، والتي من غير الممكن قبولها أو الرضا بها لا من الناحية الشرعية ولا من الحقوقية ولا من الناحية القانونية.

كما يعتبر سجناء الرأي - وهم الأفراد الذين يتم تقييد حرياتهم لأسباب تتعلق بالتعبير عن آرائهم دون المشاركة أو الدعوة للعنف-، من أكثر فئات السجناء تعرضاً للمضايقات والاضطهاد؛ حيث تغيِّب في مثل هذه القضايا الآليات المناسبة لإجراءات حجزهم أو اعتقالهم، بل وتتم معاملتهم بأبشع صور المعاملة الحاطة بالكرامة وبالإنسانية.

أسئلة كثيرة تتسابق للخروج من أفواه الكثيرين في هذا الصدد، منها: هل مرتكب الجنحة أوالجناية التي جعلته يستحق السجن تجرده من حقوقه الإنسانية والأخلاقية والأدبية عند حبسه؟! هل تجريده من حقوقه يعتبر جزءاً لا يتجزأ من العقاب المنصوص عليه في القانون؟ بل هل من يحبس على ذمة قضية ما ولم تثبت إدانته أو براءته بعد ... يتجرد من آدميته وحقوق الآدميين؟! لِمَ لا تبقى حقوق سجناء الرأي قائمة ومعترفاً بها أثناء قضائه فترة العقوبة أو مجرد التوقيف؟!هل تسقط الحقوق الأساسية للسجين سواءً كان محكوماً عليه أو موقوفاً أو تبقى محفوظة بطريقة تتناسب مع قضائه العقوبة في السجن؟!

لا يعني أبداً احتجاز أو سجن أي فرد -مهما بلغت التهمة الموجهة إليه- سقوط حقوقه الأساسية التي تتناسب مع التكريم الإلهي للإنسان وكذلك الالتزام بكل ما يضمن له الدفاع عن نفسه من خلال محاميه طوال فترة توقيفه أو احتجازه وحتى إذا ما تم سجنه تنفيذاً للعقوبة.

وقد عنت الاتفاقيات الدولية بتغطية جميع أشكال الاضطهاد التي قد يتعرض لها السجين؛ كالاعتقال بصورة مهينة، والتعذيب الجسدي والنفسي خلال فترة السجن، ومنعه من الاستعانة بمحامٍ في فترة التحقيق، وغياب المحاكمة العلنية والعادلة، والانتقاص من احتياجاته الأساسية كالرعاية الصحية، وتوفير ما يربطه بالعالم الخارجي، وتهيئة المكان الملائم للاحتجاز، وإتاحة الفرصة له لاكتساب معارف ومهارات تناسب هواياته، وتبقى المشكلة قائمة في التطبيق على أرض الواقع من جانب، وفي ما يجري للحالات الفردية من السجناء المنسيين من جانب آخر.

وقد جاء في الإطار ذاته قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 45/111 المؤرخ في 14 ديسمبر/كانون الأول 1990 ببعض حقوق السجناء التي يجب أن تتبناها الدول ومنها ما يأتي:

• أن يعامل كل السجناء بما يلزم من الاحترام لكرامتهم المتأصلة وقيمتهم كبشر.

• لا يجوز التمييز بين السجناء على أساس العنصر أو اللون، أو الجنس أو اللغة أو الدين، أو الرأي السياسي أو غير السياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد أو أي وضع آخر.

• احترام المعتقدات الدينية والمبادئ الثقافية للفئة التي ينتمي إليها السجناء، متى اقتضت الظروف المحلية ذلك.

• تضطلع السجون بمسئوليتها عن حبس السجناء وحماية المجتمع من الجريمة بشكل يتوافق مع الأهداف الاجتماعية الأخرى للدولة ومسئولياتها الأساسية عن تعزيز رفاهية ونماء كل أفراد المجتمع.

• باستثناء القيود التي من الواضح أن عملية السجن تقتضيها، يحتفظ كل السجناء بحقوق الإنسان والحريات الأساسية المبينة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وحيث تكون الدولة المعنية طرفاً، في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وبروتوكوله الاختياري، وغير ذلك من الحقوق المبينة في عهود أخرى للأمم المتحدة.

• يحق لكل السجناء أن يشاركوا في الأنشطة الثقافية والتربوية الرامية إلى النمو الكامل للشخصية البشرية.

• إلغاء عقوبة الحبس الانفرادي أو الحد من استخدامها، وتشجع تلك الجهود.

• تهيئة الظروف التي تمكن السجناء من الاضطلاع بعمل مفيد مأجور ييسر إعادة انخراطهم في سوق العمل في بلدهم ويتيح لهم أن يساهموا في التكفل بأسرهم وبأنفسهم مالياًّ.

• ينبغي أن توفر للسجناء سبل الحصول على الخدمات الصحية المتوافرة في البلد من دون تمييز على أساس وضعهم القانوني.

كما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ما يأتي: الحق في الحياة وسلامة الشخص، الحق في عدم التعرض للتعذيب والمعاملة السيئة أو المهينة، الحق في عدم التعرض للتمييز والتفرقة من أي نوع كانت قومية أو إثنية او طائفية أو جنسية أودينية، الحق في التحرر من الاستعباد، الحق في حرية الرأي والفكر، الحق في التنمية الذاتية.

فلا جدال في أن السجين بسبب السجن يفقد بعض الحريات الشخصية وحقه في حياة خاصة وحرية الحركة وحرية التجمع والتعبير، إلا أن ذلك الأمر لا يجرده من صفته كإنسان بكل الأحوال، وعليه فليس من المقبول التعامل معه بالمعاملة الحاطة من الكرامة.

وبالرجوع إلى القانون النموذجي العربي الموحد الصادر العام 2000م والذي وضع فيه بعض القواعد للحد الأدنى لمعاملة المسجونين رجوعاً إلى مؤتمر جنيف العام 1955 من بينها ضمان التفتيش الإداري والقضائي كأحد آليات الرقابة على حسن معاملة السجناء من توفير للرعاية الصحية والاجتماعية وصون كرامتهم وما إلى ذلك، وقد شارك بإعداد ذلك القانون كل من السودان والسعودية والجزائر والإمارات والكويت وليبيا.

كما أننا وبالرجوع إلى قانون السجون الكويتي نجد أنه أفرد فصلاً مكوناً من عدة نصوص لبيان حقوق السجناء، حيث أوضح بالمادة (67) على سبيل المثال عن العناية بالغذاء «... يجب ان يحتوي الطعام الذي يقدم للمسجونين على القيمة الغذائية التي تحفظ الصحة والقوة وأن يكون متنوعاً جيد التجهيز...»، وفي المادة (72) «... يكون لكل سجن وحدة صحية يرأسها طبيب هو المسئول عن اتخاذ ما يكفل المحافظة على صحة المسجونين ووقايتهم من الأمراض الوبائية...».

وحسناً فعل المشرع الكويتي حقيقة ببيان مسألة الإفراج الصحي بالمادة (80) «...اذا تبين لطبيب السجن أن المسجون قد ساءت صحته لدرجة تنذر بالخطر؛ فعليه كتابة تقرير مفصل بحالته، وتتألف لجنة طبية من وزارة الصحة العامة يكون أحد أعضائها طبيب السجن للكشف على المسجون، فإذا أيدت اللجنة رأي طبيب السجن قررت الإفراج عن المسجون افراجاً صحياًّ بعد موافقة وزير الداخلية...».

وبالرجوع إلى قانون السجون بمملكة البحرين؛ نجد أن مسألة حقوق السجناء وضعت بمعرفة رئيس الشرطة ومن باب تنظيمي فقط، ففي الفصل الثالث من القانون ورد الآتي: «... تكون جميع السجون تحت إشراف رئيس الشرطة وإدارته العامة ويجوز له أن يضع أنظمة لا تتنافى مع أحكام هذا القانون كلما رأى ذلك مناسباً لتنفيذ تلك الأحكام وخصوصاً ما يتعلق منها بالمسائل الآتية:

تفتيش السجناء وزائريهم، نظافة السجناء والسجون، طعام السجناء ومساكنهم وفراشهم وملابسهم، تصنيف السجناء وفصلهم وعزلهم، قيد السجناء بالسلاسل، تفتيش السجناء والسجون صحياًّ، ونقل السجناء إلى المستشفيات حين الضرورة، التحقيق في حوادث الوفاة بين السجناء، حظر المخدرات والكحول والتبغ وغيرها من المواد الممنوعة، تعيين الشغل والرياضة للسجناء، زيارة السجناء والمخابرة معهم.

وقد نص قانون الإجراءات الجنائية البحريني في المادة (312) منه على الآتي «تراعى في تنفيذ العقوبات السالبة للحرية المبادئ الإنسانية واحترام كرامة الإنسان...»، وبالرجوع إلى المادة (314) من القانون ذاته؛ نجد أن جميع ما من شأنه الإخلال بحقوق السجناء قد يندرج وإن لم يكن بصراحة في النص تحت البند الأول من اختصاصات قاضي تنفيذ العقاب المتعلقة بالفصل بجميع المنازعات المتعلقة بتنفيذ العقوبات.

إلا أنه وعلى رغم التأكيد على مسألة حقوق السجناء بنصوص القانون وبموجب الاتفاقيات الدولية، فإننا مازلنا بين الفينة والأخرى يتوارد إلى مسامعنا سواء من المؤسسات الحقوقية أو من وسائل الإعلام المستقلة أو ممن يقبعون في السجون أنفسهم عن حالات وقضايا لتجاوزات حدثت وتحدث بمراكز التوقيف أو السجون المركزية، مثل: التفتيش المهين والحاط بالكرامة أثناء تنقل السجناء من جهات التوقيف وإلى المحاكم، الأكل غير الصحي والموبوء، التضييق في الذهاب إلى دورات المياه، التهديد بالضرب والاعتداء بجميع أنواعه ما بين جلسات المحاكمة للسجناء لمنعهم من التصريح بسوء المعاملة، عدم الاهتمام بالعلاج السريع والفعال للسجناء، إهمال العلاج الدوري للسجناء المصابين بإصابات أو أمراض وتعريض حياتهم للموت.

ولا شك في أن سبب ذلك يعود إلى غياب الرقابة وعدم التزام بعض المحققين والموظفين بتطبيق الأنظمة بصورة سليمة، حيث تنتج عن مثل هذه التجاوزات أضرار بالغة بحقوق بعض السجناء تنعكس آثارها على صحتهم النفسية والجسدية وعلى علاقتهم بمجتمعهم ووطنهم.

نحن معنيون جميعاً بتحمل المسئولية الإنسانية والشرعية والوطنية وبكل جدية تجاه هذه الفئة والعمل على ضمان حقوقها كاملة ورصد أي تجاوز أو انتهاك يقع في هذا المجال، وعليه أقترح الآتي ذكره لتوفير قدر أكبر من الحماية لتلك الفئة المنسية في المجتمع.

أولاً - تعديل التشريعات الداخلية المتعلقة بالسجون، وتضمينها جميع الحقوق المتعلقة بالسجناء والإجراءات الواجب اتباعها من قبل الجهة المعنية بالتحفظ على السجين، والعقوبات التأديبية والجنائية للمخالف.

ثانياً ـ إنشاء هيئة مستقلة عن وزارتي الداخلية والعدل، مهمتها القيام بالإجراءات كافة اللازمة للمحافظة على تفعيل حقوق السجناء، ورقابة العاملين فيها، وتجنباً لأي تجاوز أو مخالفة من خلال فرض تقارير أولية تستلزم توقيع السجناء عليها بما تتضمن الرعاية لحقوقهم والفحص الدوري لهم وما إلى ذلك.

ثالثاً ـ السماح للمنظمات الحكومية وغير الحكومية التي تعنى بحقوق الإنسان بالزيارات المفاجئة، لضمان الرقابة الفاعلة، وبالتالي تجنب التجاوزات والخروقات بقدر الإمكان والتعرف على أحوال السجون والمساهمة في تقديم الحلول أولا بأول.

رابعاً ـ توفير الرعاية الصحية والنفسية للمرضى داخل السجون، وكذلك توفير الأدوية للسجناء كافة الذين يحتاجون إلى العلاج.

خامساً ـ إنشاء آلية تحقيق دائمة ومستقلة تشمل قضاة ومحامين وأطباء تقوم بفحص جميع ادعاءات سوء المعاملة والتعذيب التي تحدث في السجون وتقديم المسئولين عنها إلى المحاكمة.

فجل ما نتمناه في هذا المقام، هو أن تكون السجون مجتمعات منظمة، أي أن تكون أماكن لا خطر فيها على الحياة والصحة والسلامة الشخصية والنفسية، وأن تركز الأنشطة في السجن كلما أمكن على العودة إلى الاستقرار في المجتمع بعد انقضاء فترة العقوبة أو انتهاء فترة التوقيف لسبب ما.

إقرأ أيضا لـ "نفيسة دعبل"

العدد 3571 - السبت 16 يونيو 2012م الموافق 26 رجب 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 5:33 ص

      كل ما قلت شعارات تتغنى بها الدولة

      الواقع ترى العكس مع سجناء الراي
      ام المعذبين يكرمون

اقرأ ايضاً