العدد 3711 - السبت 03 نوفمبر 2012م الموافق 18 ذي الحجة 1433هـ

«تمثيل الأدوار» تقنية فعالة في التربية على حقوق الإنسان

فاضل حبيب comments [at] alwasatnews.com

.

ذات مرة طلبت من صديق يشاطرني الأفكار التربوية عن تجربته بخصوص أفضل الممارسات الحقوقية في المؤسسة التعليمية التي يعمل بها، فأرسل لي ملفاً مدعوماً بالصور والوثائق لأبرز الاستراتيجيات والتقنيات المفيدة في مجال التربية على حقوق الإنسان والصادرة عن فرع مكتب منظمة العفو الدولية في بلده، مؤكداً في الوقت ذاته على أهميتها وفعاليتها في تطوير البيئة المدرسية.

من تلك التقنيات المفيدة والفعالة «تمثيل الأدوار» وهو عبارة عن دراما مصغَّرة يتقاسم الطلبة بتمثيلها في الصفوف الدراسية، والذي غالباً ما يأخذ طابعاً ارتجالياً؛ بهدف تشكيل الوعي تجاه موقف ـ مزدوجٍ (تربوي وحقوقي) ـ معين، بأن يتخلَّى الطالب ولو للحظات عن شخصيته ويتقمَّص دور شخصية أخرى ليتبنَّى أفكارها ويدافع عنها، أو أن يتبادل مع شخص آخر الأدوار.

وبما أن العالم سيحتفل في السادس عشر من هذا الشهر باليوم العالمي للتسامح، فإننا نرى ضرورة البدء بتطبيق استراتيجية «تمثيل الأدوار» في تدريسنا لمفهوم (التسامح)، إذ يمكن للطلبة من خلال تمثيل دور الإنسان المتسامح في المواقف المدرسية المتنوعة أن يؤكدوا على هذا المبدأ كقيمة إنسانية كبرى وحتمية لتعزيز أواصر المحبة والصداقة والعيش المشترك في المجتمع الطلابي.

هذا المعنى، قرأناه بوضوح في كلمة الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية عبداللطيف الزياني أمام المؤتمر العام لمكتب التربية العربي لدول الخليج الذي عقد مؤخراً في مملكة البحرين «إن ما تحقق من إنجازات مشهودة في قطاع التعليم بدول المجلس ينبغي أن يكون دافعاً إلى مزيد من الجهد والعمل المتواصل من أجل نهضة تعليمية شاملة ..... نهضة تعزز قيم (التسامح) والتفاهم والحوار الحضاري مع شعوب العالم أجمع من أجل السلام والتقدم والازدهار».

سبقه في ذلك، تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق في التوصية (1725): «وضع برامج تعليمية وتربوية في المراحل الابتدائية والثانوية والجامعية لتشجيع (التسامح) الديني والسياسي والأشكال الأخرى من التسامح، علاوة على تعزيز حقوق الإنسان وسيادة القانون».

ربما يخطئ بعض الأفراد عندما يعتبر التسامح تساهلاً أو تنازلاً أو تمييعاً للقضية وغير ذلك، ولكن يبقى التسامح كموقف تربوي إنساني وحضاري إيجابي في الإقرار بحق الآخرين في التمتع بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية المعترف بها عالمياً، فالتسامح علاوة على ذلك فهو يمثِّل العمود الفقري لمبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية والتعددية وسيادة القانون.

وبالرجوع إلى تدريس مفهوم التسامح، فإن المعلم يحدِّد في استراتيجية «تمثيل الأدوار» الموقف التعليمي / الحقوقي الذي ينبغي على الطالب اكتسابه من خلال الإشارة أولاً إلى مفهوم التسامح كما ورد في المواثيق والصكوك الدولية كالمادة (26) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان «تهدف التربية إلى إنماء شخصية الإنسان إنماءً كاملاً، وإلى تعزيز احترام الإنسان والحريات الأساسية وتنمية التفاهم و (التسامح) والصداقة بين جميع الشعوب والجماعات العنصرية أو الدينية ...».

يقوم المعلم بتحديد المشكلة والشخوص وعدد الطلبة الذين سيقومون بتمثيل الأدوار وعدد المراقبين، وعليه (أي المعلم) تشجيع جميع الطلبة، وبالذات الخجولين على المشاركة، والكيفية التي سينفذ بها تمثيل الأدوار.

ولكي لا نطلق أحكاماً في الهواء، دعونا نتأمل في حادثة حقيقية وقعت نتيجة قصور أو ضعف أو غياب ثقافة التسامح لدى أبنائنا الطلبة.

الخبر انفردت به صحيفة «الوسط»، وهو الاعتداء الذي تعرَّض له طالب من قبل مجموعة مكونة من سبعة أشخاص يحملون أسياخ حديد (اثنان منهم طالبان في المدرسة نفسها والخمسة الباقون طلاب في المرحلة الثانوية) عندما كان خارجاً من مدرسته، وهو الآن لا يتمكن حالياً من الرؤية ليلاً بعينه اليمنى فضلاً عن حدوث تشوه في وجهه، علماً بأنه مصاب بمرض فقر الدم المنجلي (السكلر).

وعلى ضوء الحادث، سارعت وزارة التربية والتعليم بفصل الطلاب عن الدراسة لمدة ثلاثة أيام، إلا أن المطلوب منها في هذه المرحلة تكثيف البرامج والأنشطة الطلابية الرامية إلى تعزيز قيم التسامح والعيش المشترك بشكل أكبر.

من المفيد أثناء تدريس التسامح عبر «تمثيل الأدوار» التوقّف عند نقطة حرجة، وطرح سؤال المشاركين والمشاهدين عما جرى ويجري؛ ليدين الطلبة أنفسهم ما حدث من أعمال عنف تتنافى مع مبدأ التسامح، والتفكير والبحث عن طريقة يمكن بها حل الموقف سلمياً، ليصبح «تمثيل الأدوار» بهذا المعنى خبرة تعليمية وليس مجرد نشاط فقط، وخصوصاً إذا كان الأمر متعلقاً (مثلاً) بمحاكمة صورية مع وجود شهود، بحيث يطلب من الطلبة أن يتفقوا على حكم معين، ومن ثم مناقشة الحكم وكيفية التوصل إليه؛ وذلك لإبراز نقاط التعلم.

يبقى الرهان على المعلم ونجاحه في إدارة هذه العملية، لنتمكن لاحقاً من تعميم التجربة على المدرسة كلها وسائر المدارس الأخرى كنموذج فعال في التسامح.

من الواجب انتقاء استراتيجية «تمثيل الأدوار» بدقة وعناية باحترام المعلم مشاعر الطلاب والتركيبة الاجتماعية للصفوف الدراسية، وخاصة مع وجود الأقليات العرقية؛ لكي لا يشعر الطلاب الذين ينتمون إلى تلك الأقليات بأنهم عرضة للإقصاء أو التهميش أو التجريح وما إلى ذلك.

يساهم «تمثيل الأدوار» كتقنية فعالة في إثراء المنهاج المدرسي؛ لأن الطالب يلعب دوراً مهماً في التعبير عن نفسه أو غيره وبناء ثقته بنفسه وقدراته وإمكاناته، وهو الأساس الذي يقوم عليه مشروع (السلوك من أجل التعلّم).

تتلخص أهمية «تمثيل الأدوار» من خلال التعليم بالعمل Learning by Doing وتعزيز دافعية الطلبة وحماسهم نحو التعلّم، لا أن يتحولوا إلى مجرد متلقِّين سلبيين للمعلومات والمفاهيم.

إن تطبيق «تمثيل الأدوار» سيساهم بلا ريب في تشجيع الطلبة على توظيف المهارات العليا للتفكير، كما ويحفِّزهم أكثر على الاتصال والتواصل فيما بينهم والتعلم من بعضهم، بصرف النظر عن الاختلافات الثقافية والاجتماعية فيما بينهم.

إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"

العدد 3711 - السبت 03 نوفمبر 2012م الموافق 18 ذي الحجة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 3:33 ص

      صباح الخير

      تحياتي لكم من لندن
      بو حمد

    • زائر 3 | 3:33 ص

      صباح الخير

      تحياتي لكم من لندن

    • زائر 1 | 1:30 ص

      وهل أستطيع أن أتسامح مع من ظلمني؟؟؟!

      ليس الآن وليس خلال هذه الأزمة وليس وسط هذه الطائفية والإقصاء والاستبعاد والتهميش والتحقير وووو..... اسمح لي أستاذ فاضل لا زال جرحي ينزف وقلبي يتألم، لم أنسَ ولا أتخيل نفسي قادرةً على النسيان، إلا إذا شاء الله سبحانه أن يمسح على قلبي فتندمل جراحه ....... فربما أستطيع أن أتسامح !!!!

اقرأ ايضاً