العدد 1 - الجمعة 06 سبتمبر 2002م الموافق 28 جمادى الآخرة 1423هـ

أعطني نسخة من فضلك

هندسة الجينات علم هام وخطير ومخيف. أهميته غير خافية على أحد، ولكت توصل هذا العلم لاستنساخ النعجة الاسكتلندية المسماة "دولي" أحدث ضجة كبيرة في جميع الأوساط العالمية.

وسارعت الدول الصناعية وغير الصناعية والمؤسسات الدينية وغير الدينية لبحث الموضوع وإطلاق التصريحات التي تمنع تطبيق علم الاستنساخ على بني البشر. التحدي واضح للجميع وخطورة انتشار هذا النوع من العلم غير خافية. النعجة "دولي" لها ثلاث أمهات ولكن ليس لها أب. كيف ولماذا؟ يوضح خبراء علم الجينات الأمر ويقولون: لو أردنا أن نستنسخ نعجة سوداء مثلا، فإن شيء نعمله ننتزع خلية تحتوي على عدد كامل من الكروموسومات من ضرع النعجة السوداء. ثم نقوم بفصل نواة الخلية (المستخرجة من النعجة السوداء) ونجهزها للدمج بخلية أخرى تستخلص من بيضة تستخرج من نعجة أخرى ولنقل أنها نعجة بيضاء،وهذه هي الأم الثانية. الم الثانية تعطينا البيضة ونقوم بإفراغ البيضة من نواتها وتصبح بذلك خلية فارغة. نأخذ هذه الخلية الفارغة (القادمة من بيضة النعجة البيضاء) وندمجها بالنواة التي استخلصناها من خلية النعجة السوداء. وتتم عملية الدمج بواسطة صاعق كهربائي ينتج عن ذلك الخلية الجديدة التي تحتوي على الخلية الفارغة من النعجة البيضاء والنواة (التي تحتوي على العدد الكامل من الكروموسومات) القادمة من النعجة السوداء التي نريد استنساخها. نأخذ هذه الخلية الجديدة ونضعها في "مزرعة نسيجية" فينتج عن ذلك جنين ولكنه غير كامل.

ثم نقوم بوضع هذا الجنين غير الكامل في بطن نعجة حاملة (وهذه في الأم الثالثة). وبعد ذلك تتولد لنا النعجة الاسكتلندية "دولي" ولتي تشبه النعجة التي أسميناها هنا بالنعجة السوداء.

هذا العلم يمكن تطبيقه على الإنسان، ويمكن أن يستنسخ إنسان من ثلاث أمهات دون أب أو من أم واحدة تأخذ دور "الأمهات الثلاث". ممكن أيضا أن تزداد رعبا إذا تصورنا أن هناك من الديكتاتوريين والسراق الدوليين وغيرهم ممن يتصورون أنهم أفضل من غيرهم من سيحاول استنساخ نفسه. ماذا لو يتطور العلم فيدخل إلى أكثر ن ذلك ويقوم باستخراج بعض الصفات من هذا الإنسان وبعض صفات ذلك الإنسان ومن ثم دمج هذه بعدد من الصفات الأخرى المستخرجة من بشر آخرين وتصميم إنسان وإنتاجه، مع فارق هنا أن هذا الإنسان سيمتلك حرية الاختيار وبالتالي لا يعلم أحد ماذا سيعمل هذا الرجل وتلك المرأة المصنوعة بواسطة هندسة الجينات.

ومنذ مطلع هذا العام والحديث عن الاستنساخ يتوسع ويدخل في مجالات العلم والثقافة والسياسة والهزل.

ومن أمثلة ذلك الهزل ما قاله وزير الرياضة البريطاني "توني بانك" خلال مؤتمر حزب العمال قبل عدة أسابيع.

سخر وزير الرياضة (اليساري جدا) بالوزير المقرب من رئيس الوزراء البريطاني، بيتر ماندلسون، وهو الوزير اليميني في حزب العمال والمكروه من قبل يساريي الحزب. إذ يقول "لا نعلم ما الذي يخطط له القابعون في مركز قيادة حزب العمال، وعلى ما اعتقد فإنهم مشغولون باستنساخ ملايين البشر جميعهم من نسخة بيتر ما ندلوسون ويتم وضعهم في القبة التي يتم بناؤها حاليا للاحتفال بالقرن القادم. وفي الساعة الأولى من القرن الحادي والعشرين ستفتح القبة لتخرج ملايين النسخ من بيتر ماندلسون الذين سيقضون على الحضارة التي نعرفها اليوم".

هذا النوع من الهزل السياسي يوضح ما قد تعزم القيام به أحدى الدول أو احد تلك الدول، وهو هزل يثير الضحك ولكنه أيضا يشير إلى المخاوف التي دفعت بالسياسيين للإعلان عن منع التجارب الاستنساخية في البشر. ويبقى الخوف الآخر وهو كيف سيتمكن هذا المنع من الحؤول دون حصول هذا الأمر. وبينما يحدث هذا كله نسمع عن بعض الأشخاص من يدفع الأموال الطائلة لكي يتم تجميده بعد موته مباشرة وقبل أن تموت جميع خلاياه على أمل أن يتمكن العلماء من أحيائه في المستقبل. والله يستر من هذا كله. فلو تحققت المخاوف هذه يوما فلا نستبعد أن يتم فتح مكتب أو دكان أو مستشفى يذهب إليه البعض ويشتري "نسخة بشرية" وهؤلاء البشر لن يكون لهم أب وأم كما نعرف البشر هذه الأيام. أسئلة وتحديات للإنسانية. هل نطلق العلوم والبحوث دون قيود أم نتدخل ونضع القيود التي نعتقد أنها ضرورية لحفظ الحضارة الإنسانية، كما نفهمها اليوم؟ هل نستطيع الاستمرار في التدخل ووضع القيود للحد من أخطار العلوم التي تخترع كيفية إبادة البشر أو كيفية استنساخ البشر؟

العدد 1 - الجمعة 06 سبتمبر 2002م الموافق 28 جمادى الآخرة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً