قال كثيرون ان المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تحب تقليد المستشار المحافظ السابق هيلموت كول الذي كان والدها الروحي حتى انقلبت عليه. إذ بعد أن نجح مشروع الوحدة الألمانية الذي جاء مفاجئا لكول والسياسة الدولية تحمس لتحقيق وحدة أوروبا. وكان له دور في تحقيق مشروع الوحدة وخصوصاً الوحدة النقدية. ليس كثير من الناس في أوروبا يرون مشروع العملة الموحدة (اليورو) مشروعا ناجحا فقد أدى إلى غلاء فاحش في الأسعار. أنجيلا ميركل التي نجحت في بلوغ القمة السياسية كأول امرأة ألمانية تحوز على منصب المستشار وأول امرأة من ألمانيا الشرقية السابقة تحصل على أهم منصب سياسي في الدولة الألمانية، تريد وضع بصماتها على الوحدة الأوروبية على رغم أنها تواجه صعوبات في سياستها الداخلية كما أن سياستها الخارجية لا تلاقي استحسانا عند كثيرين من ضمنهم الجانب العربي نظرا لتحيزها الواضح لـ «إسرائيل».
في الاجتماع الذي تم في برلين يوم الاربعاء الماضي بين المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروز، عرضت ميركل الخطوط العريضة للبرنامج السياسي الذي ستعمل فيه ألمانيا عند توليها رئاسة الاتحاد الأوروبي في مطلع يناير/كانون ثاني العام 2007. كما دعت ميركل إلى تغيير في العقليات من أجل تخفيف وطأة النزعة البيروقراطية في المؤسسات الأوروبية وقالت في هذا السياق: يجب التخلي عن بعض التوجهات التي باتت غير مجدية.
أما رئيس المفوضية الأوروبية فقد عبر بدوره عن مشاطرته الرأي لموقف ميركل وعن دعمه لموقفها عن ضرورة بعث روح التجديد في أوروبا وإعطاء الاتحاد الأوروبي مزيدا من الديناميكية وقال: كنا نعتقد قبل سنوات أنه من أجل أن يكون المرء أوروبا جيدا يجب أن نأتي بقوانين جديدة وأضاف: من واجبنا أن نخفف العبء الإداري الذي يثقل على عالم الأعمال والمواطنين.
ينتظر الرئاسة الألمانية عدد من الملفات الشائكة وعلى رأسها مسألة الدستور الأوروبي الذي ازدادت قضيته تعقيدا بعد التصويت ضده من قبل الشعبين الفرنسي والهولندي في العام 2005. خلافا لدول أوروبية أخرى أجرت استفتاءات شعبية على الدستور الأوروبي فإن البرلمان الألماني أناب عن الشعب وأيد الدستور. تريد الرئاسة الألمانية تحريك الملف الذي ظل مجمدا فترة طويلة، لاسيما وأن ألمانيا تتمتع بثقل كبير في الاتحاد الأوروبي. لكن هذه المهمة ليست شأنا ألمانيا خالصا كما أوضح رئيس المفوضية الأوروبية حين قال: ليس من العدل أن تلقى كل المسئولية على عاتق ألمانيا وحدها.
أخذت المستشارة الألمانية على عاتقها جعل مسألة الدستور الأوروبي أولوية لها ورأت أن أوروبا الموحدة تحتاج إلى دستور موحد مشيرة إلى أن هذا الدستور يجب أن يكون منتجا يستحق الوصف بأنه دستور أوروبي. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: ما الشكل الذي ستتخذه إصلاحات المؤسسات الأوروبية التي تنوي ألمانيا أن تحققها وما الطريق الذي ستسلكه المستشارة في قيادة التوجهات الإصلاحية؟.
يرى بعض المحللين أن ألمانيا لن تستطيع تحقيق الكثير من التقدم على صعيد إقرار الدستور الأوروبي، إذ يرون أن تقدما حقيقيا قد يتم في عهد الرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي في العام 2008 وذلك بعد انتخابات الرئاسة في فرنسا المقررة في مايو/أيار 2007. وفي ضوء هذا كله، تعي ألمانيا أنها لن تستطيع إتمام إقرار الدستور الأوروبي خلال فترة رئاستها، ولكنها تريد أن تضع خارطة طريق جديدة وجدولا زمنيا عن قضايا الموضوع.
يرى المراقبون أن ألمانيا يمكن أن تنجح في تحقيق تغيير والوصول إلى نتائج ملموسة في الملفات الاقتصادية والاجتماعية أثناء توليها رئاسة الاتحاد الأوروبي. هذه النتائج يمكن أن تتمثل في قضايا سياسة تحرير السوق والعولمة ومحاربة البيروقراطية ومسألة الطاقة. وأولت ميركل حماسا كبيرا لمسألة الطاقة وليس أدل على ذلك انعقاد مؤتمر عن الطاقة في برلين في مطلع شهر أكتوبر/تشرين أول 2006. فقد ظهرت دعوات في مسودة خطة العمل التي تنوي ألمانيا طرحها أثناء توليها الرئاسة الأوروبية إلى فتح كامل الأسواق أمام قطاع الكهرباء والغاز. وقال فرانك فالتر شتاينماير وزير الخارجية الألماني في كلمة ألقاها في مؤتمر الطاقة: من دون وجود أسواق محلية فاعلة لن تكون هناك قدرة تنافسية داخل أوروبا. مثل هذا الطرح من سياسة تحرير السوق والاقتصاد يعني للمستهلكين إمكان الاختيار بين عروض أوروبية مختلفة وبأسعار تنافسية.
ملف الطاقة سيتصدر جدول أعمال القمة الأوروبية في برلين في مارس/آذار المقبل. وستبقى حتى وقت غير معروف كل دولة أوروبية منهمكة في البحث عن مصادر الطاقة حسب تصور كل منها لغياب رؤية أوروبية مشتركة. خلال الزيارة التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لألمانيا في الفترة يومي 10 و11 أكتوبر2006 أعرب عن استعداد روسيا لتأمين الطاقة لكل أوروبا. غير أن أوروبا تشعر بالقلق منذ أن قطعت روسيا مصادر الطاقة عن أوكرانيا عقب نشوء خلاف سياسي وتبحث أوروبا مذ ذلك الوقت عن بديل.
الملف التركي ورغبة أنقره في الانضمام للاتحاد الأوروبي سيستمر سخونة خلال فترة الرئاسة الألمانية مع احتمال توقف مفاوضات العضوية مع تركيا إذا استمرت في موقفها المعارض للاعتراف بجمهورية قبرص اليونانية التي هي أحد أعضاء الاتحاد الأوروبي وخصوصا أن المستشارة ميركل لا تؤيد شخصيا العضوية التركية واقترحت قبل سنوات ومازالت تتبنى هذا الاقتراح أن يعقد الاتحاد الأوروبي اتفاق شراكة متميزة مع تركيا. وحصل خلاف بين طرفي الائتلاف الحاكم في برلين، الحزب الاشتراكي الديمقراطي والاتحاد المسيحي بعد زيارة ميركل إلى تركيا مطلع أكتوبرعندما تمسكت بموقفها المعروف تجاه مسعى تركيا للانضمام للاتحاد الأوروبي إذ يرى الاشتراكيون أن جهود الإصلاح في تركيا والتيار السياسي الذي يدعو ويعمل من أجل الإصلاح ينبغي أن يحصلا على تشجيع لاسيما وأن هدف تركيا الحصول على العضوية الكاملة وليس عقد اتفاق متميز.
المؤكد أن فترة الرئاسة الألمانية للاتحاد الأوروبي لن تكون سهلة فهناك ملفات وقضايا ساخنة مثل الدستور الأوروبي الذي تنظر إليه الشعوب الأوروبية بريبة وشك وقضية الشرق الأوسط نتيجة اختلافات الرأي بين الدول الأعضاء وكون ألمانيا التي تقوم الاتحاد الأوروبي مدة نصف عام منحازة لـ «إسرائيل». ألمانيا ستحصل على فرصة جديدة لتحرك أوروبا وتثبت أنها قوة لا يستهان بها
العدد 1505 - الخميس 19 أكتوبر 2006م الموافق 26 رمضان 1427هـ