العدد 3626 - الجمعة 10 أغسطس 2012م الموافق 22 رمضان 1433هـ

تنقية الثورات واجبٌ لديمومتها... سورية مثالاً

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

بدأت الثورة السورية بخرمشات من الشعارات السياسية على حِيطان دَرْعا. كان الأطفال حينها، يخطونها بالطباشير الملوَّنة. لقد بدأت كما تبدأ أيُّ انتفاضة سياسية/ اجتماعية أخرى، تعيد إنتاج الرأي والصحافة المقموعة، من على الورق المصقول، إلى الجُدُر الإسمنتيَّة الصامتة، حين أبَت تلك القراطيس الفاخرة، أن يسيل عليها حبرٌ يخط رأياً غير ما يريده النظام السياسي، فتحوَّلت تلك الجُدُر إلى صحيفة يومية سياسية مستقلة كبيرة، تكتب ما لا يرضاه المستبدون.

كان ذلك الأمر غايةً في التعبير والمعنى. وكان يزداد وَهَجُ تعبيره ومعناه، كلما جاء العسكَر ليمحيه، ويعتقل المشتبه بهم من الأطفال والمراهقين، الذين تجرأوا في أن يكتبوا «بِدْنا حريَّة» بكل تحدٍّ. ثم يزداد ذلك التعبير والمعنى جلاءً، بتفرعُن الجنود القساة مرة أخرى، أمام المتظاهرين العُزَّل، حين يسقط القتلى والجرحى بفعل أزيز الرصاص، أو حين يُخرَجون من أقبية السجون مصروعين وأجسادهم مهروسة بفعل التعذيب، أو ما يُمكن تسميته الشَّيُّ بالنار دون رحمة.

وعندما انتدَبَ بشار الأسد إلى أهالي دَرْعا نفراً من رهطه، ومن عِلِيَّة قومهم للاستماع لمطالبهم، ماذا سمعوا منهم؟ قال الدرعاويون: نريد أن تغيِّروا اسم هذا المشفى إلى اسم أحد شهداء المدينة، وأن تطلِقوا سراح المعتقلين، وتحاكموا المتسببين في العمليات الأمنية من اعتقال وتنكيل. قالوا ذلك فقط. لم يكن لديهم إسقاط نظام أو رئيس. لكن الرَّد لم يأتِ بالإيجاب أو السَّلب كما في تعاليم السياسة، وإنما جاء بقتل أربعين متظاهراً في منطقة مجاورة! كان هذا المشهد وبوتيرته الدموية، يزيد من عزلة النظام، ويجعله أكثر إحراجاً من الناحية الأخلاقية.

كانت قاطرة الثورة السورية على الجادَّة، في الوقت الذي كان فيه النظام مُوغِلاً في الزَّلل. وإن التاريخ والتجارب سيعلماننا أن الثورة السورية ستنتصر، وسينهزم النظام حتماً. لكننا اليوم نثير وجعاً مزلزلاً وجدنا أن ذكره واجبٌ أخلاقي وفكري لإتمام تلك معركة الحرية السورية بسلام، وبأقل الخسائر الأخلاقية. للأسف، منذ أشهر، دَخَلَ بعض الدخلاء على الثورة السورية، محاولين إفسادها. دخلاء جاءوا من دول ومن أنظمة شتى، لم ينظروا للسوريين وتطلعاتهم ولحراكهم، بقدر ما كانوا ينظرون إلى النظام السياسي في دمشق وتقاطعاته الدولية والإقليمية معهم. هم يعتقدون أنهم خصومٌ له، وآن الأوان، في أن يتعاملوا معه بحراب الدول المعتادة، بعيداً عن خيارات الشعب السوري، سواءً بتكرار الفوضى الخلاقة، أو بإرهاقه عبر توريط الدولة والمجتمع والاقتصاد وجميع المؤسسات الأخرى في احتراب لا ينتهي إلاَّ بسقوط الجميع على الجميع.

دخلاءٌ آخرون، جاءوا بعدميَّة سياسية، وبصَرَعَات دينية وطائفية مجنونة. استبدلوا عناوين الثورة، بعناوين جافة، وفجَّة ومنفِّرة. أصبح النظام السوري عند هؤلاء، نظاماً علوياً بعدما كان نظاماً استبدادياً في أدبيات الصراع السياسي. وأصبح بشار الأسد نصيرياً، بعدما كان ديكتاتورياً في خطابات الثورة. وأصبح الهدف الوحيد والأوحد لإسقاط النظام هو من أجل إضعاف إيران وحزب الله والشيعة الروافض، بعدما كان إسقاطه هو من أجل الشعب السوري، وخياراته ومستقبله واستحقاقه. وباتت بوصلة الثورة عند هؤلاء المعتوهين، تتجه من ثورة سياسية تحرريَّة إلى ثورة سُنيَّة ضد الشيعة، والعلويين والنصيرين والإسماعيليين والمسيحيين.

دخلاء، جاءوا وهم ينظرون إلى الحرية بشكل مختلف، وينظرون إلى السياسة بشكل مختلف، وإلى الأقليات بشكل مختلف أيضاً. لذلك، فهم لا يتمنعون من قتل مخرج تلفزيوني مبدع كالفنان بسام محي الدين، أو اختطاف روَّاد الفكر والأدب كالبروفيسور يحيى الخطيب، لأنهم عدميُّون، لا يدركون، أن الثورات تتآكل، عندما تقوم بتكرار السلوك ذاته الذي تقاتل ضده، لأنها تعيد إنتاج المشهد المظلم، بطريقة تتشبَّه هي في جلبابه فتنهار أخلاقياً.

إن إدخال سورية في حرب أهلية يعيد تسمية الأشياء. هل يريد هؤلاء دولة مُدمّرة، ومجتمعاً مُهلهلاً لا يلوي على شيء؟ هم يقولون إن النظام يقوم بما يقوم به من إجرام، ونحن لا نقول غير ذلك، ولكن الفارق، أن ذلك النظام، إن قام بما قام ويقوم به، فهو ترجمة لدمويته وإجرامه، ومنتظمه التاريخي والسلوكي، أما حين يقوم منتسبون إلى الثورة بمثل فعله فهذا مصاب وجَلل.

للأسف، فإن هؤلاء اليوم، يتحدثون عن «المدن الخائنة» ويقصدون بها دمشق وحلب، اللتين لم تتحركا ثورياً، وكأننا أمام خطاب قاعدي جديد. حسناً، قد تكون هاتان المدينتان، خارج التأييد للثورة، إلاَّ أن ذلك لا يعني أبداً، أن تنالا وجبة من «الخونة الممنهجة». هم لا يدركون، أن هَدم حاضرَتي الشام (دمشق وحلب) سيعني الويلات لسورية الجديدة. هو سيعني دماراً اقتصادياً، وتهتكاً للبرجوازية الصناعية الناهضة، ومن ثم السماح بمافيات الفساد بالنمو، بعد أن تتوالى عقود الإعمار، على الجهات ذاتها التي ساهمت في تدمير هاتين المدينتين بشكل جنوني وأرعن. وربما تجربتا كابل وبغداد تقرِّب ما نقوله للذاكرة.

هؤلاء العدميون لا يعلمون شيئاً عن سورية. يجيزون قتل المسيحيين ولا يعلمون أن مَنْ صاغوا مناهضة الاستعمار الفرنسي، والفكر السياسي في بلاد الشام كانوا مسيحيين كإلياس مرقص وأنطوان سعادة وميشيل عفلق وفارس الخوري وأضرابهم. وهم يجيزون قتل العلويين دون أن يعلموا، أن هناك المئات من العلويين المعتقلين في سجون النظام بسبب نشاطهم السياسي والثوري. وتاريخياً، كان العقيد غسان جديد قائد الفوج العلوي، هو الذي دخل إلى فلسطين في العام 1948 عندما كان تحت إمرة فوزي القاوقجي، وأن مناطق العلويين في الشريط الساحلي الممتد من غرب حمص، حتى كَسَب وانتهاءً بلواء الاسكندورن المحاذي لتركيا، لا تقارَن من حيث البنية التحتية، ولا الخدمات المتوافرة كالتي موجودة في الداخل الحمصي والحلبي والدمشقي.

الحقيقة، تكمن هنا، ومن الخطأ جداً، أن يمنعنا معارضتنا للنظام السوري، في أن نتجاوز الأفعال التي يقوم بها أناس يُحسَبون على الثورة، والثورة منهم براء.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3626 - الجمعة 10 أغسطس 2012م الموافق 22 رمضان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 14 | 10:03 ص

      انت تقول اطفال من متى الأطفال اصبحوا يلعبوا لعبت الكبار هنا فى البحرين اطفال يكتبون على الجدران مصيرهم كاد نفس الشئ يا حبيبى هاده العمليه مدروسه ومففخ لها من حرب تموز نحن نسينا محور التغير فى الشرق الأوسط امريكا وحلفائها هم هم لم يتغير اى شى فى المعادله بستثناء الأتراك دخلوا على الخط اشكر روسيأ والصين وغّذأ لناظره قريب

    • زائر 13 | 9:36 ص

      تكملة 4: الثورة ليست منهم براء!

      كمقدمة لعمليات القتل والاغتصاب والنهب والتهجير التي سيطرت على سلوكهم الذي يبدو أنه أحرج بعضًا من كتبة الصحافة المعروفين بتحاملهم على الدولة السورية والترويج لثورتهم المفبركة.

    • زائر 12 | 9:34 ص

      الثورة ليست منهم براء! (1)

      والدليل أن تكفيريين من أمثال .... هم جزء من زعماء (الثورة) المنتظمين في تشكيلات المعارضة المختلفة من سياسية وعسكرية ولهم مكانتهم واحترامهم في أوساط هؤلاء (الثوار) الذين لم نسمع منهم أحدًا تبرأ من أفعالهم وتصريحاتهم وما تبثه قنواتهم، بل شاهدنا معارضًا سوريًا بارزًا في الحلقة الأخيرة من برنامج الاتجاه المعاكس يتحدث عن (الشيخ) .... بوصفه عضوًا بارزًا له احترامه بين زعماء (الثورة)، وشاهدنا ....قيادي الجيش الحر يتصل بالـ..... على قناته المليئة سبابًا وشتيمة وتكفيرًا ودعوات

    • زائر 11 | 9:23 ص

      تكملة 4: الثورة ليست منهم براء!

      كمقدمة لعمليات القتل والاغتصاب والنهب والتهجير التي سيطرت على سلوكهم.

    • زائر 10 | 9:18 ص

      تكملة 3: الثورة ليست منهم براء!

      إلى تغطية .....للأيام الأولى لتلك الأحداث، والتي كان يتصل خلالها عدة أفراد من داخل درعا ليفصلوا قصصهم عن قمع (الحرس الثوري الإيراني) وعناصر (حزب الله) و(جيش المهدي) لمتظاهري درعا، في الوقت الذي كانت فيه هذه الثورة المزعومة في بدايتها ولم تتضح فيه بعد مواقف هذه الأطراف من هذه الثورة، ليأتي بعد ذلك الشيخ إمام المسجد العُمري ليُؤكد هذه القصص المختلقة على قناة الجزيرة وغيرها. هذه القصص التي كانت بداية لحملة مفتعلة تهدف لتبرير حالة التكفير التي سادت لغة وخطاب هؤلاء الثوار

    • زائر 9 | 9:05 ص

      تكملة: الثورة ليست منهم براء!

      ودعوات لقتل أبناء الطوائف السورية، ليقول له بعد أداء طقوس الثناء والتمجيد للشيخ و(جهاده): (ادعي لنا يا شيخي بالنصر)! وبصرف النظر عن اختلافنا حول صحة ما ذُكر في السرد المجتزأ لأحداث درعا في مقدمة المقال والتي بُتِر منها أهم أجزائها في انتقائية تبوح بخلفية ذهنية معادية للدولة السورية ولمؤسسته العسكرية التي تنتظم بين صفوفها أفرادًا وقيادات هم خيرة أبناء سوريا من مختلف الطوائف والعرقيات والانتماءات السياسية والأيديولوجية، فإننا نُحيلُ الكاتب المحترم

    • زائر 7 | 7:44 ص

      غرابة

      البعض لا يروق له أن يسمع نقدا في الوقت الذي ينادي فيه باحترام الرأي والرأي الآخر!!! غريبة والله

    • زائر 6 | 7:18 ص

      مبغض الطائفية

      باضبط هاي الانه اقول و بح صوتي ان بشار ماتهمه طائفة و لادين و ان في مئات العلوين في السجن و المسحين لهم دور في النهضة هؤلاء ليس من الثورة هؤلاء ناس طائفين لا يهمهم غير الدم و تكفير الناس

      ماذا تقول عن اناس يقتلون الابرياء و بعد ذالك يقولون انهم يأكلون الطعام مع النبي في الجنة .

    • زائر 5 | 4:21 ص

      الجيش العربي السوري

      ضحكت جداً على هذه العبارة . . وتذكرت الجولان :
      يريدون إضعاف الجيش العربي السوري وأقامة حرب بالوكالة من أجل أستنزاف طاقته لكي لايتمكن من مواجهة الكيان الصهيوني . . زاىر رقم 4 صح النوم .

    • زائر 4 | 3:18 ص

      الجيش العربي السوري

      يريدون إضعاف الجيش العربي السوري وأقامة حرب بالوكالة من أجل أستنزاف طاقته لكي لايتمكن من مواجهة الكيان الصهيوني في السنوات القادمة وهذا ماتخشاه إمريكا فذهبت مع حلفائها من أجل زعزعة الأستقرار الداخلي في سوريا فضلا على إثارة الفتنة الطائفية الداخلية
      الان يتوجب على المعارضة الوطنية في الداخل اللذين يريدون الأصلاح والتغير أن يتحدوا على كلمة سواء وأن تكون له كلمة وأن يطردوا المسلحين المرتزقة وأن يوجه خطاب شديد اللهجة لمن يدعم هؤلاء حفاظا على وطنهم من الدمار والخراب فسوريا يجب أن تبقى صامدة ومقاومة

    • زائر 3 | 3:13 ص

      صباح الخير

      الاخ العزيز والفاضل زائر رقم واحد كفى ووفى وكل ماقاله صحيح وأتمنى من السيد الكاتب تقبل رايه الصحيح في مكانه الصحيح
      ماذا تنتظرون هل هؤلاء يطالبون بحقوق يدمرون المدن ويحاولون اقتحام قلعة حلب وتفجيرها والهجوم على المطار واختطاف المواطنين والزوار
      مايجري في سوريا الآن واضح هو حرب بالوكالة تخوضها ميليشيات إمريكا والناتو والقاعده وبما أن سوريا تمتلك أقوى وأكبر جيش في الشرق الآوسط وهذا مايقلقهم وزعزعوا الأوضاع الداخلية من أجل عدم أهتمام وثني النظام السوري عن حزب الله وفلسطين وإشغاله بمرتزقة أرهابيين

    • زائر 2 | 1:33 ص

      دخلاءٌ آخرون، جاءوا بعدميَّة سياسية، وبصَرَعَات دينية وطائفية مجنونة!!!

      نعم قوى التطرف من المحيط للخليج ساهمت في بقاء النار مشتعلة بدعوى الجهاد !!! والضحية هو الشعب السوري وشباب سوريا ومدنها وحضارتها!!

    • زائر 1 | 12:42 ص

      تناقض

      السلام
      مقال متناقض و يخدم و يصب في مصلحة تنظيم القاعدة وطالبان
      أي ثوار الذين تتكلم عنهم و أي نظام دموي هذا ؟؟؟؟!!!!
      أي سورية جديدة تترقب من إرهابيين و صهاينة ؟!
      اتق الله أخي الكاتب و لا تنظر بعين واحدة و أتمنى ان ينبض الشعور القومي لديك لتستوعب و تدرك القضية
      تحياتي لك

اقرأ ايضاً