العدد 3660 - الخميس 13 سبتمبر 2012م الموافق 26 شوال 1433هـ

تفاعلات دول مجلس التعاون الخليجي مع الربيع العربي (2)

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

في مواجهة رياح التغيير في بلدان عربية حليفة لدول الخليج، أوحت الأنظمة أولاً أنها محصنةٌ من الحراكات والاحتجاجات، مشدّدةً على أن مواطنيها يتمتعون بحياة جيدة، وأن العلاقات بين النخب الحاكمة ورعاياها وثيقة جداً. كما ذكّرت بالشرعية التاريخية للنخب الحاكمة منذ قرون، ولوّحت مواربةً بدعم الغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة التي تضمن تدفق النفط وحماية الأنظمة. كما قلّلت من أهمية نزوع الشعوب لأن يكونوا مواطنين لهم حقوق كاملة وليس رعايا.

وفي المرحلة الثانية، تم اللجوء إلى العطايا السخية، فقد زيدت رواتب موظفي الحكومة والمجموعات المحتاجة مثل الأرامل والأيتام والعاطلين عن العمل. كما خصصت أموال كثيرة لمشاريع الإسكان وخلق فرص عمل وبعثات مدرسية.

وفي المرحلة الثالثة، أدخل البعض إصلاحات أو تعديلات دستورية وتشريعية هامشية باعتبارها تمثيلاً أوسع للشعب والمشاركة الشعبية. في الكويت أقيلت الحكومة وتم الدعوة لانتخابات نيابية مبكرة كخطوة جادة نحو إصلاحات أوسع. وفي عمان أقدم السلطان على إقالة مسئولين ووزراء كبار. لكن مثل هذه الإجراءات لم تكن كافية لدى أناس محبطين من الوضع السياسي.

ترافق ذلك وتبعه قمعٌ للحركات الاحتجاجية بدرجات متفاوتة تبعاً لسخونة الأوضاع ما بين القمع الدموي والاحتواء الأمني، مع تخصيص مبالغ للدعم الجماعي المتبادل، وجرى ترقية وتطوير التعاون الأمني.

الفصل الخليجي من الربيع العربي

تابع مواطنو الخليج مسار الأحداث التي انطلقت من مدينة بوزيد بتونس في 20 ديسمبر/كانون الأول 2010، والتي أثرت على الدول العربية بما فيها دول المجلس ولكن بمستوى أهدأ، وتفاعلت منظمات المجتمع المدني والنشطاء بطرق مختلفة. وفي هذا الإطار يتوجب علينا الأخذ بالاعتبار أن التشبيك والتفاعل ما بين الشباب العربي وما بين النشطاء كان يتم خارج السيطرة الرسمية، حول قضايا ذات اهتمام مشترك ويغطي مساحة واسعة من القضايا مثل حقوق الإنسان والديمقراطية وحقوق المرأة والمشاركة السياسية وغيرها.

ومن أهم ملامح ومظاهر الحركة الحالية، الاستخدام الواسع لوسائط التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك والتويتر والهواتف الذكية والإنترنت وتطبيقاتها من البريد الإلكتروني والبلوغر والمحادثة وغيرها. لقد استخدمت هذه الوسائل في الدعوة للاحتجاجات العامة والاجتماعات المغلقة. كما استخدمت الوسائط الإلكترونية لتبادل ونشر الأخبار والآراء والتصريحات والبيانات.

إن عدم رغبة المسئولين والإعلام الرسمي في الكشف عمّا يجري في المجتمع والأحداث الساخنة لم تعد مجدية، فقد وفرت وسائط الإعلام البديل مصدراً بديلاً للمعلومات والتعبير. وتتقدم دول مجلس التعاون بقية البلدان العربية في النفاذ للإنترنت ووسائط الإعلام المتعددة. وكما في تونس ومصر، فقد عمدت منظمات المجتمع المدني والنشطاء في الخليج إلى استخدام الإنترنت ووسائط الإعلام الأخرى في التواصل والتنظيم والتنسيق والدعوة للفعاليات والنشاطات.

وخلال العقدين الماضيين، توجه العديد من المجموعات والأفراد المستخدمين للوسائط الإلكترونية، إلى الاهتمام بالقضايا العامة، وهم يعتبرون من الفاعلين الاجتماعيين المدنيين. وركز بعض هؤلاء على قضية واحدة، وآخرون على مجموعة قضايا، والبعض انتظموا في منظمات ذات مدى بعيد، وتركز على قضايا طويلة الأجل، فيما يركز آخرون على القضايا الراهنة. هذه المجموعات الخليجية صارت جزءًا من شبكات إقليمية أو عربية أو دولية، تشمل مجموعات وأفراداً مهتمين بقضايا مشتركة، كحقوق الإنسان وحقوق المرأة والديمقراطية والبيئة وغيرها.

إن الشباب الذي أتقن تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات (ICT) والتنظيم باستخدام الإنترنت، قد اختبر قدراته في احتجاجات سابقة على نطاق أضيق وحول قضايا محددة. وترتب على ذلك اعتقال العديد من نشطاء حقوق الإنسان والتعبير، ومحاكمتهم ومعاقبتهم. وقاد الشباب الكويتي حملة ناجحة لتغيير النظام الانتخابي لمشاركة المرأة، وكذلك تعديل الدوائر تحت شعار (نبيها خمسة)، فيما قام الشباب البحريني من مختلف المشارب بحملة ناجحة لتخفيض السن الانتخابي من 21 سنة إلى 20 سنة.

وعندما هبت رياح الربيع العربي، استخدم شباب الإنترنت مهاراتهم وتنظيماتهم وروابطهم للدعوة للاحتجاجات وقيادتها. وشكل التفاعل الإيجابي للدعوة للاحتجاجات في البحرين وعمان والكويت مفاجأةً للحكومات وللمعارضة والدول الأجنبية على حد سواء. وفي البحرين فوجئت الجمعيات السياسية المرخصة ومنظمات المجتمع المدني، التي انضمت للحركة وأسهمت في المشاركة في تسييرها.

وجدت الثورتان التونسية والمصرية صدى مباشراً في الخليج. فقد دعت مجموعة عبر الفيسبوك للتظاهر من أجل الإصلاح مساء 14 فبراير/شباط 2011 في ذكرى الاستفتاء على ميثاق العمل الوطني، وتبعتها في عمان دعوات من قبل نشطاء الفيسبوك غير المعروفين في 17 فبراير 2011. وفي البلدين اعتصم المحتجون وسيطروا على مواقع مشهورة أضحت مركزاً لحركتهم، التي استمرت لمدة شهر وشارك فيها مئات الآلاف من الناس. أما في الكويت فقد تمت الدعوة للتجمع في ساحة الإرادة المواجهة لمجلس الأمة، لكنها لم تكن مستمرة. وفي الإمارات تقدمت مجموعة من المثقفين والنشطاء بعريضة تطالب بدستور عصري للبلاد، وشهدت مناطق أخرى احتجاجات متقطعة، ما عدا قطر التي كانت هي الاستثناء.

اتخذت الأحداث مسارات مختلفة بين تعاطٍ أمني واستمرار ومحاولة احتواء مؤقت ومعاودة للظهور والتفاعل مع الحركة في المناطق الأخرى. ولوحظ وجود حالة من إنكار الحقائق الجديدة وضرورة التعامل بإيجابية مع مطالب الإصلاح. وقد تباينت ردود الفعل بين اللجوء للقوة، والتعامل الأمني أو تقديم تنازلات محدودة.

في النهاية فإن النزوع إلى الإصلاح الجدي سيستمر، ولن تكون هناك عودة للواقع المفروض من قبل، فهناك توافق فيما بين مواطني الخليج والنخب السياسية على قضيتين بالتحديد، وهما وجوب إبرام عقد اجتماعي جديد ما بين الحكام وشعوبهم، ما يحتاج إلى دستور جديد يتم صياغته من قبل مجلس تأسيسي أو برلمان منتخب. والأخرى أن يتضمن الدستور ضمانات بصلاحيات تشريعية ورقابية كاملة للبرلمان المنتخب، وضمانات حقوق وحريات المواطنين، والفصل بين السلطات واستقلاليتها، والحد من سلطات النخب الحاكمة.

كوة على المستقبل

إن تمسك النخب الحاكمة بمقاليد السياسة والثروة، وحتى في ظل الدساتير والبرلمانات وأجهزة الرقابة الرسمية كالمحكمة الدستورية لا يفيد، لأنها تفرض أمراً واقعاً من جانب واحد. وتعتبر ماليزيا نموذجاً جيداً لهذا التحول إلى الحكم الديمقراطي الدستوري حيث يبقى الحكام رموزاً للسيادة، في حين يسود حكم القانون على الجميع كمواطنين.

إن مجلس التعاون الخليجي الذي يضم ست دول، ينتظره استحقاق بشأن الاستجابة الإيجابية للتغييرات الكاسحة التي تجتاح العالم العربي في ظل الربيع العربي. ويتطلب تحويره من بنية مفروضة من فوق لتعكس توافق ممثلي الشعوب والحكومات على بنية سياسية جديدة، حسب نموذج الاتحاد الأوروبي.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 3660 - الخميس 13 سبتمبر 2012م الموافق 26 شوال 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 3:00 ص

      الأمر بسيط لدى دول الخليج بدل الاصلاح مهاجمة الربيع واسباب الربيع

      الدول المتقدمة عندما ترى الاخطار تقوم بدراسة جدية ومكثفة لمعرفة الاسباب وكيفية الخروج الناجحة من الاخطار وبهذه الطريقة تتكون لديها نوع من التحصين والمناعة ولكن دول الخليج ليست هكذا بل تقوم بهجوم مضاد للربيع حتى لا يصل اليها وبهذه الطريقة تعتقد خاطئة انها سوف تتمكن من صد الربيع . وفي الواقع ان من يقف ضد عجلة التغيي هو واهم هذه سنة الله في خلقه وقد بلغت الشعوب سنة الرشد ولم يعد السيطرة عليها بهذه السهولة

اقرأ ايضاً