العدد 1 - الجمعة 06 سبتمبر 2002م الموافق 28 جمادى الآخرة 1423هـ

عاصمة الضباب والمخابرات الإسرائيلية

توصلت لندن بالكثير من الصفات لإبراز ميزاتها التي عجزت عن الوصول إليها عواصم الدول الأخرى، العظمى منها أو غير العظمي.

من تلك الصفات أنها عاصمة "الضباب" الذي كان يتسبب لظروف الطقس المتغيرة ولكثرة المداخن المرتفعة الكبرى في التاريخ الحديث اعتمدت على الآلة البخارية وطاقة الفحم منذ منتصف القرن الثامن العشر حتى نهاية القرن التاسع العشر ومطلع القرن العشرين. الضباب والضبابية اللندنية يتقارن مع العمل المخابراتي الحثيث على جميع المستويات. يفتخر البريطانيون أنهم هم الذين دربوا الاميركيين عندما شرعت الولايات المتحدة في تأسيس وكالة المخابرات المركزية بعد قيام الطائرات اليابانية بصرب "بيرل هاربر" الاميركي اثناء الحرب العالمية الثانية. المخابرات البريطانية تعتبر متطورة ومتنوعة في أدوارها. فهناك المخابرات الخارجية المماثلة لوكالة الاستخبارات المركزية الاميركية وهناك المخابرات الداخلية والمخابرات العسكرية والقسم الخاص التابع "لسكوتلاند يارد" وجهاز آخر تنفرد به بريطانيا. هذا الجهاز مهمته التجسس على الاتصالات الحكومية في منطقة من العالم، ومقر هذا الجهاز الضخم في "جلتنهام" التي تبعد 90 ميلا عن لندن. هذا الجهاز الضخم تستفيد منه الولايات المتحدة وعدد من الدول الناطقة باللغة الانجليزية كاستراليا وكندا وجميع هؤلاء لديهم الامكانية أن يتنصتوا على المكالمات الهاتفية المهمة في العالم.

تنتشر أيضا في لندن شركات أجنبية وشركات للمرتزقة تعمل بصورة مكشوفة وغير مكشوفة ويتم استئجارها من قبل حكومات العالم وخارجها. في لندن أيضا، يمكن للأشخاص الاعتياديين الذهاب إلى متاجر متخصصة لشراء أدوات التجسس وممارسة أنشطة ومشبوهة أو غير مشبوهة. لندن عاصمة المعلومات في العالم. كل ما يصدر من جريدة وكل ما يكتب في العالم يمكن ان يتواجد في لندن بسرعة فائقة.

ولندن عاصمة للمعارضين من جميع الجنسيات، وهذا الأمر ليس جديدا وإنما هو قديم منذ الثورة الفرنسية والأوروبية في القرن الثامن العشر والتاسع عشر. وأصبحت لندن مقرا لجاليات عربية واسعة استقرت فيها للتعبير عن رأيها بعد أن اختنقت عبرتها في بلدانها. ولندن مركز لتواجد الشخصيات العربية والدبلوماسيين والمبتعثين للدراسة في الجامعات العادية أو العاهد العسكرية والتخصصية. وبالتالين تمثل العاصمة البريطانية مصدرا هاما للاستخبارات التي تستهدف الاستفادة من هذا الكم الهائل من المعلومات والأشخاص والاتصالات. والمخابرات الاسرائيلية أكثر المخابرات رغبة في الاستفادة من كل ذلك. فقد كانت المخابرات الاسرائيلية البريطانية لأسباب عديدة منها عبورها خطوط حمراء لا تسمح بها بريطانيا. فمثلا حاولت المخابرات الاسرائيلية "تصدير" معارض نيجيري اسمه "عمرو ديكو" في منتصف الثمانينات لصالح السلطات النيجرية. ووضعته في صندوق خشبي لكي ترسله مع الشحن الجوي. ولكن اكتشاف الأمر (بسبب خلل في العملية) اخرج بريطانيا كثيرا.

المخابرات الاسرائيلية تستخدم جوازات كندية وأوروبية وأي نوع آخر لتنفيذ مهامها وهي مطمئنة أن الرد عليها لن يكون شديدا بسبب المكانة الاسرائيلية في السياسة الاميركية والبريطانية. غير أن تكرار الأخطاء وانفصاح الأعمال غير الإنسانية يؤدي لتعطيل برامج المخابرات.

في الفترة الأخيرة، ذكرت بعض التقارير الصحافية أن المخابرات البريطانية سمحت مرة أخرى للمخابرات الاسرائيلية بالنشاط في لندن، للتجسس على الجاليات العربية وشخصياتها والاستفادة من هذا العمل في الصراع (أو السلام) العربي – الاسرائيلي. المخابرات الاسرائيلية ستجد ثروة معلوماتية ضخمة أمامها وما دام الباب قد فتح أمامها فإن الوجبات العربية الشهية جاهزة للأكل. فإننا غثاء كغثاء السيل. أعدادنا كثيرة، وكلامنا كثير، وضعفنا كبير ولدينا الكثير مما نقدمه لمن يريد الكثير من المعلومات سواء من خلال اختراق أو تنصت أو صداقة أو أي شيء آخر. الحكومة الاسرائيلية سيكون لديها ما تقدمه للحكومات العربية من أجل دفع عملية السلام وتطبيع العلاقات. فمؤتمر شم الشيخ قبل عامين طرح القواسم المشتركة بين حكومات المنطقة في مواجهة "الإرهاب" والإرهاب هنا يشمل المعارضات التي تؤمن بالعنف وكذلك المعارضات السلمية. فالمعارضة هي "إرهاب" وكل معارض لإي نظام عربي فهو "إرهابي" دون نقاش ودون حساب أو كتاب. الحكومات التي اجتمعت في شرم الشيخ اتفقت على التعاون ضد الإرهابيين (المعارضين) واتفقت على تبادل معلومات وبشر. ستتمكن المخابرات الاسرائيلية من القيام بنفس الدور الذي قامت به ضد المعارضين لنيجيريا في مطلع الثمانينات كم اجل الحصول على نفوذ في نيجريا وإفريقيا. فالكيان الاسرائيلي لديه تطور تكنولوجي واقتصادي يفوق كل ما هو متوفر في العالم العربي، وسيكون لديها معلومات عن المعارضات العربية جاهزة لتسليمها للحكومات العربية لتسهيل "عملية السلام" ودفعها إلى الأمام.

يكرر الاسرئيليون ان العربي "لا يقرأون" وربما هم صادقون فيما يقولون. فنحن لا نقرأ في عالمنا العربي لان القراءة ستؤدي للمعارضة والمعارضة ينتهي بها الأمر للقمع دون رحمة. وهذا القمع ينتج ردود الأفعال المتكررة، وستطيع الحكام العرب بذلك القول بإنهم يواجهون إرهابا. وبما أنهم يواجهون الإرهابيين. فان المخابرات الإسرائيلية ستساعدهم ضدهم. وهذه المساعدة ستكون أكثر تطورا لكي لا يتم تكرار الأخطاء التي تخرج الأصدقاء مثل ما حصل للنيجيري ومثل ما حصل مؤخرا للقيادي الفلسطيني خالد المشعل في العاصمة مؤخرا للقيادي الفلسطيني خالد المشعل في العاصمة الأردنية.

العدد 1 - الجمعة 06 سبتمبر 2002م الموافق 28 جمادى الآخرة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً