العدد 3690 - السبت 13 أكتوبر 2012م الموافق 27 ذي القعدة 1433هـ

اقتصاد البحرين وشكوى التجار

عباس المغني abbas.almughanni [at] alwasatnews.com

ما مررت بمكان فيه رجال أعمال أو تجار إلا وسمعت شكواهم من الكساد في السوق. ولست مقتنعاً بما يذهبون إليه من مبررات وأسباب، ولهذا سوف أتناول اقتصاد البحرين بين الكساد والازدهار بشرح مبسط.

للتوضيح سنقسم الاقتصاد إلى نوعين أو نموذجين بحسب حركة ودوران الأموال. النموذج الأول لحركة الأموال، نسميه اقتصاد «أبو الفلوس»، وقد ذكرته في مقال سابق، وهو أن أبا العروس – باختصار - مهنته إصلاح الأحذية، حصل على دينار، واشترى به وجبة عشاء. صاحب المطعم أخذ الدينار واشترى به خضراوات. المزارع أخذ الدينار واشترى به محراثاً من الحداد. الحداد أخذ الدينار واشترى به لحماً. بائع اللحم أخذ الدينار وأصلح به حذاءه عند أبي العروس. وهكذا عاد ليشتري قميصاً لابنه، وبائع الملابس اشترى به صبغاً لصباغة المحل، وبائع الأصباغ دفعه للتاكسي الذي سيأخذه إلى المطار، والسائق تزوّد به بالوقود، وصاحب محطة الوقود دفع الدينار ضمن رواتب العمال، وعامل المحطة عندما أخذ راتبه ذهب لأبي العروس لإصلاح حذائه بدينار.

هكذا إذاً تدور الأموال، وتتنقل مواطن إلى آخر، ليصبح دينار أبي العروس وكأنه 100 دينار بسبب دورانه في السوق.

أما النموذج الثاني، فهو تجميد حركة الأموال في السوق، ونسميه «اقتصاد جابر»، ونوضحه بقصة أخرى، إذ يحكى أن النجار حصل على 20 ديناراً قيمة بيع كرسي، واشترى بها خشباً، وصاحب الأخشاب اشترى به خاتما ذهبا من محلات جابر، الذي أخذ المبلغ ووضعه في الخزانة، وبذلك انتهت حركة الـ 20 ديناراً.

بعد فترة، حصل صبّاغٌ على عقد من الحكومة بقيمة 500 دينار لطلاء مبنى، الصباغ أخذ المبلغ ودفعه راتباً إلى عامله، والعامل اشترى به طقم ذهب إلى خطيبته، من محلات جابر الذي وضعه في الخزانة، وهكذا انتهت حركة الـ 500 دينار.

وهكذا استمر الحال، واشتكى الناس من قلة السيولة في السوق، لأن حركة الأموال تنقطع عندما تصل إلى جابر، إذ يضعها في الخزانة ولا يحركها. وبذلك تصبح الأموال الضخمة بلا مفعول في اقتصاد جابر.

الفرق بين الاقتصادين، أن اقتصاد أبو الفلوس، تدور فيه الأموال من تاجر إلى تاجر ومن شخص إلى شخص دون توقف، بينما في اقتصاد جابر، سرعان ما تتوقف حركة النقود عندما تصل إلى خزينة جابر. وأرى أن اقتصاد البحرين يندرج ضمن نموذج اقتصاد جابر، حيث ان هناك أموالاً هائلة موجودة، لكنها متوقفة في الخزينة، ولا يستفيد منها أحد. والمشكلة أن جابر ليس فرداً واحداً، بل فئة واسعة من التجار، والمشكلة أنهم لا يوقفون في خزائنهم 20 ديناراً أو 500 دينار، بل مئات الملايين من الدنانير.

هل تصدق أن حجم ودائع القطاع الخاص لدى المصارف المحلية تبلغ 8 مليارات دينار، ما يعادل 21 مليار دولار، فالتجار يمتلكون سيولة نقدية أكبر مما تمتلكه الحكومة بأربعة أضعاف. ويدرك التجار أنهم لو ضخوا ملياراً واحداً من أموالهم المودعة في البنوك والمكدسة في الخزائن، لحدث انتعاش هائل في السوق، وأصبحت مصائبهم أفراحاً، وبكاؤهم ضحكاً.

علة الكساد سببها وجود فئة كبيرة من الناس، على شاكلة جابر، تكدس الأموال، وتمنعها من الدوران في السوق. ما يؤكد مقولة «الأغنياء يزدادون غنى، والفقراء يزدادون فقراً».

ومهما ضخت الحكومة من أموال النفط في الاقتصاد فإن الوضع سيبقى على ما هو عليه. وأعتقد أن حتى مبلغ الدعم الخليجي المسمى بـ «المارشال الخليجي» والبالغ 10 مليارات، سيكون مفعوله محدوداً ومؤقتاً غير دائم أو مستدام، لأنه لن يتمكن من الدوران في ظل وجود فئة كبيرة على شاكلة جابر، يمنعون الأموال من الحركة في السوق من خلال تكديسها في خزائنهم. ويقول الله في كتابه المجيد: «كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ» (الحشر: 7)، والآية واضحة وصريحة.

البحرين إذا أرادت أن يكون اقتصادها مزدهراً، عليها أن تتبنى سياسات وخططاً تزيد من حركة ودوران الأموال في السوق وانتقالها من تاجر إلى آخر، ومن مواطن إلى آخر، مثل اقتصاد أبو الفلوس. وإذا أرادت الكساد، فعليها أن تترك الأموال كما هي عليه، وتتوقف حركة دوران الأموال، وتتكدس في الخزائن، وحرمان السوق من السيولة النقدية، مثل اقتصاد جابر.

الحكمة الاقتصادية: «دينار أبو الفلوس خير من ملايين جابر». فحركة دينار أبو الفلوس في السوق أفضل وأنفع للناس من ملايين تقف عند خزانة جابر.

إقرأ أيضا لـ "عباس المغني"

العدد 3690 - السبت 13 أكتوبر 2012م الموافق 27 ذي القعدة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 5:02 ص

      المسرح العالمي والاقتصاد التجاري

      ليس من الأسرار أن الإسراف والتبذير وتدمير الطبيعة لا تنمي اقتصاد، متى ما قام الاقتصاد وجلس على التجارة الذي فيه الربح كما الخسارة. فهل لا تسرفوا تشير الى إقتصدوا؟ أم تكشف وهم الاقتصاد الزائف الذي ليس له معنى أصلي لكونه تجاري؟
      فصاد الاقتصاد لن تطول أزمتها لفساد إستشري تحتها. فكما فسد بيض الدجاج، أفسدت وخربت الطبيعة بالتبذير والتدمير بمبرر تنموي لا تربوي. فأصاب أهداف إضافية محلية وعالمية غير اقتصادية طبيعتها تدميرية. فهل خسر أحد وربح الجميع؟أم المشكلة في الـ echo-money لا في الاقتصاد العالمي؟

    • زائر 5 | 3:42 ص

      وضحت الصورة بطريقة بسيطة

      ما شاء الله عليك
      تم توضيح الصورة تماماً بإسلوب بسيط ومفهوم بس خل هالتجار يفهمون ان تحريك اموالهم يزيد ارباحهم بدل من تجميدها في البنوك والربح القليل المتكرر خير من الربح الكثير المتوقف

    • زائر 4 | 2:17 ص

      آه آه

      مقال رائع وجميل وهذا اول مرحله من مراحل الاستعباد ان يأخد الانسان _ عديم الانسانية _ يأخد أمواله ويتعامل معها معاملة المستأثر والمتسلي لا بمأخد الجد والنظره الثاقبة

    • زائر 2 | 1:37 ص

      جابر أهون من غيره

      ولكي تكتمل الصورة هناك أيضا كومار ومقرن وجون الذين ما إن تصلهم ال 100 دينار حتى غادرت البلاد من غير رجعه مما يكون لها التاثير السلبي على أقتصاد البلد وحركة دوران المال
      أقلها جابر يمكن يصرفها يوم من الأيام في البلد لكن مع هذه النوعية قل على الدنيا السلام
      والصنف الأدهى والأمر هو من لا ينتظر وصول ال 100 دينار بل يقوم بسرقتها من الناس ويقوم بتحريكها في الخارج بشراء عقارات وجزر واستثمارات عادة ما تكون خاسرة ولا تعود بالنفع على البلد.
      جابر أهون من غيره

اقرأ ايضاً