العدد 3648 - السبت 01 سبتمبر 2012م الموافق 14 شوال 1433هـ

أوروبا تعيد التفكير في الطعام

يستند حاضر الزراعة في أوروبا إلى برنامج «السياسة الزراعية المشتركة» الذي وضعته - منذ أكثر من ستة عقود - الدول الأوروبية التي كانت قد خرجت لتوّها من دوامة نقص الغذاء الحاد في أزمة الغذاء التي اجتاحت القارة خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها.

والآن، وفي ضوء المجاعة المتفشية في بعض أنحاء العالم، وموجات الجفاف القاسي، والحروب التي تلوح في الأفق حول الموارد، يحذر الخبراء من ضرورة إعادة النظر في المنطق الكامن وراء برنامج السياسية الزراعية المشتركة، والذي يركز على إنتاج كميات ضخمة من المواد الغذائية باستخدام أساليب الزراعة الصناعية إلى حد كبير.

فمن ناحية، الأوروبيون لم يعودوا جياعاً، فتراهم يأكلون من اللحوم ضعفي المتوسط العالمي، ويضيّع الفرد الواحد في الإتحاد الأوروبي أكثر من 170 كيلوغراماً من الطعام (...) سنوياً، وفقاً لمكتب البيئة الأوروبي.

ومن ناحية أخرى، هذا النوع من الزراعة الصناعية الذي روّجت له الكتلة الأوروبية على مدى عقود طويلة، يأتي بكلفة عالية على البيئة: فتستهلك الزراعة ربع إجمالي استخدامات المياه في أوروبا؛ وكل سنة يتم فقدان 100 ألف هكتار من الأراضي الزراعية بسبب تدهور الأراضي الزراعية في حين يتقلص التنوع البيولوجي بوتيرة لم يسبق لها مثيل.

وأخيراً، لعب الدعم المقدّم من الاتحاد الأوروبي للمزارعين لتصدير المنتجات بأسعار تقل كثيراً عن تكاليف الإنتاج، دوراً مهماً في مجال تدمير سبل معيشة صغار المزارعين في البلدان النامية. وفي حين تم تخفيض هذا الدعم بشكل كبير على مر السنين، أصبحت أوروبا تتصدّر قائمة مستوردي ومصدّري المنتجات الزراعية في العالم. وترتبط وارداتها من المواد الغذائية الحيوانية بترويجها لزراعة المحصول الواحد وتكثيفها لممارسات إزالة الغابات؛ بل والاستيلاء على الأراضي الزراعية في البلدان النامية.

من الواضح إذن أن هذا النموذج يحتاج إلى تغيير لعدة أسباب، من بينها صالح البلدان النامية، وأزمة المناخ العالمية، وصحة ورفاه الأوروبيين أنفسهم. وبالفعل فقد أصبح العديد من الأوروبيين يصرحون بالحاجة إلى مثل هذا التغيير، وتخضع السياسية الزراعية الأوروبية المشتركة حالياً لإصلاحات هيكلية، من شأنها أن تؤدي على الأرجح إلى سياسة معدلة بعد العام 2014.

وبالفعل، وضعت المفوّضية الأوروبية في العام الماضي (2011) اقتراحاً في اتجاه التعديل المطلوب، يشمل اتخاذ خطوات مهمة على طريق استخدام أساليب الزراعة الخضراء في دول الإتحاد الأوروبي كافة.

لكنه لا يعالج بالضرورة جميع علل السياسة الزراعية المشتركة، مثل تركيزها على زيادة الإنتاجية على أساس الزراعة الصناعية أو أثرها على السيادة الغذائية في جميع أنحاء العالم.

وعن إنفاق الإتحاد الأوروبي أكثر من 350 مليار يورو لتمويل الزراعة كل دورة مكونة من سبع سنوات، اقترحت المفوضية الأوروبية جعل 30 في المئة من هذه الإعانات مشروطاً باستخدام المزارعين المعايير البيئية في أنشطتهم، بدءاً من العام 2014. وأضافت المفوّضية الأوروبية في اقتراحها أنه يجب وضع حدّ أقصى للإعانات المقدّمة لكل مزرعة بمقدار 300 ألف يورو. ودعت كذلك إلى تنويع المحاصيل بحيث تزرع كل مزرعة على الأقل ثلاثة أنواع من المحاصيل الزراعية، في محاولة للابتعاد عن الزراعة الأحادية المدمرة.

هذا الاقتراح يشكّل محاولة لإعادة الزراعة الأوروبية إلى المزيد من الممارسات الطبيعية. وبالنسبة إلى كثير من مزارعي دول الإتحاد الأوروبي، البالغ عددهم 150 مليوناً، هذه التوصيات ليست صعبة التنفيذ، كما يستدل عليه من ازدهار المزارع الصغيرة في جميع أنحاء القارة وهو ما يبرهن على أن مثل هذه التدابير ليست عملية فحسب؛ بل ومفيدة للغاية أيضاً.

كلاوديا تشوبانو

وكالة إنتر بريس سيرفس

العدد 3648 - السبت 01 سبتمبر 2012م الموافق 14 شوال 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً