العدد 3579 - الأحد 24 يونيو 2012م الموافق 04 شعبان 1433هـ

مآلات رعب الصورة لقطة ونصاً

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

دخلنا مرحلة رعب الصورة. الصورة اليوم تملك إمكانات وهندسة رعبها لمن ظلوا؛ أو ظنوا أنهم على مبْعدة من شعور وحس ينتاب مليارات البشر ممن تضرروا بشكل مباشر أو غير مباشر من عناوين حفظ كرامتهم؛ فيما الممارسة على الأرض تقول خلاف ذلك والنقيض منه.

رعب الصورة اليوم يتمثل في انحراف الإنسان عن مقاصده الأخلاقية والقيمية. رعبها يتمثل في قدرتها على كشف المستور وقدرتها على قول ما لا تستطيع آلاف الكلمات قوله.

رعب الصورة لا يحضر إلا في الطمأنينة الزائفة على حساب طمأنينات غائبة ومصادرة. الصورة اليوم هي الصكّ القادر على الترافع ببلاغة، والإدانة بثقة في الوقت نفسه. الصورة ليست لقطة عابرة. إنها تختزل عذابات وتجاوزات وانتهاكات طالت أشرف وأنبل مخلوقات الأرض.

إنها الحد الفاصل بين السهو وبين الحضور والانتباه. وحين أقول رعب الصورة ليس بمعنى الممارسة التي تنتهك حق الإنسان في أن يكون مطمئناً فحسب. أتحدث عن الرعب الذي تسجّله في خلخلة الطبيعي من حياته والحق في ذلك الطبيعي من الحياة. أتحدث عن الرعب الذي تسجله وتدونه في المراحل الشاذة والأوقات الخارجة على الذوق والأخلاق والقيم والفطرة لدى ما دوننا من مخلوقات.

الصورة اليوم يمكن أن تفصل في الكثير من القضايا المعلقة أو التي يراد أن تظل معلقة، وأن تضع الإعلام الموجّه والملغّم في أكثر من زاوية ضيقة وحشره في مساحة من المساءلة والاستجواب وصولاً إلى الإدانة.

رعب الصورة اليوم لا يأتي في المراحل واللحظات المستقرة لأي منا. يأتي في مصادرة اللحظات تلك والاستيلاء عليها وإدخالها ضمن الإرث الشخصي وحتى المقتنيات بثقة زائفة وفائضة عن الحاجة.

في الجانب الآخر، ثمة طمأنينة تتيحها الصورة نفسها لمن كانوا موضوع الامتهان. امتهان كرامتهم وامتهان اعتبارهم الإنساني ودورهم في هذا الفضاء المفتوح على الممارسة ضمن ضوابط يعيها كل واحد منا بعيداً عن صرامة التعريف في التشريعات والتفصيل فيه. طمأنينة ليس بالضرورة أن يتحصّل من خلالها أولئك على حقوقهم بشكل فوري - ذلك لن يحدث بطبيعة ادعاء الانشغال بما هو أهم وأجدى - وردّ اعتبارهم المفقود، بقدر تقديم تلك الصورة لمساحة الألم الذي تم، والعذاب الذي حدث، والتجاوز الذي تم استمراؤه وتكراره والاستهانة بالمخلوقات والتعامل معها باعتبارها فائض شيء وآخر الهم!

الصورة لا تُحسن ولا تُسيء الظن في طرف دون آخر. إنها تقدم الحال. تقدم تقريرها وضميرها وحسّها عبر عدسة، عين، لقطة، لحظة في حدث، حراك، ثابت أو متحول، تلك مسألة أخرى. تقدم قلقها أيضاً. يقدم صاحبها ضميره في الصورة نفسها. في موضوعها. في الناس، الموقف، الحدث كما هو من دون تدخل أو تداخل. كما هو بفطرته أيضاً. للصورة فطرتها تماماً كفطرة صاحبها وروحه لحظة انتخاب الموقف وتوجيه العدسة وزرّها.

رعب الصورة اليوم يحيي جانباً، بشراً، منفذاً؛ لكنه في الوقت نفسه يفعل فعله في إبطال الزائف من المعتم، والخادع من العرف، والمعتاد من الممارسة.

الصورة لا يمكن رشوتها وإغراؤها كي لا ترى ما لا يريد بعضهم أن يُرى. لا يمكن إخضاعها لآلة الإغراء وما يمكن أن تفعله في منظومة الإفساد والتزوير وتوجيه الضمائر بحسب ما تشتهي وتريد. لا يمكن إخضاعها أيضاً لسلطة عين تريد أن ترى ما تريد رؤيته في محافل وحفاوة وحفلات استقبال ووداع ولهو؛ فيما البشر في الطرف الآخر من المكان والزمان في المنسي والمغيّب وما بعدهما!

رعب الصورة جعل الأنظمة تحاول أن تفتك بالمصور وبالكاميرا وهو ما حدث في الثورات العربية الأخيرة التي طالما كان بها حامل الكاميرا أو الهاتف النقال هدفاً للفتك والقتل والاعتقال والأمثلة في ذلك كثيرة ويعرفها الجميع.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 3579 - الأحد 24 يونيو 2012م الموافق 04 شعبان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 11:31 ص

      المثل يقول

      المثل يقول الصورة عن الف كلمة

    • زائر 1 | 4:53 ص

      سوسنة الأمل

      سلمت أناملك الصادقة
      صورة اللحظه اصدق تعبيراً من اللسان

اقرأ ايضاً