العدد 3637 - الثلثاء 21 أغسطس 2012م الموافق 03 شوال 1433هـ

المال هو الشيء الوحيد الأخضر في الديزل الزراعي

أضرار المحروقات الزراعية تتجاوز منافعها

أوكسبريدج (كندا) - آي بي إس 

21 أغسطس 2012

بينت الأبحاث الجديدة أن المال هو الشيء الأخضر الوحيد الذي يجنيه منتجو وقود الديزل الزراعي. وتظهر الدراسات أن معظم إنتاج وقود الديزل الزراعي يؤثر سلباً على التغيير المناخي، بدلاً من تحسينه.

فقد بينت الأبحاث أن وقود الديزل الزراعي المنتج من مزارع زيت النخيل قد يكون أكثر أنواع الوقود المسببة للتلوث في العالم، فهو أسوأ بكثير من حرق الديزل المستخرج من النفط بالنظر لدورة حياة إنتاجه الكاملة.

ويوضح لويس فيرشو، وهو عالم الأبحاث في مركز البحوث الدولية للغابات في بوغور بإندونيسيا، أن الديزل الزراعي المنتج من مزارع زيت النخيل الكثيرة على أراضي الخث في إندونيسيا، إنما يحتوي «دين الكربون من 200 سنة».

وهذا يعني أن الأمر سيستغرق 200 عام من الإنتاج المستمر للديزل الزراعي من مزارع زيت النخيل هذه لتسديد «دين الكربون» الذي ينتج من تحويل الأراضي والتغيرات غير المباشرة في استخدام الأراضي. («دين الكربون» يعني الإفراط في استخدام قدرة النباتات والتربة على امتصاص ثاني أكسيد الكربون).

وتلقي دراسة فيرشو وزملائه النظرة الحقيقية الأولى على التأثيرات المناخية للديزل الزراعي على مستوى العالم. وكانت هذه الدراسة قد نشرت الشهر الماضي في مجلة البيئة والمجتمع، وبحثت في إنتاج الديزل الزراعي الذي يشمل زيت النخيل، والجاتروفا والصويا في 12 موقعاً ضمن ست دول مختلفة.

ويقول فيرشو، «تبين دراستنا أنه يتوجب علينا إلغاء الكثير مما نحاول فعله باسم حماية الغلاف الجوي».

يذكر أن الإنتاج العالمي للديزل الزراعي قد ارتفع بنسبة 10 مرات في جميع أنحاء العالم على مدى السنوات الثماني الماضية، ليصل مقداره لما يزيد على 11 مليار لتر في 2010 وفقا للوكالة الدولية للطاقة.

وقد ارتفع انتاج الإيثانول إلى أكثر من أربع مرات منذ العام 2000، وبلغ حوالي 90 مليار لتر بنهاية العام 2011. وقد تم تحقيق هذه المكاسب عبر السياسات الحكومية التي تفرض استخدام كميات متزايدة من المحروقات الزراعية كوقود لوسائل النقل.

وقال فيرشو لوكالة «إنتر بريس سيرفس»: «عندما يحرق الديزل الزراعي فإن انبعاثات أكسيد الكربون المؤثرة على المناخ هي أقل بنسبة 40 في المئة إلى 75 في المئة من انبعاثات الديزل العادي، وفقا لتقديرات مختلفة.

ومع ذلك، فقد قامت إندونيسيا بتطهير غابات الخث وإحراقها حتى تزرع الأشجار المنتجة لزيت النخيل، مما أسفر عن انبعاثات هائلة من ثاني أكسيد الكربون، وصلت ما بين 200 إلى 300 طن من أكسيد الكربون لكل هكتار.

بالإضافة إلى ذلك، فعندما تجفف هذه المستنقعات الرطبة وتتعرض للهواء، يتحلل الخث ويطلق حوالي 10 طن من أكسيد الكربون لكل هكتار سنوياً. ويضيف فيرشو، «إن «دين الكربون» الناتج كبير جداً لدرجة أن الأمر سيستغرق 200 عام من الإنتاج المستمر للديزل الزراعي من مزارع زيت النخيل هذه لسداده».

وبعبارة أخرى، إذا كانت الأرض مزروعة بنخيل الزيت أثناء غزو نابليون لروسيا، فإنها لاتزال تدفع ديونها من الكربون حتى اليوم. ويقول فيرشو، «أنا لا أعرف في أي مكان في العالم يزرع فيه نفس المحصول طوال هذا الوقت».

ووفقاً لروس موريسون من جامعة ليستر في بريطانيا، وهو مشارك في تأليف تحليل مستقل اكتمل قبل نشر دراسة فيرشو، فإن حجم ديون الكربون للديزل الزراعي من مزارع زيت النخيل قد تم الاستهانة به بشكل خطير.

وذكر موريسون وزملاؤه، في تحليلهم لحساب المجلس الدولي للمواصلات النظيفة، أن انبعاثات الديزل الزراعي المستخرج من أراضي الخث الاستوائية تتضمن نسب أكسيد كربون أعلى من انبعاثات ديزل النفط.

وتحتوي أراضي الخث الاستوائية بجنوب شرق آسيا كميات أكبر من أكسيد الكربون عن الغابات الاستوائية، كما يجري تحويلها باستمرار إلى مزارع زيت النخيل العالية الربحية. وتحويل هذه الأراضي له أيضا آثار سلبية على السكان المحليين، وينجم عنه خسارة موئل لكثير من أنواع الحيوانات، بما فيها القردة المهددة بالانقراض ونمور سومطرة.

وتقول سو بايج، المشاركة بتأليف دراسة ليستر، «تشير التوقعات إلى زيادة مزارع زيت النخيل فوق الخث إلى مساحة إجمالية قدرها 2.5 مليون هكتار بحلول العام 2020 في غرب إندونيسيا وحدها، وهي مساحة يعادل حجمها مساحة أراضي المملكة المتحدة».

وخلصت الدراسة أيضا الى أن المحروقات الزراعية التي تزرع في أوروبا ليست أفضل من الوقود المعتمد على النفط، وأن الديزل الزراعي المستخرج من محاصيل غذائية مثل فول الصويا وبذور اللفت هو أسوأ من ذلك. ومن ناحية أخرى، قد يوفر الإيثانول، أو الديزل الزراعي المستخرج من نفايات زيت الطعام، وفورات في انبعاثات أكسيد الكربون.

وفي الوقت الذي تتعرض فيه مزارع زيت النخيل لانتقادات دعاة حماية البيئة منذ فترة طويلة، فقد تفحصت دراسة فيرشو أيضاً الديزل الزراعي المصنوع من الجاتروفا، الذي يزرع في غانا وزامبيا وتنزانيا. ووجدت الدراسة أن دين الكربون يصل في المتوسط إلى 100 عام، على الرغم من أنه قد يصل الى 300 عام اعتماداً على المكان الذي يزرع فيه.

ويعطي نبات الجاتروفا كمية زيت أقل بكثير من زيت النخيل للهكتار الواحد، لذا تتطلب زراعة مساحات أكبر من الأراضي، مما يؤدي لزيادة ديونها من الكربون.

أما الديزل الزراعي الناتج من فول الصويا، الذي يزرع في مراعي سيرادو الجافة بولاية ماتو غروسو في البرازيل، فلديه أقل دين للكربون (حوالي 30 عاماً) ضمن مواقع الدراسة 12 في ست دول.

ويوضح فيرشو أن السبب الرئيسي وراء انخفاض دين الكربون هو أن مراعي سيرادو لا توجد فيها كتلة زراعية لها وزن. ولا نعرف ما إذا كان يمكن فعلاً أن يزرع فول الصويا كل سنة وبشكل متتابع لمدة ثلاثة إلى أربعة عقود.

ويضيف، «نحن لا نقول إن كل أنواع المحروقات الزراعية سيئة. فقد وجدنا أن الظروف المناسبة لانتاج المحروقات الزراعية هي أكثر محدودية مما يدرك الناس».

ويذكر أن دراسة فيرشو لم تبحث في الآثار الاجتماعية لإنتاج الديزل الزراعي. فهناك القليل جداً من الأراضي الزراعية القادرة على انتاج الغذاء على كوكب الأرض ولا تستخدم بالفعل.

وغالباً ما تؤدي محاصيل الديزل الزراعي المزروعة على نطاق واسع إلى تشريد أصحاب الحيازات الصغيرة والسكان المحليين الذين لا يملكون صكوكاً رسمية لملكية الأراضي، مما ينجم عنه صراعات متزايدة حول الاستيلاء على الأراضي.

ويقول فيرشو، «لقد خلقت المحروقات الزراعية حوافز للاستيلاء على الأراضي».

أما مؤيدو المحروقات الزراعية، فهم يرون الأشياء بشكل مختلف تماماً. وأحد الأسباب هو أن الاتحاد الأوروبي لديه هدف يتعلق باستخدام المحروقات الزراعية لتوفير 10 في المئة من جميع أنواع وقود النقل بحلول العام 2020.

أما الولايات المتحدة، فهي تهدف لاستخدام المحروقات الزراعية بنسبة ثلاثة أضعاف من العام 2009 إلى 2022. كما أن الدول الأخرى لديها أهداف مشابهة أيضاً، مما يخلق طلباً متزايداً في حاجة إلى توافر العرض.

لذا، تحول الاهتمام الى إفريقيا التي بها أكثر من مليار هكتار من الأراضي الزراعية البعلية كالمصدر الكبير التالي للمحروقات الزراعية.

ووفقاً لكتاب «المحروقات الزراعية في افريقيا» الذي نشره البنك الدولي العام الماضي «يمكن أن تصبح المحروقات الزراعية أحد كبرى المحاصيل النقدية التالية بالنسبة لإفريقيا».

وكما جاء في الكتاب، «فإن وفرة الموارد الطبيعية وانخفاض كلفة الأيدي العاملة جعلت إنتاج المواد الأولية للمحروقات الزراعية بديلاً مجديا للمحاصيل التقليدية».

وبينما نلاحظ أن فعالية المحروقات الزراعية في الحد من انبعاثات أكسيد الكربون هي مسألة جدلية، فسوف تضطر الولايات المتحدة أو أوروبا لاستيراد كميات متزايدة من المحروقات الزراعية لتلبية أهدافها.

ويخلص التقرير إلى أن ارتفاع أسعار الوقود الأحفوري يعني أن أفريقيا سوف تنتج كميات أكبر بكثير من المحروقات الزراعية لاستخدامات الأسواق المحلية في العقد القادم.

وقد استثمرت الحكومات، والصناعات الزراعية، وشركات الطاقة، وأصحاب رؤوس الأموال المليارات من الدولارات في المحروقات الزراعية بهدف تحقيق خفض ضئيل للانبعاثات في أحسن الأحوال، إلا أنه يرجح أن يؤدي ذلك لزيادة انبعاثات الغازات الدفيئة.

ويقول معظم خبراء المناخ إن المحروقات الزراعية ليست حتى ضمن الأولويات الخمس التي يتعين القيام بها لمواجهة تحدي التغير المناخي.

ويختم فيرشو بقوله، «لقد اتضح أن المحروقات الزراعية ليست هي المحاصيل المعجزة التي كان الناس يأملون فيها».

العدد 3637 - الثلثاء 21 أغسطس 2012م الموافق 03 شوال 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً