العدد 3658 - الثلثاء 11 سبتمبر 2012م الموافق 24 شوال 1433هـ

أين علماء الأمة... من هذه الغمة؟

عيسى سيار comments [at] alwasatnews.com

-

لقد كرّم الله سبحانه وتعالى العلماء، وأقصد هنا علماء الدين وأنزلهم مكانة عالية تعلو حتى على مكانة الحكام، بحيث يرجع إليهم الحكام والناس في حالة اختلال موازين الحكم أو تجاوز الحكام حدود صلاحياتهم، أو في حالة انتشار الفساد والظلم والاستبداد والطغيان. وقال الله تعالى في محكم كتابه العزيز «إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ»(فاطر:35).

وحكمة الخالق جلت قدرته هنا تكمن في أن يكون العلماء من خشية الله مشفقين ومسئولين أمامه، لأنهم هم العالمون بمعاني القرآن الكريم وتطبيقاته، وخصوصاً فيما يتعلق بالعدالة ومقاومة الظلم وحفظ حقوق الناس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وقد لعب العديد من علماء الدين منذ فجر الإسلام وحتى التاريخ الحديث، وآخرها ثورات الربيع العربي، دوراً بارزاً ومحورياً في انتصار العديد من الثورات في الدول العربية والإسلامية، التي قامت ضد الاستعمار والظلم والطغيان، بل كانوا في طليعة الأمة. وسقط منهم الكثير من الشهداء ودخل الكثير منهم المعتقلات بسبب مواقفهم الصلبة المقاومة للظلم، كما لعبوا دوراًً في تصحيح الأوضاع السياسية. وعلى هذه القاعدة لنا الحق هنا بطرح عدد من التساؤلات: أين علماؤنا ومشايخنا الأفاضل من هذه الغمة التي تعيشها البحرين أكثر من ثمانية عشر شهراً؟ وأين دورهم من قبل هذه الأزمة في نقد وتوجيه المسئولين لتحقيق مطالب المواطنين المعيشية؟ ولماذا هذه السلبية تجاه ما يحصل في البلد؟ وهل هم راضون عن أحوال البلاد والعباد؟

كنا نتوقع أن يكون لعلماء الأمة دور واضح في تصويب الأوضاع الراهنة في البحرين، حيث تردي الأوضاع المعيشية للمواطن باستمرار، وبلغ الفساد مبلغه إلى حد أن تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية الثمانية تتهم صراحةً، عدداً من الوزراء والمحافظين والمسئولين بمخالفات وتجاوزات مالية وإدارية، ولكننا لم نر قط وزيراً أو محافظاً أو مسئولاً تم تحويله للنيابة العامة أو للقضاء بسبب استيلائه على المال العام! هل يعني هذا أنه يوجد فسادٌ ولكن لا يوجد فاسدون كما يشاع؟ إذن من أين يأتي الفساد إلينا؟ هل هي عدوى من كوكب آخر؟

إن الأمة ضاقت ذرعاً بسكوت علماء الأمة المطبق عن معاناتهم وأوضاعهم المعيشية المتردية في الوقت الذي يزداد فيه الغني غنى والفقير فقراً، حيث اضمحلت وذابت الطبقة المتوسطة مصدر استقرار المجتمع، ولا حياة لمن تنادي، ولكن لا ينفع الندم إذا وقع الفأس في الرأس... وهناك العديد من الشواهد التي توضح قصور بل غياب دور العلماء والمشايخ في إحقاق الحق.

أولاً: أين علماء الأمة مما يجري على الساحة السياسية؟ لقد مرّ على الأزمة السياسية في البحرين أكثر من ثمانية عشر شهراً ولم نرَ لهم أي دور فاعل إلا بعض الخطب المستأنسة لبعضهم، والتي تتحدث في العموميات وأحياناً المحرّضة لبعضهم الآخر... دون التحدث عن العدالة والمشاركة الحقيقية في الحكم والإصلاحات الجذرية المطلوب تحقيقها لاستقرار الأمة. ماذا قدّموا لرأب الصدع السياسي والطائفي الذي شطر المجتمع البحريني إلى قسمين؟ لماذا لا يتواصلون ولا يتناصحون ولا يتصارحون؟ أليس الدين الإسلامي الحنيف هو دين النصيحة؟ لماذا لا يجلسون مع بعضهم البعض ليجدوا مخرجاً للأزمة السياسية والطائفية بعد أن عجزت القيادات السياسية حتى الآن عن ذلك؟ أليس الأمر يرجع لعلماء الأمة في تصحيح شئون البلاد والعباد بعد أن فشل أهل السياسية؟

ثانياً: أين علماء الأمة من الأوضاع المعيشية في البلد؟ أينهم عن المواطن البحريني المتعفف والمغلوب على أمره المرتهن والمكبّل بقيود الديون والأسعار الخيالية واستحقاقات المدارس والأعياد...إلخ؟ هل هم راضون عن أوضاع العباد المعيشية المتردية؟ هل هم راضون عن مستوى البذخ والتبذير في الأموال حيث تسخر الملايين للخيول والطيور التي تجوب العالم؟ أليست حقوق الحيوانات مصانة أكثر من حقوق البشر في هذا البلد؟ أينهم عن تكدّس المواطنين في بيوتهم لسنوات طويلة كأكياس الرز والطحين ينتظرون صدقات وزارة الإسكان؟ أينهم عن الرواتب المتدنية مقارنةً برواتب مواطني دول الخليج المجاورة؟ بالله عليكم أيها العلماء: هل تعتقدون أو تصدقون أن البحرين دولة محدودة الموارد كما يشاع عنها؟ وإذا كانت كذلك، من أين تصرف الملايين على الخيول والطيور ومرافقيها التي تجوب بقاع العالم؟

ثالثاً: أين علماء الأمة من الفساد الذي استشرى في البلاد وأصبح ظاهرة، أي تجاوز حدود المشكلة، فكم من قضايا فساد تورط فيها مسئولون حكوميون ذهبت أدراج الرياح ولم نرَ مسئولاً واحداً تتم محاسبته، بل بالعكس نرى المتورطين يكرّمون بمناصب وحظوات.

أين كنتم أيها العلماء والمشايخ الأفاضل من قضية الفساد في هيئة التأمينات الاجتماعية، وقضية ألبا، وقضية الاستيلاء على أكثر من ستين كيلومتراً مربعاً من الأراضي من قبل مجموعة من المتنفذين دون وجه حق حسب تقرير اللجنة البرلمانية في البرلمان السابق؟ وأخيراً وليس آخراً هل تقرأون تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية السنوية؟ لماذا لا تطالبون أولي الأمر بمحاسبة الفاسدين؟ لقد انتشر الفساد وأهلك العباد فهل أنتم راضون به؟

رابعاً: أين علماء الأمة عن البطانة الصالحة الناصحة؟ وأين هي عن الأوضاع المعيشية المتردية التي تعيشها البحرين؟ أين دورهم في إصلاح ذات البين؟ أينهم عن حملات وأصوات التخوين والتحريض الطائفي وكراهية الآخر؟ أين البطانة الصالحة الناصحة التي تخاف وتتقي الله، وتنصح المسئولين إلى ما ينفع الأمة ويزيل الغمة، ويرفع من قدر المواطن، ويوقف الفساد عند حده؟

خامساً: أين علماء الأمة عن التعيينات في المناصب القيادية كالوزراء والمستشارين والوكلاء والمسئولين؟ ألا تدعون الله سبحانه وتعالى في خطبكم بأن يولّى علينا خيارنا؟ هل يتم ذلك بالفعل؟ ألا تعلمون أن التعيينات تتم وفقاً للمحاصصة والمحسوبية والحسب والنسب؟ أما الكفاءة والأمانة والنزاهة فهي آخر ما يتم التفكير فيه عند التعيينات. إنكم تعلمون والجميع يعلم أن من يتم تعيينه في المناصب الرفيعة يجب أن ينطبق عليه مقياس واحد، بأن يكون من جماعة «الشور شورك يا يبه والقول قولك يا يبه»، فهل بالإمكان إصلاح حال البلاد والعباد إن قمنا بتعيين مسئولين من هذا النوع، الذين أطلقت عليهم لقب «طارش الحويلة»؟

سادساً: أين علماء الأمة عن المواطنين المتقاعدين الذين يحصلون على دراهم معدودة بعد أن أفنوا زهرة شبابهم في خدمة وبناء الوطن؟ ألا يجب أن نكرمهم ونرفع قدرهم؟ فمن يتم تحويله إلى التقاعد في بلدنا أيها العلماء الأفاضل يظل وجهه مسوداً وهو كظيم. ألا تعلمون لماذا؟ لأن المواطن المتقاعد عندنا يموت بعدما يتقاعد، بينما في الدول التي تحترم مواطنيها يعيش معززاً مكرماً وتوفر له الإمكانيات وتقدم له التسهيلات ويطلق عليه مواطن درجة أولى «Senior Citizen»، وتنفتح أمامه حياة جديدة، أما المواطن البحريني يعدّ الأيام والساعات قبل تقاعده، ليس فرحاً بل حزناً وهماً وغماً، حيث يبدأ رحلة شاقة في البحث عن عمل إضافي لكي يستطيع من خلاله سد العجز في ميزانيته الناتجة عن إحالته إلى التقاعد!

إن أهل البحرين ياعلماءنا ومشايخنا الأفاضل، ينتظرون منكم دوراً فاعلاً في إصلاح حال البلاد والعباد. لقد بلغ السيل الزبى، والناس وصلوا إلى مرحلة اليأس وهم ينتظرون الفرج والأيام الجميلة التي لم يعيشوها بعد. إنكم من يستطيع قول كلمة الحق، فأنتم المتبحرون في السياسات الشرعية وأنتم المفوّهون بقول الحق... فمن يرفع الشراع؟

إقرأ أيضا لـ "عيسى سيار"

العدد 3658 - الثلثاء 11 سبتمبر 2012م الموافق 24 شوال 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 20 | 1:42 م

      احسنت

      استاذ اغلب مقالاتك السابقة كنت متحيز لطائفة انما في هذا المقال اقول لك بارك الله فيك احسنت بس نقطة واحدة مهم وهي درا المفاسد اوجب من جلب الفوائد هذة قاعدة مهمة

    • زائر 19 | 8:05 ص

      كل تساؤلاتك منطقية وصحيحة .. ولكن لمن توجهها؟؟؟؟

      الواجب على علماء الدين بأنهم يتعاملون بالعدل ويدَعْمِون أركان الحق، ولا تأخذهم في الله لومة لائم، ويقيمون الحدود وينصفون المظلوم ويأخذون على يد الظالم مهما كان جاهه ومنصبه، ولكن في زماننا هذا ماذا نقول؟ ومن ستكون لديه الشجاعة ويجيبك؟ وإذا قدر الله وأجابك ماذا تتوقع الجواب؟
      على العموم هذا الموضوع ينطبق ايضاً على أعضائنا البرلمانيين الأفاضل الذين هم عملوا المستحيلات قبل الإنتخابات لجلب الاصوات وزيادة عددها وبعدها ::: لاذوا بالصمت الطويل والبعض منهم يمن على الناس بأنه يضع لافتات للمعا

    • زائر 18 | 5:27 ص

      إذا كان رب البيت

      إذا كان رب البيت بالدف ضارباً فشيمة أهل البيت كلهم الرقص

    • زائر 17 | 4:26 ص

      استاذ عيسى سيار

      اي قمة يااستاذ عيسى بطيط فينا بط في مدرسة الحد الشمالية ولانسيت

    • زائر 16 | 4:11 ص

      اجيبك وما تزعل علماء الامة وراء الدرهم والدينار

      جوابا على عنوانك من تقصدهم هذا هو الرد
      وين ما رنّت الفلوس تلقاهم عندها

    • زائر 15 | 3:54 ص

      يحلمون اوزارا مضاعفة سيآتهم مضاعفة وعذابهم مضاعف (يحملون اوزارا

      أقوام يأتون يوم القيامة يحملون أوزارهم و أوزراَ مع أوزارهم كما قال الله عنهم يضلون بفتح الياء ويضلون بضم الياء وكسر اللام. وذلك هو الضلال البعيد. حبهم للمال اعمى بصيرتهم حتى اصبح بعضهم يقاس بجهال القوم لشدة تولعه بالمال
      وهو نوع من العبادة لغير الله.
      وصف احد الاخوة البارحة حياة بعض هؤلاء وإذا بها حياة لا تمتّ بالمرّة الى حياة رجل دين يخاف الله ويجعله امامه في كل تصرفاته لا اريد ان ادخل في التفاصيل
      لكن اجد حياتهم ابعد ما يكون الانسان عن الايمان وعن الاسلام همه الاول والاخير المال فقط وفقط

    • زائر 14 | 3:43 ص

      نحن الآن في عصر التواصل ولايغيب اي شىء عن الانسان ففي ااسرائيل ملزمين بطاعة ولي الامر في فلسطين ولى امرهم اسرائيلي

      في بريطانيا وامريكا وفرنسا مسيحي والدول الاوربية بها الملايين من المسلمين فكيف يستقيم ذلك ؟؟؟
      وكما في الربيع العربي في مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا كيف فعل بولي الامر ؟؟ لم يفعلة حتى غير المسلمي بحكامهم وولي امرهم ؟؟؟
      كيف نوفق بين هذه النظرية والواقع العملي ؟
      كيف نوفق بين ولي الامر نفسه الذي يحرض علنا على ولي امر دولة ثانية بالقوة والاستعانة بالكفار على ولي امر دولة مسلمة ؟ هذا لايستقيم مع العقل والوجدان والاسلام فيه تناقض فاحش ومزري للعقلاء هذا ما كشف عن الربيع العربي حتى الآن ؟؟

    • زائر 13 | 3:25 ص

      لا تظلمهم

      بداية اود ان ارفع القبعه احتراما لشخصكم الكريم وقلمكم الوطنى الوهاج ...لقد ظلمتهم ايها المواطن المخلص فقد تكالبوا وتعاضدوا بسرعة البرق على توقيع بيان يرفض العنف ..ويستنكره ..والعنف هنا لا ندرى من اى جهة يقصدون فهل قتل 100 مواطن عنفا وهل تعذيب الالاف عنفا وهل استخدام القوة المفرطة عنفا وهل تسريح الالاف عنفا وهل العقاب الجماعى عنفا ...هذا ما توصلوا اليه فلا تظلمهم

    • زائر 11 | 2:31 ص

      متهم ب ا ل ط ا ئ ف ي ة

      العلماء ملزمين بطاعة ولي الأمر

    • زائر 10 | 2:22 ص

      ع ق

      هل من الضرورة ان يكون العالم ضد الحكومة ع ق انموذج

    • زائر 9 | 2:18 ص

      العلماء صنفان عالم للدنيا وعالم للاخرة

      الاخ عيسى سيار أشكرك على هذا الموضوع الشكر الجزيل وأتمنى لك التوفيق وليكن لديك معلوم أن العلماءكما ذكرت لك صنفان علماء للدنيا وعلماء للاخرى ولهذه الاسباب ترى الامور دائما عكسية ولكن فى نهاية الامر لا يصلح الاالصحيح .

    • زائر 8 | 2:11 ص

      أسد يا عيسى

      صح لسانك على هذا المقال الرائع ، شيوخ الدين عندنا شيوخ مصالح جلهم يحصل له وإلى اتباعة على العطاية والمناصب ،ولا يتناولون في خطبهم غير الامور السطحية من حرام وحلال وكأن الناس مازالت في صدر الإسلام ، وبالمناسبة اليوم تدافع العلماء على وزارة العدل للتوقيع على بيان مصاغ من الوزارة يستنكر العنف والتخريب ونحن نستنكر أيضا نستنكر ذلك ولكن بالموازي أين الموقف من النظام الغير مكترث بمطالب الشعب ! أليس من الواجب إصدار بيان يطالب بحقوق الشعب.

    • زائر 7 | 1:46 ص

      العلماء صنفان

      صنف مع الحكومات والحكام يلمعون ويركضون وراء ما يرده الحكام ويقفون ضد ارادة الشعوب وان تظاهروا بالأيمان واستحضروا الأيات والأحاديث لتزيين أعمالهم ،،، وصنف مع الحق لا هم ضد الحكام ولا ضد الشعوب بل مع كلمة الحق التي لا يستطيع من اشبع بطنه من المسئولين ان ينطق بها ، فلذا الطريق واضح بالنسبة لنا من عليه قول الحق قالها وتحمل تبعاتها ، أما العلماء الذين هم تحت عباءة الحكام فلا تتعب نفسك لتنخاهم فلن يجيبوا نداءك .

    • زائر 6 | 1:39 ص

      علماء الدنيا

      الذين تعنيهم هل هم فى الواقع علماء .. علم دين البلاط تختلف عن علم دين الله ..و هم موجودون طول تأريخ الأنسانيه

    • زائر 5 | 1:18 ص

      شكرا للكاتب

      العلماء مشغولون بجمع المال
      و البعض الاخر بالسجون

    • زائر 4 | 1:11 ص

      اذا رأيت العالم علي باب الحاكم

      اذا رأيت العالم علي باب الحاكم فقل انا لله وانا الي راجعون.

    • زائر 3 | 1:06 ص

      هم يقولون سمعا وطاعة يا حكومة

      وما فائدة أن يقول العلماء كل ذلك في وجه الحكومة وهو يعرف مسبقا أنها لن تستمع إليه وإذا تكرمت وسمعت فيكون حالها حال المثل اسمع من هاي الإذن وطلعه من الثانية، الحكومة لا تريد أن تسمع من أحد لا عالم ولا كبير هي فقط تسمع لمن تحب وتهوى وتعين من تراه بالعين الحلوة وترضى

اقرأ ايضاً