العدد 3691 - الأحد 14 أكتوبر 2012م الموافق 28 ذي القعدة 1433هـ

إيران تنتظر رئيساً يصافح الأميركيين!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أجرَت صحيفة «آرمان» الإيرانية، حواراً مع رئيس مجمع التشخيص هاشمي رفسنجاني. إجابات الرجل، تضمَّنت إشارات مهمَّة في طليعتها أمران. الأول: علاقة إيران بالولايات المتحدة الأميركية، والثاني: الانتخابات الرئاسية الحادية عشرة، والتي ستجرَى في شهر يونيو/ حزيران من العام القادم.

أولاً وقبل كلِّ شيء، فإن التصريحات التي يُدلي بها شخص كرفسنجاني، تنبع أهميتها من خلال شخصه وليس مركزه. ففي إيران، ليست المناصب هي التي تمنح الأفراد أوزانهم، بل العكس، (وهي بالمناسبة مشكلة يعاني منها النظام السياسي الإيراني). كما أن هذا الارتجاع (تصاغر قوَّة المؤسسة أمام تضخم قوة الفرد في إيران) موصولٌ أساساً بكل عناصر الدولة الإيرانية، وبالتحديد السلطات الثلاث (التشريعية، التنفيذية والقضائية)، والحرس الثوري ووزارة الاستخبارات وبازار طهران ومشهد واصفهان والحوزة الدينية في قم.

فعادةً ما يَثقل ذلك الوزن بالتحالفات السياسية والاقتصادية والأمنية والدينية. هذه طبيعة النظام السياسي في إيران. هذا الحال ينطبق على هاشمي رفسنجاني. وقد تبيَّن ذلك للمراقبين بعد الانتخابات الرئاسية العاشرة، التي أعقبتها قلاقل سياسية كان رفسنجاني في أتونها.

لذا فقد يتساءل البعض: لماذا لم تتهشَّم شخصية رفسنجاني كما تهشَّمت شخصية مير حسين موسوي أو مهدي كروبي أو محمد خاتمي؟ السبب هو أن رفسنجاني كان تضخمه من خلال تحالفات أقامها داخل أزقة الدولة، فكان هو وتياره يطوِّقان جزءًا مهماً من النظام، عبر تعاضديات تبدأ من السياسة وتمرُّ عبر البازار وصولاً إلى العسكر والاستخبارات ورجال الدين.

هذا التعريف مهم، لكي نتحسَّس أهمية ما قاله الرجل لـ «آرمان». وهو ما يمكن التطرق إليه تفصيلاً من خلال النقطتيْن التاليتيْن، والمتعلقتين بالعلاقة مع واشنطن ووضع التيارات السياسية الإيرانية في الانتخابات الرئاسية المقبلة، والتي أشار لهما خلال اللقاء الصحافي:

الأولى: قال هاشمي رفسنجاني لمراسل الصحيفة، اننا «لم نبدأ الصراع وقطع العلاقات مع أميركا، فهي التي بدأت بذلك. وطيلة فترة مسئوليتي كرئيس للجمهورية كنت أؤكد أن أميركا يجب أن تثبت حسن نيتها (تجاه إيران)، وبعدها نعتبر ذلك حسن نية، ونجلس ونتفاوض، وإذا ما تم التوصل إلى اتفاق يتم استئناف العلاقات (بعدها). وهو كلامنا ذاته (في) السابق».

هذا الحديث لرفسنجاني يأتي متزامناً مع نفي أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني سعيد جليلي، وجود خطة النقاط التسع التي سرَّبتها الـ «نيويورك تايمز»، والتي تضمنت خريطة طريق لإنهاء الملف النووي. لكن الحقيقة هي أن العالَم السفلي للسياسة يشهد مداولات بين الجانبيْن تلعبها بغداد وكابل، وتحديداً نوري المالكي وجلال طالباني وقرضاي وأطراف عربية أخرى.

ما جرى بين إيران والولايات المتحدة الأميركية منذ العام 2001 (غزو أفغانستان) والعام 2003 (غزو العراق) هو تحالف موضوعي. وما أعنيه بالتحالف الموضوعي هو أن موضوعاً مشتركاً يُقرِّب خصميْن لدوديْن لبعضهما بغرض التنسيق في ذلك الموضوع المشترك. وهذا النوع من التحالفات، عادة ما تعتمد عليه الولايات المتحدة الأميركية وعموم الدول. فقد تحالفت الشيوعية مع الرأسمالية في الحرب الكونية الثانية (وهما متنافرتان ايديولوجياً) ضد النازية الألمانية والفاشية الإيطالية واليابانية.

وتحالف المجاهدون الأفغان مع الأميركيين (وهما متنافران ايديولوجياً أيضاً) لتحرير أفغانستان من الاحتلال السوفياتي. وتحالفت الجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية مع حلف الناتو (وهما خصمان) ضد القذافي خلال ثورة السابع عشر من فبراير (شباط). واليوم يتحالف تنظيم القاعدة، والجماعات الإسلامية الملحقة به مع الاستخبارات الأميركية والفرنسية والألمانية ضد نظام بشار الأسد في سورية.

في كل الأحوال، الإيرانيون، ومن خلال التيار الذي يمثله رفسنجاني، ينظرون إلى أن ظروف المنطقة ليست في صالحهم إن هم أصروا على مخاصمة الأميركيين. هم اليوم وحيدون في الخصومة مع واشنطن، في الوقت الذي يرون فيه الجماعات الإسلامية الحليفة التي كانت تشاطرها العداء للولايات المتحدة، قد أصبحت قريبةً وحليفةً للأميركيين. فجماعة الإخوان المسلمين في مصر والإسلاميين في ليبيا والإسلاميين في تونس، والإسلاميون في المغرب، والإسلاميون في تركيا، (الذين زادوا على ذلك بإبقاء تحالفهم العسكري مع «إسرائيل» حتى) أصبحوا في موقع مختلف جداً.

أيضاً، هم يرون أن حركة حماس بدأت تبتعد عنهم. ونظام الأسد يكابد من أجل البقاء، وإن بقِي، فإنه سيعيش بقية عمره كسيحاً. وحزب الله وحلفاؤه من المسيحيين والسُنة والدروز باتوا في موقف صعب بعد تهلهل النظام في دمشق، والذي كانوا يستقوون به طيلة ثلاثين عاماً. إذاً، الظروف لا تسمح لهم بأن يستمروا في نهج الخصومة مع الأميركيين، الذين لم يعودوا ينظرون لأوراق طهران السابقة بالأهمية ذاتها التي كانوا يولونها.

التيار البراغماتي في النظام الإيراني، يرى أن الحاجز النفسي بدأ في التفسُّخ بذهاب الحركات الإسلامية إلى التطبيع مع الأميركيين والإسرائيليين، ولم يعد هناك مانع أخلاقي من إقامة علاقة مع الأميركيين بالنسبة لإيران فلماذا التأخير؟ الموضوع النووي قطع شوطاً كبيراً، ولم يعد هناك حديثٌ عن العودة إلى المربع الأول، وبالتالي، فإن الأمور لا يمكنها أن تبقى هكذا إلى ما لا نهاية. وما طرحه هاشمي رفسجاني هو حديث ناعم جداً، ويحاكي مثل هذا التوجه. بل إنه لمَّح إلى أنه سيدفع بهذا الاتجاه فيما لو جاء (هو أو مَنْ يمثل هواه) إلى الحكم في الانتخابات الرئاسية القادمة.

الثانية: خلال لقائه مع الصحيفة، نفى رفسنجاني استعداده للترشيح لانتخابات يونيو المقبل، لكنه قال أيضاً «رغم أنه لا يوجد أي مانع قانوني لأن أترشَّح»، مُرجّحاً أن يتولى رئاسة الجمهورية شخصٌ أكثر شباباً، وأنه مستعدٌ لتقديم الدعم اللازم في هذا المجال، لمن سيأتي إلى السلطة.

هذا التصريح فيه عدة إشارات. فهو أولاً لم يقطع بعدم ترشحه للانتخابات، حيث ان الطريق إلى ذلك سيكون مُعبَّداً أكثر من السابق بعد خروج أحمدي نجاد وتياره وهما مُثخنان بالجراح. وثانياً، هو يلمِّح إلى أنه ومَنْ يُمثله من تيار سياسي سيدفعون بشخص تمَّت تسميته سلفاً للترشُّح، بالضبط مثلما فعل خلال الانتخابات السابقة.

والحقيقة، أن الانقسام الذي أحدثه أحمدي نجاد في إيران، قد ولَّد اصطفافاً مريحاً لأشخاص مثل رفسنجاني ولاريجاني، وعند شخصيات أخرى في النظام. فإجماعهم على مخاصمته جعل المشتركات بينهم أكثر من أيّ وقت مضى، وبالتالي، فهم قد يتوافقون على إحدى الشخصيات، التي يقبلها الإصلاحيون ولا يعارضها المحافظون.

وضمن هذا المسار، هو أعطى الأميركيين رسالة، مفادها أن مجيئه إلى الحكم، أو مجيء مَنْ يمثله سيدفع باتجاه عودة العلاقات بين البلدين. صحيح أن هندسة العلاقات الخارجية هي بيد المرشد، لكن أيضاً لا يمكن مقارنة نفوذ رفسنجاني على المرشد بنفوذ خاتمي أو نجاد. والدليل، أن محمد نهاونديان عندما زار أميركا كان بترتيب ودفع من رفسنجاني نفسه، وخلال عهد نجاد ذاته!

في كل الأحوال، فإن رئيس إيران القادم (قد) يكون الرئيس الأول الذي يعيد علاقات إيران مع واشنطن، ونقلها من علاقات تقوم عبر الواسطة أو بالتحالف الموضوعي والصراع الاستخباراتي إلى علاقات مستقرة وطبيعية. وهو أمرٌ إن حدث فإنه سيعني الكثير للمنطقة، التي ستشهد حالة أخرى من التحالفات والمواقف الإقليمية والدولية.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3691 - الأحد 14 أكتوبر 2012م الموافق 28 ذي القعدة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 17 | 1:45 م

      من زمان

      أستاذ ومن قال لك أنهم لم يتصافحُ بل بينهم قبلات وما المناوشات الا لابعاد الشبهه عنهم يمكن يقول قائل ان الاميركان تعدوا علي ايران او العكس ايران أعتدت علي الاميركان وهذا معروف في السياسية لازم وجود قرابين و ضحايا ولتتضح الصورة العراق من بعد أنسحاب الاميركان سلموها للايرانين

    • زائر 16 | 1:39 م

      امريكا تصارع من اجل بقائها ،فهي اليوم اضعف من الغنفساء،اليوم لاوجود للقطب الواحد ،اليوم هناك تحالفات وقوى مشتركه ،اه والله تبي اتصافح

    • زائر 14 | 8:10 ص

      أمريكا إلى أفول... هذه هي الحقيقة

      بغض النظر عن أي طرف من الأطراف، أمريكا بدأت في الأفول وبالتالي فأساس الفكرة يخضع للنقاش.... وعليه فأنا أعتقد بأن أمريكا هي من ستسعى لبناء علاقات من العالم مرة أخرى بعد تهشُّم صورتها وانكفاءها، حالها حال روسيا الآن بعد تفكك الاتحاد السوفييتي.. وشكراً

    • زائر 13 | 7:57 ص

      كلام غير منطقي

      الرجاء من الأخوة والأخوات عدم الأخذ بكلام الكاتب الذي يكتب فقط ما يميل إليه فكره

    • زائر 15 زائر 13 | 9:56 ص

      تاي زائر 13

      نرغب كثيرا في معرفة مايميل عليك فكرك. اما النصيحه بعدم الاخذ بكلام الكاتب فاهذا حجرا على العقول مايهمنا هو تنوع التحليلات من كافة المشاركين فهذا يوثري الموضوع لمعرفة الاتجاهات. ارجو منك طرح مايمليه عليك فكرك لاثراء النقاش. برئيي ان للكاتب وجهة نضر فيها كثير من الصواب وانا من المتابعين له وقد صدق في بعض تحاليله السابقه. وبلمناسبه ايران ليست فوق مستوي النقد. وشكرا

    • زائر 12 | 7:36 ص

      علي نور

      اما ما خص القول بان ايران سوف تقيم علاقات مع امريكا بسبب تهافت الاخوان المسلمين وغيرهم على امريكا فهاذ كلام غير صحييح البته فليس ايران من تجعل قدوتها غيرها في السياسة ولا تنتظر اقامة الاخرين علاقات مع امريكا كي تتهافت هي وراءهم ابدا والايام القادمة سوف تثبت قدرة ايران على سحب الاخوان المسلمين و غيرهم من فم الاسيد الامريكي انظر الى العراق كيف توسلها الامريكان لتاجيل الانسحاب فلم يستطيعو . ان السياسة الايرانية سياسة مبدئية لا يمكن تقييمها عبر مقالات صحفية ذات تراكيب لغوية جميلة شديدة التحصين.

    • زائر 11 | 7:23 ص

      علي نور

      ان القول بان الافراد تمنح المناصب اوزانها يفتقر الى الدقة ولو كان ذلك صحيحا لما استطاعت ايران الاستمراربل والتمكن من تلابيت العلم والمعرفة امام كل هذا الهجوم الغربي والعقوبات الا قتصادية لاكثر من 30 عاما ، ايران تتعاطى السياسة بهامش محدد هاذا الهامش يحدده مبدا واحد فقط هو ما يعتبره الايرانيون مبدا اساسي متضمن في دستور الجمهورية الاسلامية وهي (القدس) ولو اعطيت نصف العالم على ان تترك قطعة الارض الصغيرة هذه لما تركته وهو المبدا الذي تبني عليه سياساتها الخارجية بل وتصريحات مسووليها .

    • زائر 10 | 7:10 ص

      علي نور

      اخالفك الراي استاذ محمد(ففي إيران، ليست المناصب هي التي تمنح الأفراد أوزانهم، بل العكس، ) ايران دولة ديمقراطية بها دستوارا يستوعب مبدا التداول السلمي للسلطة وهناك قاسم مشترك يجمع تصريحات المسوولين الايرانين هو انهم في تصريحاتهم يخاطبون بها الداخل (المسوولين في الدول الاخرى يخاطبون الخارج)وتصريح رافسنجاني ياتي في هاذا السياق،فلا علاقة بين وزن السيد رافسنجاني (ووزنه ثقيل طبعا ) وتصريحه،ولو وضع التصريح في سياق مخاطبة الخارج لكان ذلك ادهى لتآكل شخصيته وفقد جزءا كبير من مكانته مهما علت. يتبع

    • زائر 6 | 3:12 ص

      رفسنجاني ثعلب سياسة بكل المعايير

      يستمد رفسنجاني قوته من البازار او طبقة التجار ولن يسغرب احدا تطبيع العلاقات بين ايران وامريكا فليست هناك ثوابت في السياسة بل هي في حركة دينامكية لا تتوقف ويخطئ من يفهم عكس هذا ...وعندما تعلن ايران تخليها عن دعم القضية الفلسطينية فستكون امريكا اول المهنئين وسوف تصبح قيمة التومان الايراني مساوية للدولار الامريكي..اوافق الكاتب مئة بالمائة علي هذا التحليل والتعليل.

    • زائر 5 | 2:31 ص

      لا عيب على إيران بعد كل تلك التضحيات

      على الرغم من أني لا أؤيد رجوع العلاقات بين الجمهورية الإسلامية وأمريكا ، ولكن أرى أن الأمة الأسلامية في شكلها الحالي وتخندقها مع الكيان الصهيوني وتكالب حميع من يدعي الإسلام على الجمهورية وآخرعم الإخوان المسلمين فإني لن أعيب على الجمهورية في حال ارجاع علاقاتها مع الغرب لأن العرب لم يكونوا يستحقون كل تلك المعاناة التي دفعها الشعب الإيراني الصبور طيلة 30 عام

    • زائر 4 | 2:05 ص

      توجد ثغرة

      تحليل موفق ولكن مبني على افتراضية في بعضه
      ( يكابد كسيح و مهلهل )
      الواقع عكس ذلك ...

    • زائر 3 | 1:19 ص

      البحرين

      لاتتوهم برئيس ايراني يصافح رئيس امريكي

    • زائر 18 زائر 3 | 2:09 م

      ليش المبالغه

      هم يصافحون حتى الاسرائلين بالخفى

    • زائر 2 | 12:49 ص

      صعب جدا

      صعب جدا ... والسبب هو نهج الجمهورية النهج الذي بدءه اية الله الامام الخميني قدس سره وقام بحفظ هذا النهج عن طريق ولاية الفقيه وكل ما هنالك من وجهوة نطري هو فتح بعض النوافد الضيقة التي تتيح الطرفين الالتقاء بمد الايدي لتصافح ولكنها لن تتيح ان يدخل كلا منهما للاخر ويملي عليه ما يريد.
      عموما مهما اختلفت حكومات ايرات الا ان نهجها سيستمر نفسه على ولاية الفقيه .

    • زائر 1 | 11:18 م

      السياسة مصالح

      من وجهة نظري أذا رجعت العلاقات الأمريكية الإيرانية فأن الخاسر الأكبر هم الخليج .\nوشكرا للكاتب على المقال الرائع

اقرأ ايضاً