العدد 1 - الجمعة 06 سبتمبر 2002م الموافق 28 جمادى الآخرة 1423هـ

سلطة المثقف أم مثقف السلطة؟

العالم العربي يبدو وكأنه يعيش خارج الإطار العالمي، بعيدا كل البعد عن مجريات التغيير والإصلاح الساعية لإحلال نمط سياسي يقبل التمحيص والمحاسبة دون للاقتتال الداخلي، دون الحاجة لبناء المزيد من السجون، دون الحاجة لاتهام جهات خارجية بتحريض الداخل، دون الحاجة لاتهام مؤسسات حقوق الإنسان العالمية لتكريس الأحقاد في أوساط المجتمع. هناك ومضات مضيئة في أجزاء من منطقتنا ولكن أيضا هناك التهديد المستمر بالانقضاض على حرية الكلمة، وهناك الرصاصة التي حاولت اغتيال الأستاذ عبدالله النيباري، عضو مجلس الأمة الكويتي.

أن أبشع المظاهر في عالمنا العربي ليس الحرمان السياسي وإنما التبريرات المطروحة لفرض ذلك الحرمان. الدكتور والدبلوماسي والمدير التنفيذي والتاجر وغيرهم من أصحاب النفوذ يتحدثون إليك أثناء تواجدهم خارج الوطن العربي بانطلاق ويشاركون إنسان منطقتهم في أحاسيسه وتطلعاته، ولكنهم سرعان ما يعودون إلى بلادهم ليندمجوا في مسيرة الحرمان... "إننا نختلف... الواقع في بلداننا لا يقبل بتلك الأفكار المنطلقة خارج الحدود المسموح بها... إننا قبائل والقبائل لا يمكنها الخروج إلى إطار مستقل خارج القبيلة والديمقراطية سوف تؤدي لهلاك ما هو موجود... إننا نعيش الألم ولكن ما هو الضمان ان البديل أفضل مما لدينا... أن عاداتنا وتقاليدنا لا تسمح بالنمط الغربي... إننا نحتاج لمئات السنين لكي نرتقي إلى مستوى الشعوب الأخرى التي تمارس العمل السياسي الحر... أن الطبقة المتوسطة في بلادنا ليست طبقة تغيير وإنما هي طبقة طفيلية أرتقت إلى ذلك المستوى بفضل قربها من السلطة... أن التطرف الديني أو العرقي سينتصر لو أتحنا المجال للديمقراطية... أن الاستقرار والأمن أفضل من السماح بحرية الرأي التي ستقلب الأوضاع ... أن العالم الغربي المسيطر لن يسمح بتغيير الأنظمة السياسية التي تناسب مصالحه.... أن البترول ووارداته كفيلة بشراء أفضل الأقلام والضمائر وأنت تغرد خارج السرب... أن الذين قالوا ما تقول يرزحون في السجون فهل تريدني أن أنضم إليهم... لقد سمعنا عن قرب زوال الظلم سنين عديدة ولكنه لازال باق... أن...أن...أن...".

تبريرات لا نهاية لها. وقد يكون الأمر أهون لو أن الذي يطرح هذه التبريرات يقول "أني أفضل الحياة الحالية لأنني شخصيا لا أستحق أفضل منها". هذا هو الجواب الذي يلخص المشاعر الداخلية لمن يطرح الموضوع بتخاذل ويسلم أمره للظروف المحيطة به، منتظرا الإنقاذ من الخارج أو أن تتغير الظروف بصدفة سعيدة يكون هو متواجدا فيها ليشترك في الاحتفال البهيج.

لو أن مختلف الأمم في أي زمان وأي مكان كانت قد التزمت بالظروف المحيطة بها لما تقدمت الإنسانية خطوة واحدة... ولو أن الإنسان لم يحرك عقله ويعمل من الأجل الإصلاح ومن أجل تحسين وضعه إلى الأفضل لبقي في الغابات مع بقية الحيوانات خائفاً من أسد يفتك به أو حيوان آخر يعتدي عليه.

لو أن الإنسانية افتقدت ذلك الشخص الذي يغني خارج السرب لما تقدمت خطوة واحدة ولما حققت مدنية متقدمة.

قرون من الحرمات السياسي خلفت لنا عقلية بليدة مدجنة ومتأقلمة (أن لم تكن مشاركة) في استمرار الحرمان...

التفت إلى أحد الأشخاص الذين حدثوني بهذه اللهجة في أحدى المرات قائلاً: ما الفرق بينك وبين الذي يحمل السوط ليلهب ظهر ذلك المظلوم لأنه طالب بحقه؟ إلا تعلم أنك شاهد على حاثته في زمانك ومكانك؟ أو ليس لك دور ما في هذه الحياة أو لم يقل نبيا محمد (ص) من رأى منكم منكراً فليغير بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه! وذلك هو اضعف الإيمان. أو لا تعلم أن مختلف الشعوب التي حققت ما تريد بذلك من أجل ذلك أكثر مما نتصور أننا بذلنا؟...

من أين نبدأ وكيف نعمل؟ أسئلة بسيطة ولكنها تتعقد لو حاولنا تمريرها في واقعنا المؤلم... البداية دائما تكون في الفكرة... والفكرة المنتصرة هي التي تؤكد كرامة الإنسان وتؤكد له حقوقه في ممارسة دوره كإنسان. لا فرق بينه وبين أي إنسان آخر مهما كان لونه أو أصله أو فصله. فالعرب والعجم والانجليز والأفارقة وغيرهم جميعا ينتمون لبني آدم... وإذا كان هناك حق ثابت لإنسان ما فإن هذا الحق ثابت لابن بلدنا... أن حرية التعبير عن الرأي وحرية التجمع بصورة سلمية والتمتع بكامل الحقوق المدنية ليست حكرا لقوم معينين دوننا.

أن العرب والمسلمين كانوا في المقدمة عندما احترموا العلم والعلماء محترمون... وأصبحوا في المؤخرة عندما سلطوا المصالح السياسية الضيقة على العلم والعلماء، فأصبح هناك علماء بلاط سلطة وصحفيو نظام بدلا من أن تكون السلطة في الأساس للفكر والمفكرين.

المفكرون النوعيون اليوم يعيشون خارج بلادهم أو داخل السجن والآخرون محدثون في نشاطهم. العالم يتقدم إلى الأمام من ناحية فكرية وإنسانية في مختلف المجالات... وبلادنا تتقدم في اكتشاف المؤامرات وتتطور في أساليب سحب الاعترافات... أين هي عاداتنا وتقاليدنا من كل هذه الأساليب؟

أننا نحن المسئولون بالدرجة الأولى عن وضعنا... والمثقفون هم أكثر الأفراد مسئولية عن تردي واقعنا... ذلك لأنهم يستطيعون التعبير عن المظلوم ولكنهم يفضلون السكوت للتعايش مع الظروف.

أن السلطة المطلقة تفسد الأوضاع والحرمات المطلق يخلق التطرف وعدم المبالاة من مثقفينا هو العامل المساعد لاستمرار هذا الواقع – فالواقع الحالي لم تفرضه عاداتنا أو تقاليدنا لأننا كنا سادة وقادة وعزة وذوي شوكة أساسها العلم والتحضر... أما اليوم فنحن آخر من يسأل عن رأيه في تسيير شؤون الأمة لأننا همشنا أنفسنا حتى عدنا بلا أحسان لتاريخنا وبلا لسان لمجتمعنا، فما قيمة الشعب الذي ليس له لسان؟

العدد 1 - الجمعة 06 سبتمبر 2002م الموافق 28 جمادى الآخرة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً