العدد 3689 - الجمعة 12 أكتوبر 2012م الموافق 26 ذي القعدة 1433هـ

جحيم الأسد ولا جنة المخيَّمات... هكذا يقول العائدون!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

خبر لافت قرأته في وقت قريب من الآن. الخبر عبارةٌ عن تصريح مديرية إدارة الطوارئ والكوارث التابعة لمكتب رئيس الوزراء التركي رجب طيِّب أردوغان، يتحدث فيه عن اللاجئين السوريين في تركيا، فيقول إن 38814 ألفاً (ثمانية وثلاثون ألفاً وثمانمئة وأربعة عشر) لاجئاً سورياً عادوا إلى سورية بإرادتهم!

هنا، أفرِد هذه المقالة للحديث عن مأساة اللاجئين السوريين. ولأن المسئولية الأكبر تقع على تركيا، فإن ورود أنباء كالتي ذكرتها مديرية إدارة الطوارئ والكوارث التابعة لمكتب أردوغان بعودة 38814 ألفاً من السوريين تصبح بحق مأساة حقيقية ومحل نظر ومتابعة.

أهم ما في مأساة اللاجئين السوريين، أنهم باتوا حجرَ نرْد، على مُسطحة رخامية، يلعب بها وعليها الساسة، عبر الجعجعة بهم في سياسة حصار النظام السوري، أو مفاوضاتهم معه، أو للتكسُّب منهم سياسياً، فضلاً عن تصويرهم وكأنهم مشكلة، تأكل من عافية وديموغرافية واقتصاد وسياسة وأمن تركيا! هذا الأمر غير مقبول بالمرة لأناس يعانون الأمَرَّين.

هؤلاء اللاجئون لم يخرجوا من سورية، لكي تؤخَذ لهم صور تذكارية، تعرَض في الـ (سي إن إن) أو في قناة (فوكس نيوز)، ثم تقال بحقهم نثريات الحزن. هم هربوا من جحيم الدمار والحرب وآلة القتل، باتجاه الجوار طلباً للسلامة. وعندما يقرّر أزيد من ثمانية وثلاثين ألفاً منهم العودة إلى ديارهم سورية، فهذا يعني، أن ما لاقوه في المخيمات، يفوق ما هو حاصل في ديارهم وما تنتظرهم من مأساة في حمص وحلب وريف دمشق وغيرها من الأراضي السورية. هذه هي الحقيقة.

تركيا ليست كغيرها من دول الجوار مع سورية. فهي التي ألقت بكامل ثقلها وراء المجلس الوطني السوري، وجعلت اجتماعاته تعقد على أرضها، بالإضافة إلى ما تمنحه للجيش الحر وقياداته وأركان حربه من أرضٍ وسلاحٍ ومالٍ وتسهيلاتٍ وبقية الأمور اللوجستية، فضلاً عن تسهيلاتها لعناصر الاستخبارات الأميركية والألمانية والفرنسية على الشريط الحدودي، وبالتالي فإن موقعها من الأزمة السورية، يجعلها من عظام رقبة تلك الأزمة. ولأنها كذلك، فهي الأولى بتحمَّل أيّ تبعات إنسانية قد تنتج عن تلك الأزمة.

اللاجئون السوريون في تركيا اليوم، لا يحظون بما يتناسب مع كونهم يمرون في ظروف صعبة، ويحتاجون إلى معونات تتناسب وذلك الظرف. وربما عودة مثل هذا العدد الذي أشرنا إليه، أي ما يقارب أقل من النصف بقليل، يعني أنه انعكاسٌ للأوضاع السيئة التي يعاني منها السوري في المخيمات هناك. الأتراك يتحدثون أنهم أنفقوا زهاء المئتي مليون على اللاجئين السوريين منذ بداية الأزمة، وهو رقم مقدَّر، لكن يجب أن نتذكر أيضاً أن أنقرة أنفقت واحداً وعشرين مليار دولار على الهواتف الذكية خلال عشرة أعوام، أي بمعدل مليارين ومئة مليون دولار كل عام، وهي تنفق خمسة عشر مليار دولار على مكافحة التدخين، وبالتالي، فإن إنفاق تركيا مئتي مليون دولار على مئة ألف لاجئ منذ إبريل/نيسان 2011 هو أمر يجب ملاحظته ضمن ذلك السياق الأشمل.

هنا، يجب ألا ننسى أيضاً أن هناك 55 ألف لاجئ صومالي في اليمن، فضلاً عن احتضانه للاجئين الأثيوبيين والإريتريين، وهو البلد المهترئ اقتصادياً والمترنح سياسياً، لكننا لم نسمع ما نسمعه اليوم عن أحوال اللاجئين السوريين في تركيا. وهناك أزيد من خمسة عشر ألف لاجئ مالي فرّوا في غضون أسبوعين فقط إلى موريتانيا. ورغم أن الحكومة الموريتانية لم تحصل سوى على أربعين مليون دولار من أصل 153 مليون دولار، إلاَّ أننا لم نجِد ذات الجَلِبَة التي نسمعها من تركيا تجاه لاجئي سورية! هذا المشهد يجب أن يكون معلوماً، ولا داعي لأن نتحدث كثيراً عن تقديم العون الإنساني، فلا تبذير في الإحسان كما قال الفيلسوف الانجليزي فرانسيس بيكون.

الأتراك، ربما هم الأكثر إدراكاً لمأساة اللجوء من بين الدول المحيطة برمتها (باستثناء شركسيا ربما). فتركيا شهِدَت خلال سنوات الحرب العالمية الثانية وما أعقبها تهجير 1.3 مليون يوناني من تركيا إلى اليونان. وهَرَبَ نحو 320 ألف أرمني من المذابح التي حصلت على الأراضي التركية. وهُجِّرَ 400 ألف تركي إلى موطنهم من بلدان أخرى (أنظر عصر التطرُّفات). هذه التراجيديا، هي في مخيَّلة الأتراك، وبالتالي، فهم الأكثر خبرة في ذلك، والأكثر تحسساً في معاناة البشر.

من غير المعقول، أن يكون السوريون وهم الأضعف اقتصادياً وعمقاً دولياً، أقدر من الأتراك في احتضان اللاجئين. فالسوريون، استقبلوا أكثر من 700 ألف لاجئ فلسطيني بعد النكبة والنكسة، لكن هؤلاء اللاجئين لم يعيشوا في مخيمات، هم توزعوا على بيوتات درعا وحلب ودمشق وحمص والحسكة والسويداء، وتعلموا في مدارس سورية وجامعاتها، وتصاهروا مع سوريين، وأصبحوا ضمن نسيج البلد. أيضاً، استقبل السوريون 700 ألف لاجئ لبناني خلال حرب تموز، وفتحوا لهم بيوتهم ومزارعهم وحاناتهم، واسقبلوا مليون ونصف المليون عراقي إبَّان الحرب الأهلية في العراق، ولم يتثاقلوا في حمل كل أولئك البشر، رغم أنهم الأضعف اقتصادياً، كونها دولة مغلقة، سياسياً، ولا تحظى بدعم التكتلات الاقتصادية العالمية كما هو الحال بالنسبة لتركيا.

أعود إلى قضية اللاجئين السوريين في تركيا. فعندما ترى أحدهم يحزم أمتعته ليعود إلى وطنه المدمَّر وهو يقول: «جحيم الأسد ولا جنة المخيمات»، تدرك كم أن تلك الجنة قد تحوَّلت إلى كابوس في ذاكرة هؤلاء البشر. فبإمكان الذاكرة أن تكون جنةً لا يستطيع أحد إخراجنا منها، كما أن بإمكانها أيضاً أن تكون جحيماً لا نستطيع الهروب منها، كما قال الأسقف الأميركي جون لانكستر سبالدنغ.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3689 - الجمعة 12 أكتوبر 2012م الموافق 26 ذي القعدة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 13 | 3:10 م

      مع الاحترام

      هل يعقل أستاذ ان تصدق هذة المقولة فانت أكبرمن ان تنطلي عليك الاشاعات استاذ لنسأل انفسنا ما الذي حصل في المخيمات الذي تقول عنة يفوق ما هو حاصل في ديارهم استاذ و انت ادرى بان الذي حصل في ديارهم يفوق الخيال و لايمكن تحملة كفاية استاذ اذا يكرهونك علي قول ( لا اله الا بشار ) أستغفر الله و لاتنسى استاذ ان الاجهزة بانواعها سترسل اي تجاوزات في المخيمات و الكل سيشهدها

    • زائر 12 | 8:15 ص

      تركيا مصلحجية

      ربما كانت تتوقع مردود مالي جراء عمليات النزوح واللجوء؛ فكما ذكرت ان اللاجيئين العرب في سوريا كانوا يسكنون في المدن السورية وفي الاغلب كانوا ينفقون تحويشة عمرهم للاستقرار في بلد اللجوء كما فعل الفلسطينيون الذين تسببوا في نهضة البلدان التي لجؤوا اليها، اما اللجوء في مخيمات اللاجئين فهذا يعني اكل ومرعى وقلة صنعة، بل ربما يعني استزراع للمشاكل وتربة خصبة لنشر الاجرام والمخدرات

    • زائر 10 | 5:08 ص

      والله صادق !! جحيم الاسد ؟؟

      هناك الكثير من يبرر لحرايم الاسد ، ولكن لم نسمع وقاحة مثل هذه ابدا

    • زائر 7 | 3:06 ص

      الي جميع المعلقين مع التحيه

      ان قلتها سابقا ان الكاتب من افضل الكتاب في البحرين والسب الرئيسي هو لمايتمتع به من مصداقيه، وهو بذلك بعيد عن التحزب او الطائفيه السياسيه او المذهبيه وانا وان كنت اختلف معه في بعض الافكار ولكنني احترمه كثيرا. انا اعتقد ان الكاتب الفاضل يعرف جحيم وظلم الاسد وبلطجيته ولكن هذا لم يمنعه من انتقاد طائفية بعض اطراف المعارضه وبل انتقاد جميع الاطراف التي حادت عن الطريق. بوهاشم
      يتبع........

    • زائر 6 | 2:54 ص

      علي نور

      استاذنا الفاضل .. قال السوريون من زمان انهم يتعرضون لحرب كبرى فانكرت عليهم قولهم، وقالو ان مسلحي الجيش الحر يهجرون الناس في حلب وحمص فاتهمتهم بالكذب حتى في نشرات الاخبار ، وقالو انهم بصدد انشاء نظام ديمقراطي فشبهتهم بالقدافي مبارك ، ودعو للحوار في بلدهم فرميتهم بالفشل والهراء ، وسعو للدفاع عن شعبهم فقذفتهم بالارهاب والنرجسية والشوفينية ، سوريا سوف تبنيي قريبا نظاما ديمقراطي يحرج كل تركيا وكل الانظمة التي رعت ومولت الارهاب . في ذلك الوقت نحن ننتظرما ذا تقووووووول ؟؟

    • زائر 4 | 2:09 ص

      علي نور

      السوريون قرروا الرجوع لبلدهم ليس كما تدعي جحيم الاسد بل لانهم اكتشفوا مؤخرا ان الجيش السوري هو حاميهم وليس الاتراك ،وان وطنهم الذي استضاف ملايين اللاجئين الفلسطينيين والعراقيين واللبنانيين(من دون ان يقول آآخ) احن وارحم عليهم من جحيم الاتراك والقطارة ، لا تقلق يا كاتبنا العزيز على السوريين هم ادرى بشوونهم وبامكانك توفير نصائحك الى افراد الجيش الحر علهم يوفروا سلاحهم لما هو انفع من قتل مواطنين ابرياء.

    • زائر 3 | 11:49 م

      العزة في الاوطان

      بلادي وان جارت علي عزيزة
      واهلي وان شحو على كرامُ
      الله يحفظ سوريا حكومة وشعباً فلا الغرب ولا الاعراب يتمنون الخيرلسوريا ولا لشعبها عيرالخراب والدمار

    • زائر 2 | 11:32 م

      مشارط كثر على جسدك يا سوريا بدعوى المعالجة

      مشرط الاخوان و السلفيين و مشرط تركيا ممثلة عن حلف الناتو و مشرط الانظمة الخليجية و كل يدعي تمريره للمشرط على جسد سوريا المثخن لمعالجته و ليس ليزداد نزفا

    • زائر 1 | 10:57 م

      مقال منصف

      لا يمكن مقارنة سوريا بهذه الفئة المغرضة. كنا نود ان يكون هناك تغيير في سوريا بلا دم لأن الأوضاع لم تكن جيدة ولكن هناك من اختطف الثورة وسيسها والخاسر هم السوريون.

اقرأ ايضاً