العدد 1 - الجمعة 06 سبتمبر 2002م الموافق 28 جمادى الآخرة 1423هـ

الشرعية الدولية والانتقائية الأميركية

الولايات المتحدة الأميركية تتصدر العالم في كثير من المجالات الإستراتيجية والعسكرية والاقتصادية والثقافية (عبر أفلام هوليوود) وبالتالي السياسية. وأميركا أيضاً تتصدر العالم في تلويث البيئة بثاني أوكسيد الكربون. هذا ما تقوله التقارير الدولية والمصادر الأميركية ذاتها. فالولايات المتحدة التي لا يتجاوز عدد سكانها 5 في المئة من سكان تلوث البيئة بمقدار 20 في المئة من إجمالي غاز ثاني أكسيد الكربون الذي ينتشر في الهواء ويسبب مزيدا من التلوث البيئي. والولايات المتحدة ترفض الانصياع للضوابط الدولية التي تصدرها أوروبا ودول العالم الاخرى لتخفيض معدل التلوث المتسبب من استخدام غير الحسن للطاقة والوقود.

تلويث البيئة بغازات معينة له آثار غير حميدة، فهناك أولاً غازات من مجموعة "CFC" تصدر من الغازات والسوائل المستخدمة في التبريد (كالثلاجات وغيرها). ومجموعة هذه الغازات إذا تصاعدت إلى الأعلى فإنها تؤثر على طبقة الأوزون المحيطة بالأرض والتي تحمي من خلال موازنة الحرارة وحفظ الحياة. وازدياد مجموعة غازات الـ CFC"" يؤدي لإضعاف طبقة الأوزون الجوية، ولهذا حاولت بعض الدول التضييق على دول نامية حديثا مثل الصين لمنعها من استخدام نوع معين من الغازات في التبريد. وفي مقابل هذا النوع من الغازات هناك غاز ثاني اوكسيد الكربون الذي يخلفه عملية حرق الوقود (في السيارات والمصانع وغيرها). غاز ثاني أوكسيد الكربون يتصاعد إلى الأعلى ويقوم بخلق طبقة غازات أخرى تلف الأرض وتؤثر على درجات الحرارة وتزيدها في مناطق مختلفة من العالم. فعندما تسقط أشعة الشمس على الأرض يقوم غاز ثاني أوكسيد الكربون بالمحافظة على درجة الحرارة أكثر مما هو معتاد. وهذا يعني أن درجات الحرارة في العالم قد تتغير كما يلي.

يقول العلماء أن درجة حرارة الأرض تغيرت قرابة خمس درجات (إلى الأعلى) خلال عدة آلاف من السنين الماضية. أما الآن وبسبب ازدياد ثاني أوكسيد الكربون فإن العالم سيشهد ازدياد درجة الحرارة (4 إلى 5 درجات إلى الأعلى) خلال مائة عام. هذا التحليل هو الأساس في الدعوة لوضع الضوابط الدولية لتقليل رمي ثاني أوكسيد الكربون في الأجواء.

وعملية تقليل حرق تؤثر على مستوى المعيشة في أميركا فلذلك تطرح الولايات المتحدة عدة عراقيل لكي لا فرض عليها نفس الضوابط التي تلتزم بها الدول المتقدمة الأخرى.

أصحاب الشركات ورؤوس الأموال في أميركا يحاولون التشكيك في وجهة النظر العلمية التي أكدتها تقارير الأمم المتحدة، ويقول بعضهم أن الأدلة على ازدياد درجة الحرارة قد لا يتكون كاملة. فدرجة الحرارة التي سجلت في بلد ما قبل 50 عاما مثلا، ربما كانت قد سجلت بطريقة معينة ومن مكان وارتفاع معين يختلف عن الطريقة الحالية، إلا أن الرأي العام العالمي يقول: إذا تساهلنا اليوم فلن نستطيع حل المشكلة عندما تتفاقم بعد 50 أو مئة عام. ولتوضيح المخاطر الناجمة عن مثل هذا الأمر يشير العلماء لما يحدث حاليا في بلدان كثيرة، فمثلا جزيرة ترينداد (القريبة من الولايات المتحدة) تخسر كل عام مترا إلى مترين من سواحلها البحرية كل عام. وكثير من نخيل النارجيل الآن طمست تحت الماء بينما كانت قبل عشر سنوات فوق الماء، وهناك منزل، مثلا، على الساحل، أصبح الآن تحت البحر. ويقول العلماء أيضا أن زيادة درجة حرارة المحيطات بدرجة واحدة أو درجتين تؤدي سنويا للقضاء على الطحالب ومصادر الحياة البحرية. التغييرات الجوية تؤدي أيضا لانتشار أنواع من الأوبئة والأمراض وتقضي على كثير من مصادر الطبيعة الحيوية. وتؤدي أيضا للفيضانات غير المتوقعة والكوارث الطبيعية الأخرى. ولهذا فإن شركات التأمين العالمية تشير إلى أن تكاليف التأمين التي أنفقتها تلك الشركات بسبب الكوارث قد تشير ازدادت من مليار دولار في العام 1960 إلى 45 مليار دولار في العالم 1990 (زيادة 45 مرة).

المحاولة الأولى (التي فشلت) كانت سعي بعض الدول المتقدمة فرض "ضريبة الكربون" على الدول المصدرة للنفط ومواد الطاقة الأخرى. بمعنى آخر، فرض هيمنة ضرائبية تنهك اقتصاديات الدول "غير المتقدمة اقتصاديا". وهناك الكثير من الدعوات لاتخاذ إجراءات ذات صلاحية دولية في مختلف إنحاء العالم بحجة حماية البيئة. وهذا كله يطبق بصورة غير متساوية. فالولايات المتحدة لها "مستوى معيشة" و"طريقة حياة" لابد من المحافظة عليها من خلال "عدم" الالتفات أو الالتزام بالمتطلبات الصارمة للضوابط المطروحة دوليا.

وهذا يدعونا للتفكير في نوعية "النظام العالمي". فالرأي العام العالمي يعطي الشرعية لمؤسسات دولية لرعاية مصالح مشتركة بين الأمم، إلا أن هذه الصلاحية غير قابلة للتنفيذ إذا تعارضت مع القوة العظمى. الأمم المتحدة، من المفترض، أنها تمثل ومن خلال هيئاتها، المصدر الدولي للصلاحية والشرعية، لتنفيذ القرارات المتفق عليها دوليا، إلا أن الأمم المتحدة تعجز عن تنفيذ قراراتها إذا لم توافق على ذلك الولايات المتحدة.

قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية، والمجتمع الدولي لا تنفذ بصورة مستمرة وعادلة. وهذا ينطبق على كل شيء، ليست فقط البيئة. القرارات الصادرة ضد إسرائيل مثلا، غير قابلة للتنفيذ، رغم صدورها من هيئة الأمم المتحدة، صاحبة الشرعية الدولية، بينما يتم تنفيذ وفرض جميع قرارات الأمم المتحدة الصادرة ضد النظام العراقي (وهو أمر حسن فيما لو أن الجميع يتم التعامل معهم بنفس الطريقة).

"إسرائيل" تمتلك أسلحة تدميرية تفوق أي دولة في الشرق الأوسط ولديها مائة إلى مائتين رأس نووي. الحجة المطروحة في الغرب هي أن "إسرائيل" لن ستستخدمها إلا في حالة الدفاع الحرجة ضد العرب والأطراف التي لا تريد أن تعترف "بإسرائيل". أما "نظام صدام" فإنه مستعد لاستخدام الأسلحة الكيمياوية وغيرها ضد معارضيه وشعبه وجيرانه بصورة أكثر تسرعا من "إسرائيل".

المشكلة إذا لا تعالج بصورة جذرية، والعراق اليوم هو الهدف السهل (بسبب حماقة المساكين بدفة الحكم) لتجريب "فرض" الهيمنة لأميركية وتجريب آخر ما أنتجته المصانع العسكرية والالكترونية الأميركية المتطورة. فهناك العديد من الاختراعات الأميركية التي تم تجريبها في حرب الخليج الثانية في 1991 واكتشف إنها جيدة بمستوى 10 في المئة فقط (في إصابة الهدف). والمصانع العسكرية كانت قد أعدت تلك المعدات لمواجهة (الاتحاد السوفياتي) وحمدوا ربهم أنهم جربوها على (العراق)، والآن سوف يتم تجريب ما تم تطويره على رؤوس الشعب العراقي. وسيبقى النظام العراقي مكانه وفي قصوره، بينما يتم تحطيم إمكانيات البلاد والشعب وتجريب الأسلحة المتطورة وتلويث البيئة بالمزيد من الدمار والغازات السامة من أجل "تطبيق قرارات الأمم المتحدة" الصادرة "ضد العراق فقط".

الأميركيون يعيبون على البريطانيين والفرنسيين إنهم فشلوا في منع الحرب العالمية الاولى والثانية لأن "الانظمة العالمية" التي رعوها كانوا هم أول من يستخدمها بصورة انتقائية وغير عادلة. الأميركيون أسسوا نظامهم على أسس أكثر عدالة داخل وطنهم، وإذا أرادوا استقرارا دوليا فإن عليهم أيضا أن لا يمارسوا سياسة انتقائية في العالم.

العدد 1 - الجمعة 06 سبتمبر 2002م الموافق 28 جمادى الآخرة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً