العدد 3710 - الجمعة 02 نوفمبر 2012م الموافق 17 ذي الحجة 1433هـ

عيسى الوطني... المشي يوقفه البصر

المشي للعيون

هل يحتاج التصوير إلى المشي؟ كيف كان يمشي عيسى الوطني إلى صوره؟

الناظر في صوره سيجد ما يشير إلى نية حاضرة للمشي لديه. صوره كلّها تثبت أنّه كان يمشي بما تتسع له الصورة. لا يكون التصوير استثنائياً ما لم يجعل المصور يتسلط على إعاقاته بأنواعها. وأكثر هذه الإعاقات في العيون وواحدة فقط في القدمين. وكان كلما مشى والتقط الصور صار يفسر العالم استناداً لتلك الصور. يستسلم لعينيه لا لرجليه. الرؤية تكون بالعين أكثر منها بالرجلين. هبة الإنسان في عينيه وحدهما. فلا أحد يسألك عن حركة رجليك لا أحد. إنّما السؤال على وفي وعن ومن وإلى عينيك. هما عيناك وحدهما تهبانك امتلاك المشهد، وليس أيسر من امتلاك المشي.

عند النظر إلى صور ما لا يمكننا أن نتخيل مصورها غير قادر على المشي. فالصورة تعني المشي، وتعني العبور. لذا كان حضور عيسى وصوره في آن غالباً ما يكون مثيراً لسؤال الصورة والمشي. في العام 2000 كانت مدرسة الجابرية تعمل لإنجاز معرضاً شخصياً لعيسى الوطني بما يليق به. قسم الطباعة يصمم ويطبع بروشوراً جميلاً بالأسود والأبيض، وقسم النجارة يعدّ جدران خشبية جديدة وبفكرة ذكية لعرض الصور، بينما انشغل قسم اللغة العربية بالتنسيق وإدارة المشروع. يومها رأيت عيسى يمشي في صوره وجاء في بالي بأنّه ليس عليك أن تتقنَ المشي، ولا عليك أن تتقن التصوير كله، لكن عليك أن تُحسن المَشي في صورك. رأيت الطالبات الصغيرات يحطن بعيسى وهو يحيطهن بابتسامته. هل كنّ يسألن عن حاجة التصوير إلى المشي؟ حدث هذا كلّ يوم مع تلاميذ صغار يحدثهم عن حركته باتجاه الصورة. كان سؤال بريئاً ومشروعاً: هل تحتاج الصورة إلى المشي؟

مشت سنوات وعيسى يمشي في صوره حتى التقينا في مشروع آخر في العام 2007 قال يومها: لديّ كتاب صور. لديّ صورتان للمشهد الواحد في أماكن كثيرة في البحرين: الأولى قديمة والثانية حديثة توضحان معاً ما نال المكان من تغيير. كان عيسى يرى فيهما حركة الزمن ورأيت فيهما عبوره ومشيه في المكان والزمان. ذكرته لحظتها بكتاب «لبنان فلبنان» للمذيع زفين الذي اعتمد المنهج ذاته لكن لشخوص شهود على الحرب الأهلية في لبنان. قلت له: هل هو: البحرين فلبحرين؟ فضحك. التقينا كثيراً وصارت اجتماعاتنا في سيارته في موقف في وزارة الإعلام. لحظتها رأيت الأمل بإصدار الكتاب يحيطه. صدر الكتاب على رغم عقبات بيروقراطية كثيرة.

لم يكن يتحرك بلا كاميرا. وعندما كانت الكاميرا وحدها تهمة في نقاط التفتيش التي لم تغيّر من واقع الوضع شيئاً منذ 14 فبراير 2011 قال لي: «أخشى مصادرة كاميرتي وهؤلاء لا يعرفونني، لذا ما عدت أحملها. أكتفي بالتصوير بهذا الهاتف. صوره رائعة. المهم أنّي أصور». يقصد: المهم أن لا يفقد مزاج المشي في صوره. كانت التشكيلية كارلين إليوت تقول: «الغرز التي تخيطها أصابعي تشبه الخطوات التي تسيرها قدماي، أسير في مكاني، ورأسي يحيك أثواباً زاهية».

العيون هي التي تذهب وتعود وتختال وتزوغ وتلمح وتلحظ وتتجاوز وتصغر وتكبر وتضيق وتغشى وتلمز وتغمز وتنعس وتلين وتيبس وتختلج وتدمع وتقسو وتحنّ وتشتهي وتفتر وتنسكب وتنكسر وتعشق وترغب وتنحني وتحنو وتحسن وتصيد وتخفق وتكذب وتحرج وتُحرج وتسودّ وتبيضّ وتتلون وتأخذ وتعطي وتأثم وتسرق،... المعجم كلّه للعين لا للرجلين.

الآن والصور تتقن بسط علامات الغياب، تبسط صور عيسى الوطني علامات المشي: هل تحتاج الصورة إلى المشي؟ وأيّ معنى للمشي، ولحماس الحركة ووفرة الأدوات إذا كانت العيون معوقة؟ إنمّا المشي للعيون.

العدد 3710 - الجمعة 02 نوفمبر 2012م الموافق 17 ذي الحجة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً