العدد 3589 - الأربعاء 04 يوليو 2012م الموافق 14 شعبان 1433هـ

«الشبيحة» في سورية قوة فوق القانون

عندما يدخل أفراد من عصابات الشبيحة الموالية للحكومة السورية متجراً وهم يحملون الأسلحة يعلم سكان حمص الفزعين أن عليهم الاختفاء من طريقهم. يتقدم أفراد الشبيحة -المتهمون بارتكاب فظائع من بينها مذبحة قتلوا فيها عشرات النساء والأطفال الشهر الماضي- الصف ويتراجع المتسوقون ويهرع العاملون في المتجر إلى خدمتهم.

الشبيحة خارج السيطرة

ويجوب شبان الشبيحة شوارع الأحياء العلوية ويقيمون نقاط تفتيش متى أرادوا ويوقفون حركة المرور لاستجواب السائقين. همس ابو تمام من حي الزهراء العلوي حيث انضم مئات الرجال إلى عصابات الشبيحة «نحن لا نعرف متى سيظهرون ومتى سيختفون. بعض من كبار قادتهم هم أكبر بلطجية في الحي. الآن من المفترض أنهم منقذونا». وتعتبر عصابات الشبيحة نفسها حالياً خارج سيطرة حتى قوات الأمن التي شكلتها لدعم الحملة الوحشية على الانتفاضة ضد الرئيس بشار الأسد والتي بدأت في مارس/ آذار 2011 . وحمص مليئة برجال مثل لؤي القصير البدين الأصلع الذي يبلغ من العمر 40 عاماً والذي لا يبدو مطلقاً كزعيم عصابة. لكنه لا يخاف حتى من قوات الأمن ويزعم أنه لا يتلقى أوامر من أحد ولا حتى من الحكومة التي يقاتل من أجل حمايتها. وقال متذمراً «إذا لم تستطع الحكومة إنهاء هذه المهزلة فسنقوم نحن بذلك. لديّ أولاد يأكلون الصخر. لقد فاض الكيل. الجيش يحاول إنهاءها منذ عام ولم يستطع».

مخلب القط لجهاز المخابرات السرية

ويقول معارضو الحكومة إن الشبيحة هم مخلب القط لجهاز المخابرات السرية التابع لدولة الأسد البوليسية وأنهم مستعدون للقيام بالأعمال القذرة بدون أوامر مكتوبة لذلك يمكن للحكومة أن تنفي مسئوليتها. وبعد مرور 16 شهراً على الانتفاضة التي يقول نشطاء إنها أودت بحياة ما لا يقل عن 13 ألف شخص بدأ ميزان القوى بين الجيش السوري وهذه العصابات يتغير. فالشبيحة الآن يعملون من تلقاء أنفسهم بل أحياناً ضد أوامر الجيش. ويقول لؤي «بشار سيبقى في السلطة ما دمت أتنفس لكن قادة جيشه فئران. أنا ورجالي نعمل من تلقاء أنفسنا ولا نتلقى أوامر من أحد». لكن برغم تفاخرهم بالاستقلال عن الجيش أصبحت علاقة الشبيحة بالأمن الداخلي وأفرع جهاز المخابرات وثيقة وقال بعض أفرادها إنهم طالبوا قوات الأمن بإرسال تعزيزات للمداهمات. ولؤي من الأقلية العلوية التي ينتمي إليها الأسد شأنه شأن غالبية أفراد الشبيحة. وتهيمن النخبة العلوية على سورية منذ أربعة عقود تحت حكم الأسد ووالده الراحل حافظ الأسد. ويصر علويون متشددون أنهم لا يقاتلون انتفاضة شعبية وإنما يقاتلون من أجل البقاء في مواجهة الغالبية السنية التي تقود الانتفاضة.

ويقول ضحايا غارات الجيش على المناطق السنية المتمردة إن الهجمات تبدأ عادة بقصف للجيش وتنتهي بعمليات قتل من جانب الشبيحة بالبنادق والسكاكين. كما يأتي بعضهم لينهب فقط. ويطلق آخرون النار ويطعنون من لم يفر من قصف الجيش. وتظهر التسجيلات المصورة بعد ذلك المشاهد الوحشية للجثث والأطفال وقد هشمت جماجمهم. ويصر ضباط الجيش على أن علاقتهم بالشبيحة هي علاقة شراكة مفروضة عليهم من جهاز الأمن السوري.

وقال ضابط بالجيش طلب عدم نشر اسمه «هذا واضح... الكراهية متبادلة بين الجنود والشبيحة، كل هذه الأشياء التي نراها في وسائل الإعلام لا علاقة لها بنا - القتل العشوائي والسرقة. لدينا مذابح في حمص ولا نزال نبحث عن الجناة. الشبيحة هم من يتولون المسئولية داخل أحيائهم».

ويسيطر الجيش من الناحية النظرية على المناطق العلوية في حمص. ولديه قوات ومدفعية ثقيلة في غالبية جنبات الشوارع. لكن السكان يخشون الشبيحة.

أصل كلمة شبيحة

وجاءت هذه التسمية من كلمة «الشبح» وهي أيضاً لقب لعصابات كانت مقربة من قوات الأمن في الثمانينات وكانت تقوم بعمليات تهريب وسرقة للسيارات خلال حكم حافظ الأسد والد بشار. لكن الشبيحة الجدد في سورية ليس لهم علاقة تذكر بأسلافهم الذين كانوا يتبعون أسلوب المافيا في العمل. فالعصابات التي أفرزتها الحرب هي عبارة عن مسخ قبيح «لمجموعات مراقبة الأحياء» التي شكلتها قوات الأمن مع تنامي الانتفاضة. وقال ضابط آخر بالجيش طلب أيضاً عدم نشر اسمه «الخطأ الأكبر للحكومة هو جماعات مراقبة الأحياء. هم أوجدوا الشبيحة والآن هم قوة فوق القانون. كيف لك أن تثق فيهم؟ أذا استمر الوضع على هذا النحو سيصبحون ميليشيات مكتملة الأركان». وبالنسبة لغالبية الشبان الذين انضموا لصفوف الشبيحة وعددهم بالمئات تعد العضوية عامل فخر وسبيلاً للدفاع عن منطقة تسكنها أقلية يعتقدون أنها تتعرض للتهديد. ويطلق على الأعضاء الصغار مثل سمير البالغ من العمر 20 عاماً الكتاكيت. ويبدل سمير حمل الكلاشنيكوف على كتفيه الصغيرين وهو يمشي في الشوارع. وطرده أبواه من المنزل عندما انضم للشبيحة. وقال «هناك حتى أعضاء أصغر... هناك فتى عمره 16 عاماً يساعدنا في بعض الهجمات. لسنا جهلة ... أنا في السنة الأولى في كلية الحقوق. لكن بلادنا الآن أهم وهؤلاء المتمردون مجرمون. ما يحدث هو حرب ضد العلويين ولن نظل صامتين». وتقول مصادر الجيش إن أفرع أجهزة الأمن المحلية تعطي تراخيص لكثير من الرجال في أماكن مثل حمص لحمل الأسلحة للدفاع عن النفس رسمياً بسبب تدهور الأوضاع في سورية. ولدى قادة الشبيحة الآن دخل ثابت من مداهمة مناطق المعارضة ونهبها ويمكنهم بسهولة شراء المزيد من الأسلحة والذخيرة. وفي حي الزهراء في حمص يلتقي مراد مع مجموعته التي تضم ثلاثين فرداً يحملون بنادق. ويقول السجين السابق ضخم الجثة إنه الآن يعمل عن كثب مع قوات الأمن وأنه يزرع جواسيس بين المعارضين. وتتجمع مجموعات من الشبان في مكتبه الخالي لتستمع إليه وهو يحكي قصصاً عن المعارك الأخيرة وهو يدخن سجائر المارلبورو ويحتسي الويسكي وكليهما من السلع الفاخرة في مدينة دمرتها الاشتباكات والقصف. وقال «اليلة الماضية جاءتني أخبار من مجموعتي بأن المقاتلين سيهاجمون... اتصلت بالمخابرات العسكرية وأبلغتها بإرسال دعم. أرسلوا لنا 15 رجلاً جاهزين للقتال. جمعت رجالي ونظمتهم للخروج في نحو العاشرة مساءً. أرسلت الصقر إلى أعلى مبنى والمكان كان مكشوفاً بالنسبة له» في إشارة إلى القناص بفريقه. وأضاف «مجموعتنا في الداخل كانت تبلغنا متى سيحدث الأمر (الهجوم). انتظرنا حتى الرابعة صباحاً ثم اشتعل الوضع. بدأ الصقر اطلاق النار... إذا رأى قطة كان يطلق عليها النار». وبينما كان يروي القصة كان الرجال يضحكون بشدة. لكنه كان يغضب من أي تشكيك في دوافعه. وقال «واجبنا حماية الحي. علاوة على ذلك نحن نعمل في إطار القانون».


الانشقاقات تؤثر على معنويات الجيش السوري لكنها لا تنال منه

بيروت - أ ف ب

تتزايد الانشقاقات داخل الجيش السوري بعد أكثر من 15 شهراً على بدء حركة الاحتجاج ضد نظام الرئيس بشار الأسد، من دون أن تنجح حتى الآن في زعزعة النظام الذي يعتمد على ضباط أوفياء لهم عن قناعة أو خوفا مما قد يحمله سقوط النظام من تداعيات.

وبرز أخيراً انشقاق طيار سوري انتقل على متن طائرته المقاتلة من طراز ميغ إلى الأردن في الحادي والعشرين من يونيو/ حزيران الماضي، ثم انشقاق 85 عسكرياً الإثنين لجأوا إلى تركيا المجاورة، ما يعطي دفعاً إلى المقاتلين المعارضين الذين يجمع الخبراء على أنهم باتوا أكثر تنظيماً، فيما يقول ناشطون إنهم يلحقون خسائر فادحة بالجيش النظامي.

ويقول مدير مركز «إينغما» للتحليل العسكري في الشرق الأوسط والخليج، رياض قهوجي لـ «فرانس برس»: «هذه الانشقاقات تضرب معنويات الجيش في الصميم».

إلا أن الباحث آرام نيرغيزيان من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن يؤكد أن «هذه الانشقاقات لم تصل بعد إلى حد يؤثر فيه» على المؤسسة.

ويصعب تقدير عدد المنشقين من الجيش السوري، أحد أكبر الجيوش في العالم العربي، وذلك على الرغم من عشرات أشرطة الفيديو التي يوزعها ناشطون بانتظام حول تصريحات لجنود وضباط منشقين يعلنون انضمامهم إلى الجيش السوري الحر.

ويقول الخبير العسكري بول سميث، مؤسس مركز «آر ثري آي كونسالتينغ» للاستشارات في مجال الدفاع، «بعد سنة من المعارك في البلاد، يحتفظ الجيش بدرجة لا بأس بها من التلاحم».

ويتساءل سميث، وهو ضابط بريطاني متقاعد، «هل العسكريون يبقون في صفوف الجيش السوري لأنهم أوفياء للنظام، أو لأنهم يخشون عمليات انتقامية تطال عائلاتهم في حال انشقاقهم؟» ويجيب «لا شك أن الأمرين صحيحان».

ويكشف المتحدث باسم القيادة المشتركة للجيش السوري الحر في الداخل، قاسم سعد الدين أن الجنود الذين لا يزالون يترددون في الانشقاق خوفاً من أن يتم الاقتصاص منهم ومن عائلاتهم، «يدعمون الثورة بالسلاح والمعلومات والعتاد».

ويؤكد الخبراء أن الوحدات النخبوية التي تشكل عماد المؤسسة العسكرية، لم تشهد أي انشقاقات تذكر. ويقول قهوجي «في سوريا، هناك جيشان: الجيش النظامي والجيش الذي يدافع عن النظام».

ويقصد بهذا الجيش الأخير خصوصاً الفرقة الرابعة بقيادة شقيق الرئيس السوري، بشار الأسد، وهي الفرقة «الأفضل تجهيزاً والتي تحصل على الرواتب الأعلى»، بحسب قهوجي. كما أن القوات الخاصة والحرس الجمهوري وأجزاء من الفرقتين الخامسة والتاسعة هي من الوحدات «التي تتمتع بامتيازات من جانب النظام».

ويرى باحثون أن الضباط والجنود المترددين يخشون أيضاً من أن يقوم «المنتصرون» في حال سقوط النظام بـ «عملية تطهير» على الطريقة العراقية عندما تم حل الجيش وكل الأجهزة الأمنية وحزب البعث العراقي، بعد سقوط صدام حسين.

ويقول باحثون «حتى لو كان هؤلاء يدعمون المعارضة، فهم يخشون عملية (اجتثاث لحزب البعث) في مرحلة ما بعد الأسد».

وفي ظل استمرار الانقسام الدولي حول الازمة السورية وتأكيد حلف شمال الاطلسي أنه لن يتدخل عسكرياً في البلاد، فإن الوضع قد يراوح مكانه لفترة طويلة. ويؤكد باحثون «لا يمكن للنظام أن يطيح بالمعارضة بالقوة، والأمر ذاته ينطبق على المعارضة. إنها حرب استنزاف حقيقية».

العدد 3589 - الأربعاء 04 يوليو 2012م الموافق 14 شعبان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 3:40 ص

      اللهم صلي على محمد و ال محمد

      يعني الطائفتين تعاني منهم وهم لايحمون احد الله يحفظ الشعب السوري بجميع اطيافه و يخلصهم من الظلم الواقع عليهم .

اقرأ ايضاً