العدد 2479 - السبت 20 يونيو 2009م الموافق 26 جمادى الآخرة 1430هـ

أوروبا تجاهد كي تستعيد مكانتها

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تواصل واشنطن جهودها المضنية من أجل الخروج من ذيول أزمتها المالية، حيث تؤكد الإدارة الأميركية عن نيتها في تنفيذ خطط متعددة الأوجه، يصفها الرئيس الأميركي باراك أوباما بأنها «أضخم إصلاح للنظام المالي الأميركي منذ ثلاثينييات القرن الماضي». وتسعى تلك الخطط إلى التوسيع من «صلاحيات الاحتياطي الفيدرالي -المصرف المركزي في الولايات المتحدة- كي يتمكن من مراقبة المؤسسات المالية الكبرى»، التي أدى غياب تلك الصلاحيات، وكما يقول أوباما «إلى وقوع تجاوزات ممنهجة تسببت في مخاطر هددت الشركات والأفراد». على نحو مواز تسعى أوروبا، وهي في خضم مساعيها للتخفيف من حدة الأزمة على أوضاعها الاقتصادية، استعادة شيء من المكانة المتقدمة التي كانت تنعم بها قبل الحرب الكونية الثانية، والتي كانت من أهم نتائجها على المستوى العالمي، تحول موازين القوى، بما فيها النفوذ الاقتصادي لصالح الولايات المتحدة، التي كانت حينها الوحيدة التي خرجت من تلك الحرب متفوقة، على الصعيدين المالي والسياسي، على كل من سواها من الأطراف الأخرى، بما فيها دول الحلفاء المنتصرة مثل بريطانيا وفرنسا.

هذا ما يؤكده صراحة البيان الصادر عن اجتماع زعماء الاتحاد الأوروبي، يوم الخميس الموافق 18 يونيو/ حزيران 2009، في بروكسل الذي دعا إلى «تشديد القوانين الهادفة إلى الإشراف على المصارف»، وإلى استحداث «هيئات رقابة تنظيمية إقليمية بهدف المساعدة في منع حدوث أزمة اقتصادية عالمية جديدة». ولم يخف قادة الاتحاد الأوروبي علاقة ذلك بما دعا إليه الرئيس الأميركي. لذلك نرى القمة الأوروبية تتحدث عن خطوات جريئة محددة تسعى إلى «استحداث ثلاث هيئات مراقبة خلال السنة المقبلة في عموم الاتحاد الأوروبي لضمان أن الدول الأوروبية تعتمد قوانين إشراف جديدة على المؤسسات المالية، بالإضافة إلى استحداث هيئة تتولى تقييم المخاطر المحدقة باستقرار النظام المالي».

ليست هذه المرة الأولى التي تحاول الدول الأوروبية تمييز نفسها عن الولايات المتحد، حينما يتعلق الأمر بخطط مواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية، فقبل ما يربو على السنتين، وتحديدا في يناير/ كانون الثاني 2007، أعلنت المفوضية الأوروبية عن عزمها على إطلاق ما وصفته بـ»ثورة صناعية جديدة» انحصرت حينها عن «إصلاحات واسعة وكثيرة في مجالي الطاقة والمناخ». في محاولة منها لتحرير»سوق الطاقة الأوروبي بما يسمح لـ500 مليون أوروبي من شراء طاقتهم من غاز أو كهرباء من أي مكان في أوروبا». كان ذلك إبان احتدام معركة الطاقة، وعلاقة أسعارها المرتفعة بالأزمة الاقتصادية العالمية.

وقبل أكثر من ثلاثة أشهر، وتحديدا في مارس/ آذار 2009، كان من السهل على المتابع للعلاقات داخل مجموعة العشرين، على تلمس الموقف الأوروبي الموحد، الذي حاول أن يميز نفسه عن الموقف الأميركي، وذلك عندما اتفق القادة الأوروبيون على «دعم احتياطي صندوق النقد الدولي بأكثر من مئة مليار دولار». لكنهم، ومن منطلق تمييزالموقف الأوروبي عن ذلك الأميركي، رفضوا «الاستجابة لدعوات واشنطن لإنفاق مزيد من الأموال لتحفيز النمو الاقتصادي». ووصل الأمر بأن يقف رئيس الوزراء التشيكي ميريك توبولانيك، الذي ترأس بلاده الاتحاد الأوروبي حينها كي ينتقد صراحة «فكرة تقديم حوافز اقتصادية جديدة لمواجهة الأزمة، (داعيا) إلى انتظار نتائج الحوافز الممنوحة بالفعل قبل اتخاذ أي إجراءات جديدة». وترافق ذلك مع موافقة قادة الاتحاد الأوروبي على «مضاعفة التمويل العاجل للدول الأعضاء التي تعاني من مشكلات اقتصادية». تحاشيا لأية مبادرة أميركية من شأنها اختراق الصف الأوروبي.

في هذا السياق يمكن أيضا تفسير مسارعة المفوضية الأوروبية، مؤخرا، إلى عقد اجتماع عاجل لبحث «مستقبل الشركات والمصانع التابعة لشركة جنرال موتورز للسيارات الأميركية الموجودة في أوروبا»، بعد أن أعلنت الشركة الأميركية عزمها عن عزمها على «تقديم طلب قضائي لإشهار الإفلاس في الأول من يونيو/ حزيران 2009». وفي الاتجاه ذاته، يمكننا أيضا تفسير عرض شركة فيات الإيطالية شراء شركة كرايسلر الأمريكية التي أعلنت مؤخرا، وبفضل عرض فيات، عن عزمها على «إعادة افتتاح سبعة من مصانعها الأحد عشر التي أغلقتها في أبريل/ نيسان 2009.

بالطبع، لا يعني كل ذلك أن أوروبا غير مثقلة هي الأخرى بالكثير من مشكلاتها الاقتصادية والسياسية الخاصة بها، لعل أبرزها ذلك الخلاف مع موسكو بشأن سوق الطاقة. فعلى الرغم من كون روسيا والاتحاد الأوروبي شريكان، بل إنهما يعتبران أكبر شريكين تجاريين بالنسبة للآخر، في مجال الطاقة، لكن الخلافات السياسية بينهما ما تزال تشكل عقبة حقيقية أمام أي مشروع اقتصادي استراتيجي بالمستوى الذي ناقشته قمة بروكسل الأخيرة. ويثير تمسك موسكو بتحكمها في واردات أوروبا من الغاز نقطة حساسة جدا في العلاقات بين الطرفين. وتبدو موسكو أيضا عقبة عندما يتعلق الأمر بالعلاقة مع دول أوروبا الشرقية والوسطى التي تعاني اقتصادياتها بعض التعثر. فقد كشف تقرير صدر قبل نحو شهر عن صندوق النقد الدولي عن احتمال تعرض هذه الدول إلى «انخفاض في الناتج المحلي الإجمالي هذا العام بنسبة 3.7 في المئة». ويحذر التقرير من أن الركود سيكون «أعمق من ذلك بكثير في البلدان التي ضربتها الأزمة بصورة أشد، وبخاصة أوكرانيا، ولاتفيا وهنغاريا». حتى موسكو ذاتها، والتي تعتبر، حسب ذلك التقرير أكبر اقتصاد في تلك المنطقة، يمكن هي الأخرى «أن تشهد انخفاضا بنسبة 6 في المئة». لكن موسكو لاتكف عن اتهام الاتحاد الأوروبي باختلاق أشكال جديدة من انقسامات في أوروبا الوسطى والشرقية، من خلال علاقات مميزة معها تكون على حسابات علاقات هذه الأخيرة مع موسكو، التي ما تزال تطالب باحتكار العلاقات مع جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق.

ربما من السابق لأوانه التكهن بما سوف تؤول إليه المساعي الأوروبية، لكن المؤكد أنها، أي أوروبا، أصبحت جادة، من خلال مثل هذه المبادرات، في السعي من أجل استعادة مكانتها الدولية المتقدمة.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2479 - السبت 20 يونيو 2009م الموافق 26 جمادى الآخرة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً