العدد 3689 - الجمعة 12 أكتوبر 2012م الموافق 26 ذي القعدة 1433هـ

مساحة حرة-«هروب الماء من ساقية خربة»

السيد أحمد رضا
السيد أحمد رضا

الوقت أقصر من الالتفات لكل غباء!

شاءت المصادفات أن يتحول فيلم لم يكن يوماً ليشاهدهِ إلا منتجوه، وقلةٌ من الأفراد من هنا وهناك إلى فيلم يتحدث العالم بأسره عنه... بل ويرتقي ليكون حديث الساعة، والدول، والمؤسسات، والجماهير، والمقايضات السياسية، والاستفزازات!

الفيلم الذي ما كان ليكون شيئاً يذكر؛ أضحى أذكار وكالات الأنباء، ومحطات التلفزة، والإذاعات... إذ تحول بشكلٍ لا مقصود لأمرِ مشابه لنظرية تأثير الفراشة حيث إن «رفّة جناحي فراشة في الصين قد تتسبب عنه فيضانات وأعاصير ورياح هادرة في أبعد الأماكن في أوروبا»!! هكذا حولت الجماهير ذلك الفيلم إلى أعاصير، وأعطته المساحة ليكون في الوقت الذي ما كان ليكون شيئاً يذكر كعشرات الفيديوهات التي تخرج وتهمل في كل أصقاع الأرض.

ليس خفيّاً أن هنالك آلاف الإساءات المتنوعة التي تخرج لنا بشكل يومي، سواء للمقدسات، أو للعقائد، أو لأي شيء آخر... فكوننا في عصر الاتصال وعصر «القرية الصغيرة»؛ فإن شيئاً لا يجب أن يكون غريباً بعد الآن. ولا أعتقد أننا نمتلك الوقت الكافي للاحتجاج على كل ما يشكل إساءة لمقدساتنا، فالوقت أقصر من ذلك بكثير!

ازدواجية الاعتراض

قبل أعوام تعرض تمثال بوذا للتدمير على أيدي طالبان... وكان ذلك حدثاً يمس مشاعر ملايين المؤمنين بالبوذية على هذه الأرض - بالإضافة لكل مؤمن بالتراث الإنساني - هذا التدمير الذي خرج باسم الإسلام على أيدي جماعات متشددة، قد لا تمثل الإسلام، إلا أن البسطاء من المؤمنين ببوذا لن يفرقوا بين هذا وذاك... لهذا كان يجب على العالم الإسلامي رفض هذا الحدث بشكل صريح وبشكل احتجاج علني يوضع للعالم الصورة. إذ ليس من العدل أن تعترض على مس مقدساتك، في الوقت الذي تدمر مقدسات الغير باسم عقيدتك وتبقى صامتاً!

المسلمون يطالبون بعدم ازدواجية المعايير بالنسبة إلى تعامل الغرب من الحريات، ففي الوقت الذي يجرم فيه كل من يطعن في «الهولوكوست» بحجة معاداة السامية؛ يبيح الإساءات للإسلام بحجة الحرية الفكرية. وهذا أمر صحيح إلا أننا مبتلون به في الوقت نفسه.

حرية الفكر والإساءة

يقول السيد محمد حسين فضل الله «اضطهاد الفكر يقويه، بينما إهمال الفكر يجعله أمراً عاديّاً» بهذه الصورة كان يجب على العالم الإسلامي أن يستقبل الفيلم، وكل ما يعتبرهُ إساءة لمقدساته، وتخيل لو أن الفيلم المسيء للإسلام أُهمل، هل حدث ما حدث؟ وهل سمعتُ أنا أو غيري عن هذا الفيلم؟ وهل دفعنا الفضول لمشاهدته؟ أو دفع غيرنا ممن لم يسمع عن الفيلم، لكنهُ سمع عن ردة الفعل، فسعى لمشاهدته؟

من المؤكد أن مقتل السفير الأميركي في ليبيا دفع آلاف الأميركان، والآلاف غيرهم لمشاهدة هذا الفيلم؟

وللسيد فضل الله كلمة آخرى تقول «أعط الفكر الآخر حريته تحجمه. اضطهده تنشره». وإن كان الفيلم لا يندرجُ ضمن حرية الفكر كونهُ لا يحتوي إلا على الإساءة المتعمدة والمقصودة، فإن إهماله كفيل بتحجيمه، وتقويضه، وبعدم إزهاق أرواح ذهبت هباءً بسبب تصرفات أفراد لم يحلموا بردة فعل كهذه!!

علينا أن ندرك أن «وقتنا الزاحف صوب التاريخ، يجب ألا يضيع هباء كما يهرب الماء من ساقية خربة» كما قال مالك بن نبي.

السيد أحمد رضا

العدد 3689 - الجمعة 12 أكتوبر 2012م الموافق 26 ذي القعدة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 4:09 ص

      ليست صدفة

      ليس الفلم مصادفة او غير مقصود انما هو حلقة من حلاقات مسلسل طويل .

    • زائر 2 | 12:44 م

      كلام جميل

      تسلم يمناك سيدو... يا ريت الناس تقرى هالكلام وتحط له اعتبار (صديقك سيد احمد)

    • زائر 1 | 4:19 ص

      اوافقك الرأي

      كلام منطقي وسليييم ،، لو لم نُضخم الأمور لما أنتشر الفلم ع أبعد النطاقات .. المجتمعات والأفراد لم يفكرو بالحل المناسب لرد ع الفلم الهابط في المستوي والاداء والتصوير ..
      أخذهم الحماس والعاطفة

اقرأ ايضاً