العدد 3616 - الثلثاء 31 يوليو 2012م الموافق 12 رمضان 1433هـ

العراق: العائدون من سورية «أزمة إنسانية» متوقعة

سيواجه الآلاف من اللاجئين العراقيين العائدين من سورية تحديات ضخمة لإعادة الاندماج في بلد يعاني من ارتفاع معدلات البطالة وسوء الخدمات الأساسية والصراعات الطائفية. وقال رئيس جمعية الهلال الأحمر العراقية، ياسين أحمد عباس: «أعتقد أننا سنواجه أزمة إنسانية في ما يتعلق بهذه المسألة. يجب أن نتوقع ضغوطاً على كل شيء في العراق بسبب عودة مثل هذا العدد الكبير من الناس في وقت قصير. ليست المسألة سهلة بتاتاً».

وكان أكثر من 15,000 عراقي قد عادوا إلى العراق خلال الأيام التسعة الماضية، بعد معارك لم يسبق لها مثيل في العاصمة السورية دمشق، وفقاً لنائب وزير الهجرة والمهجرين، سلام داود الخفاجي، الذي أضاف أن الحكومة أجلت 4,000 عراقي عن طريق الجو، والباقين عن طريق البر. وقد عاد عشرات الآلاف غيرهم منذ بدء الصراع السوري في مارس/ آذار 2011.

وكانت إلهام واحدة من هؤلاء العائدين. فبعد قضاء سبع سنوات في سورية، عادت هي وابنها في 3 يوليو/ تموز إلى العراق، ولكنها تقول إنها لا تملك شيئاً هناك. «أنا كالغريب هنا». وأخبرت شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن مالها قد نفد بعد قضاء بضع ليال في أحد الفنادق، وأنها الآن تقيم مع بعض الأصدقاء. فبعد أن تم احتلال منزل عائلتها المهجور منذ سنوات، ورغم أنه أصبح فارغاً الآن «فهو لا يصلح للإقامة»، وليس لديها المال الكافي لإعادة بنائه. وقالت أيضاً أن والديها توفيا وأصبح نقل ملكية المنزل إليها يمثل عقبة أخرى.

وكانت إلهام قد تقدمت بطلب للحصول على مساعدة بقيمة 4 ملايين دينار (3,400 دولار أميركي) تمنحها الحكومة العراقية للعائدين، لكنه قيل لها أنها لن تحصل على هذا المبلغ قبل أكثر من شهر من الآن. هذا ولا تزال التهديدات التي دفعتها للخروج من العراق منذ عدة سنوات تمثل هاجساً بالنسبة لها، وأكدت أنها تخشى مغادرة المنزل قائلةً أن الوضع الأمني في العراق سيء». وأضافت إلهام، التي تجد صعوبة في تصور مستقبلها في العراق: «حتى الآن، أنا ضائعة ولا أعرف كيف سأتدبر أموري».


القدرة على الاستجابة

وفقاً لمفوضية الأمم المتحدة السامية لشئون اللاجئين، إلهام ليست الوحيدة التي ينتابها هذا الشعور. وأفاد أورفازي باتيل، مساعد ممثل المفوضية في العراق، أن «معظم هؤلاء الناس فقدوا كل شيء، وعادوا بالقليل القليل، وسيمثلون عبئاً كبيراً على الدولة».

كذلك، وجد موظفو المفوضية السامية لشئون اللاجئين على كلا جانبي الحدود العراقية - السورية أن بعض العائدين يفتقرون إلى وثائق تثبت هويتهم، بما في ذلك البطاقات التي تتيح لهم الاستفادة من نظام التوزيع الحكومي العام، وبطاقات الهوية الوطنية (الجنسية)، فضلاً عن المسكن والغذاء والنقود.

وكانت الحكومة العراقية قد أعلنت في بداية الأمر أنها تستطيع التعامل مع هذا التدفق، ولكنها الآن تطلب العون على نحو متزايد. فأكّد نائب وزير الهجرة والمهجرين، الخفاجي، في حواره مع شبكة الأنباء الإنسانية أن «عدد الأشخاص القادمين يتزايد يوماً بعد يوم، ونحن بحاجة إلى الدعم». وتجدر الإشارة هنا إلى أن الخفاجي يرأس لجنة جديدة تشكلت لتنسيق الاستجابة بين مختلف الوزارات والمنظمات الدولية. وقد وعدت الحكومة الغنية بفضل عائدات النفط وزارته بتخصيص مبلغ 50 مليار دينار (43 مليون دولار) لمواجهة الأزمة، ولكن لم يتم تحويل هذا المبلغ من وزارة المال حتى الآن.

وإلى حين وصول هذه الأموال، ستنفق وزارة الهجرة والمهجرين من أموالها الخاصة لتحديد أولويات تقديم المنح للعراقيين الذين عادوا بشكل غير متوقع في الأسبوع الماضي بسبب نشوب القتال في دمشق، حسبما ذكر الخفاجي. لكن حتى قبل التدفق الأخير، كانت الحكومة قد أثبتت أنها غير قادرة على صرف منح العائدين بسرعة، كما أفاد باتيل، مضيفاً أنه «بعد عودة مجموعة أكبر كهذه، لا بدّ من أن يؤثر عليهم التأخير».

وتخطط المفوضية السامية لشئون اللاجئين لتقديم منح نقدية في حالات الطوارئ بقيمة 400 دولار لكل أسرة في محاولة لمساعدتهم على تدبر أمورهم.

وعلى المستوى المحلي، أشار رئيس مكتب الشئون الإنسانية والتنمية لدى بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، دانييل أوغستبرغر إلى أن المحافظات تتمتّع بميزانيات كبيرة أيضاً، فضلاً عن شبكة من الخلايا التي تنشط في حالات الطوارئ على مستوى المحافظة، وهي مدربة على التعامل مع مثل هذه الحالات الطارئة. ولكن بعض مسئولي الإغاثة حذروا من أن الإجراءات الحكومية بطيئة وتتسم بالبيروقراطية وعدم الكفاءة. فقال أوغستبرغر لشبكة الأنباء الإنسانية: «قد نواجه مشكلة من حيث سرعة استجابة الحكومة، ولكن القدرات متوافرة».


سبل العيش

ستشرع كل من المفوضية السامية لشئون اللاجئين وجمعية الهلال الأحمر العراقية قريباً في إجراء مسح مفصل من أجل التوصل إلى فهم أفضل لاحتياجات العائدين. وتساعد جمعية الهلال الأحمر العراقية أولئك الذين يأتون عبر الحدود، وستبدأ قريباً في تسجيل العائدين في مناطقهم الأصلية من أجل تقديم مساعدة أفضل لهم.

ولكن عباس قال إن عودة اللاجئين في نفس موعد إرسال حزم المساعدات الغذائية الخاصة بشهر رمضان المبارك قد فاقت قدرات الجمعية. وأضاف: «ستلبي جمعية الهلال الأحمر العراقية الاحتياجات الفورية، ولكن على المدى الطويل، لا يمكننا تلبية الاحتياجات، التي ستكون عبئاً على الاقتصاد العراقي. نحن نتوقع أن يعاني (العائدون) لبعض الوقت. فما يحتاجون إليه حقاً هو مصدر مستدام للدخل».

ويتراوح معدل البطالة في العراق بين 8 و11 في المئة، ويصل إلى ضعف هذه النسبة في صفوف الشباب، وفقاً لوحدة تحليل المعلومات المشتركة بين الوكالات التابعة للأمم المتحدة. وأكد عباس أن معظم العائدين العراقيين ليس لديهم المال الكافي لبدء مشاريعهم الخاصة. وحتى قبل التدفق الحالي للعائدين، كانوا يجدون صعوبة في الاندماج في المجتمع المحلي، ويعتمد الكثيرون منهم على المساعدات الخارجية من أجل البقاء على قيد الحياة.

كذلك، أكد عباس أن جمعية الهلال الأحمر العراقية بدأت مؤخراً تنفيذ برنامج لتمويل المشاريع الصغيرة، وتخطط لتوسيع نطاقه ليشمل العائدين. ولكن هناك حاجة إلى إنجاز المزيد.

ويبقى العامل الإيجابي الوحيد في هذا السياق هو أنه من المقرر أن يتم توطين العديد من اللاجئين الذين عادوا في الخارج. فقال باتيل إن إحدى أولويات المفوضية السامية لشئون اللاجئين هي تسجيلهم ومحاولة مواصلة عملية إعادة التوطين من داخل العراق.


عبء إضافي

ولكن بالإضافة إلى العائدين، ما زال حوالى نصف مليون نازح من جراء الصراع الذي دار في عامي 2006 و2007 يعيشون في مستوطنات حضرية في جميع أنحاء العراق بشكل غير قانوني. هؤلاء مهددون بالطرد، وليست لديهم فرص دائمة للوصول إلى الخدمات الأساسية، كما أن فرصهم في كسب الرزق قليلة. وتكافح الحكومة لإيجاد حلول طويلة الأمد لمشكلتهم.

هذا وتتفاقم التحديات مع عبور ما يقرب من 2,350 لاجئاً سورياً الحدود إلى العراق في الأسبوع الماضي، وقد احتل الكثيرون منهم المباني العامة الفارغة على طول الحدود لحين نصب مخيمات لإيوائهم. وقال عباس معلقاً على الاستجابة لأزمة اللاجئين: «لسنا مستعدين. كان قرار الحكومة بالسماح للاجئين السوريين (الفارين من النزاع في سورية ليصبحوا لاجئين في العراق) مفاجئاً وتم اتخاذه بدون أي استعدادات».

من جهةٍ أخرى، ما زال المخيم الذي كان معداً لاستقبال السوريين الفارين من سورية (عندما حدث بعض التوتر في العام 2004) في معبر الوليد قائماً حتى الآن، وتقوم المفوضية السامية لشئون اللاجئين حالياً بتجديده لكي يستخدم في حالة الضرورة. كما بدأت الحكومة وجمعية الهلال الأحمر العراقية بالفعل في نصب الخيام في المخيم القائم. وقال باتيل أن المعبر الحدودي الثالث، وهو معبر الربيعة، لا يزال مغلقاً على الجانب السوري. وقد تم بالفعل استضافة 8,000 لاجئ سوري آخرين في منطقة كردستان التي تتمتع بالحكم الذاتي في شمال العراق.

العدد 3616 - الثلثاء 31 يوليو 2012م الموافق 12 رمضان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً