العدد 1 - الجمعة 06 سبتمبر 2002م الموافق 28 جمادى الآخرة 1423هـ

يقول البعض كثرة المعلومات كقلتها

"لقد سافرت ليومين فقط وعدت لأجد تسعا وسبعين رسالة الكترونية، وخمسا وأربعين رسالة صوتية"، قالها أحد المسئولين في إحدى الشركات وهو جالس مع صاحبه لتناول الأكل في فرصة الغذاء. رد عليه الشخص الآخر: "لقد حدث لي أكثر من ذلك، فقد غبت يوما واحدا، ورجعت لأجد أكثر من مائة رسالة الكترونية تنتظرني"!

هذا الحديث ربما أصبح مكررا كثيرا في الدول المتقدمة وفي الشركات التي أصبحت حياتها تعتمد على الانترنت والهاتف النقال والرسائل الصوتية.

والحديث عن عدد الرسائل الالكترونية والصوتية له جانبان، احدهما جانب المفاخر والثاني جانب ما يسمى بـ "ازدياد عبء المعلومات" (Information Overload).

جانب المفاخرة واضح في المسألة، فكل شخص يريد القول بأنه مهم جدا وان غيابه عن المكتب يعني الكثير بالنسبة للإعداد الغفيرة من الموظفين والمسئولين وغيرهم ممن يلاحقون بالانترنت والهاتف طالبين رأيه وموافقته ومشاركته في الأعمال والقرارات. ولهذا ليس مستغربا أن يلجأ بعضهم لمراسلة نفسه الكترونيا أو القيام بأمر مشابه آخر لكي يستطيع ترديد المقولة ذاتها لافتتاح حديثه مع الآخرين الذين يريد التفاخر أمامهم بأهميته القصوى.

نترك مسألة التفاخر جانبا لمناقشة الجانب الآخر وهو ازدياد عبء المعلومات الكثيرة على الفرد. فالانترنت له فن خاصة في التعامل، وفي استلام الرسائل وفي الرد على الرسائل وفي تحليل وتخليص المعلومات الواردة في الرسائل المرسلة. هناك الكثير من الأشخاص الذين لا يستطيعون الرد على الرسائل الالكترونية، بل أنهم يستلمونها ويقرأونها دون وعي محتواها. آخرون يقومون بمسح الرسائل قبل قراءتها. آخرون يقومون ببرمجة نظام الكومبيوتر لكي يمنع استلام الرسائل من جهات معينة ترسل رسائلها باستمرار، بسبب أو بدون سبب.

المشكلة التي كان يعاني الإنسان منها في الماضي هي قلة المعلومات، أما الآن فان المشكلة هي كثرة المعلومات. وكثرة المعلومات المطروحة أمام الفرد تجعله يغرق في بحر كبير متلاطم لا يدري يقرأ ماذا ويهتم بماذا؟

الرسائل الالكترونية والرسائل الصوتية حررت الإنسان كثيرا وجعلته يتعامل مع كثير من الأمور التي كان يعجز عنها في الماضي. أصبح بإمكان الإنسان أن ينظم شئون حياته وان يدير أنشطته دون الحاجة للسفر الكثير أو اللقاء بالأشخاص الذين يتعامل معهم. ولكن أيضا كثيرة الشيء تؤدي لخلق مصاعب أخرى، لان "كل شيء يزيد عن حده، ينقلب ضده".

كثرة المعلومات تساوي قلتها، لان الشخص بحاجة لقدرات أكبر من الماضي لكي يستطيع الدخول في بحر المعلومات واغتراف ما يريده من ذلك البحر لتلبية حاجته. في الماضي كان المرء يبحث عن المعلومات في صحراء قاحلة ويتعب كثيرا لكي يجد المعلومات التي طلبها. أما اليوم فإن عليه أن يتعلم كيفية السباحة في البحار العميقة، بل ربما عليه أن يتعلم السباحة في مياه المحيط.

عندما كان المرء يلتقي بشخص آخر من أجل العمل فإنه لا يحصل على المعلومات فقط، انه كان يتعامل مع إنسان، وليس مع آلة جهاز. والتعامل مع إنسان يتطلب تواجدا في مكان واحد، ويعني تعاطفا عقليا ونفسيا مع الطرف الآخر. فالتواجد مع إنسان آخر في نفس المكان لا يخلق لوحده تعاملا إنسانيا. فقد يسافر شخص على الطائرة ويجلس بالقرب من شخص آخر لمدة عشر ساعات دون أن يكون تعاطيا عقليا ونفسيا بينهما. السباحة في بحر المعلومات تفتقد هذا التعاطي العقلي والنفسي مع الطرف الآخر ولذلك فإنها تضاعف أضرار "كثرة المعلومات". فلو استلمت رسالة الكترونية من شخص بعيد عنك يقول لك: "لم استطع القيام بما أردته، لا إني لا اعرف كيفية استخدام البرنامج الذي تحدثت عنه". لو كان هذا الفرد أمامك لكن بالإمكان أن تحل هذه المشكلة في لحظات، ولكن بعده الجغرافي والزمني يمنع مثل هذا التعاطي.

ربما إننا – كبشر – نبحث دائما عن المشاكل والأمراض. فسرعان ما يقدم لنا الكومبيوتر بحل مشكلة قلة المعلومات، وإذا بنا نقول بأننا نهاني من "كثرة المعلومات".

غير أن هناك الكثير منا من يجد أن الحديث عن مشكلة كثرة المعلومات وعدم وجود التعاطي الإنساني أمر لا أساس له من الصحة. فعلى العكس من كل ذلك، فإن المرء بإمكانه أن يتهرب من أي شيء يطلب منه من خلال عدم الرد على الرسائل الالكترونية والصوتية، ويمكنه دائما أن يلقي اللوم على الكمبيوتر أو الهاتف الذي "تعطل" ولم يسلم الرسالة. وهؤلاء يقولون أن الكومبيوتر والهاتف النقال والرسائل الصوتية، أفضل الوسائل الحديثة للراحة وعدم السباحة في البحار أو غير البحار?

العدد 1 - الجمعة 06 سبتمبر 2002م الموافق 28 جمادى الآخرة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً