العدد 1 - الجمعة 06 سبتمبر 2002م الموافق 28 جمادى الآخرة 1423هـ

المنجمون يقولون انه عام سعيد

عام ميلادي جديد يطل علينا بصحبة رمضان الكريم. وكرم رمضان في هذا العام ربما كان السبب في كرم التوقعات والتنبؤات التي تحدث بها أحد المنجمين على شاشة تلفزيون فضائية عربية. أخونا المنجم متفائل هذا العام كثيرا، بل انه قال انه عام الصلاح والإصلاح والحل والخلاص وانتصار المظلوم على الظالم وانتشار الحرية وإعلان الدولة الفلسطينية، وإلى أخرة من التفاؤلات الممتازة لهذا العام.

لقد أجاد أخونا المنجم كثيرا لأنه لم يتبع الأسلوب العربي الاعتيادى. فالخطباء والسياسيون والمحللون العربي يبدأون عادة بالقول بأننا "نمر في منعطف تاريخي، وان الساعة اقتربت وان الطوفان المتوقع سيقع وان الانفجار والغضب أصبح أمرا محتوما، وأن الأمة أمام منزلق خطير وانحراف جارف ومسلك خاطئ وأن نهاية العالم قد اقتربت"... الخ.

ربما اكتشف أخونا المنجم سرا جديدا للمهنة واعتبر أن ابتلاء العرب والمسلمين هي نعمة بحد ذاتها لان هذا الابتلاء قد وصل إلى أسفل الأمور، وأي شيء آخر أفضل من الواقع المزري.

وإذا كان العربي والمسلم محسود بسبب براميل نفط عثر عليها في بلاده فإن هذا النفط أصبح ارخص من الشعير الذي يقدم للحيوانات ولم يعد يعطي مردودا وأرباحا كتلك التي كانت متوفرة من قبل. أموال النفط التي توفرت في نصف القرن الماضي صرفت في اللعب والرشاوي ثم في شراء أسلحة غير صالحة للاستخدام حتى قيام الساعة، وبعد ذلك كله تمويل الحروب المتطورة جدا التي تعجز حتى ميزانيات الدول الكبرى عن دفع مصاريفها المستمرة. أموال النفط لم يكن فيها فائدة غير دفع فواتير الأمن والدفاع الذي لازال مفقودا رغم أن دولنا هي أكثر الدول في العالم تخصص أكثر من ثلث موازناتها للأمن والدفاع. النفط وعهده انتهى لا لكي يعود ولم يعود، ومن كان يعبد النفط قد مات.

عهد النفط ولى ولن يعود، صرح بذلك أحد أهم الشخصيات السياسية في الخليج، اعنها أمام مؤتمر سنوي وأمام الصحافة المحلية وسمح بالحديث لأول مرة عن واقع أليم انتقلنا إليه.

أخونا المنجم يختلف مع السياسيين ويرى أن انتهاء عصر النفط هي بداية الخير والصلاح والبركة والحل وكل شيء سعيد بالنسبة للعالم الإسلامي والعربي.

لا أريد ان أصدق المنجم أو أكذبه، فهو يسترزق الله من خلال أخبار عباد الله وماذا سيحدث لهم مستقبلا، ورزقه يعتمد على من يصدقه والذين يصدقون التنجيم في ازدياد، بسبب أحباطهم من كل كلمة يقلولها سياسيونا, إذا كان السياسيون يقولون كل عام لمواطنيهم بأمور لا تصدق، بينما هم يتسنمون أعلى المناصب وأضخم الرواتب، فما هو المانع أن يتصدى لهذه المهمة المنجمون.

بل أن المنجمين أفضل من السياسيين الماسكين بزمام الحكم. فالسياسيون ينجمون ويقولون ما يشاءون ثم يعاقبون أي شخص يعارضهم في القول. أنهم يمتلكون السلاح والمال والثروة والسجون والمخابرات والإعلام وكل شيء، ومن يتمكنون من التصريح بأي شيء كان صحيحا أم لا.

أما أخونا المنجم، فانه لا يملك مخابرات ولا سجون ولا سلاح، وكل ما يملكه بلورة زجاجية وبخور وكتب صفراء وحمراء وخضراء، وأعشاب وزعتر وشاي وقهوة وعيون ثاقبة تنظر إلى الرجل والمرأة الواقف بانتظار معرفة ماذا سيحصل له هذا اليوم أو في الغد.

أخونا المنجم يتقاضى جزءا بسيطا من المال في مقابل سرد قصص تلطف على المرء المحبط حياته وتوفر له إرشادات عامة يمكن تفسيرها بمليون تفسير حسب ما تشتهي الأنفس. أخونا المنجم لديه دور مهم في حياة المحبطين والبؤساء واليائسين.

وهؤلاء وبفضل حكامنا وبترولنا، أصبحوا أكثرية شعوبنا. وبما أننا نؤمن بالديمقراطية وحكم الأغلبية، فماذا لا ندعو لكم المنجمين وأعطائهم فرصة لتخليص الأمة من أزماتها المتلاحقة قرن بد قرن، وعام بعد عام، وشهر بعد شهر، ويوم بعد يوم.

لماذا لا نسلمهم الحكم ونقبل بكل ما يقولون ولكن نشترط عليه عدم امتلاك المخابرات والسلاح ووسائل القهر التي بأيدي الحكام الحاليين. سوف تكون أوضاعنا أفضل بكثير لآن لأن حكامنا المنجمين سوف يوفرون لنا المتعة والابتسامة لكي نوافقهم أو نعارضهم (ونحن وهم مبتسمون) على كل كلمة يقولونها.

سوف نجري لهم حملات انتخابية لاختيار أفضل واحد فيهم يتحدث لنا ويطيب خواطرنا المكسورة بصورة ربما أبدية.

سوف نعطيهم ونخصص لهم أموالا من الموازنة العامة ونوفر لهم كل يوم ساعة أو ساعتين لمخاطبة الشعب وأخبار جميع البشر (الصالح والطالح منهم، العالم والخامل، الشريف والسارق) بأحوالهم وماذا سيحصلون عليه كل يوم وكل ساعة من ساعات حياتهم.

حكم المنجمين أفضل لنا بكثير من حكامنا الذين نجموا البترول وصرفوه على كل شيء إلا في تطوير بلداننا أو في توفير حرية الكلام لنا. كلام المنجمين المعسول وغير المعسول أفضل لنا من كلام السياسيين لأنهم لا يمتلكون مصلحة خاصة من القول بشيء من الأشياء. فسواه قال المنجم أن غدا ستقوم الساعة أو غدا ستحصل على مال وفير، في كلتا الحالتين، لإيريد سوى تطييب خاطرنا أو مساعدتنا على تحمل الآلام الملمة بنا. فما أفضلهم وما أحسنهم وما أسعدهم لأنهم "يعملون الغيب" دون غيرهم!

عام ميلادي جديد وسعيد وكل شيء سيكون على ما يرام، والعهدة على أخونا المنجم، وعلى أي حال فلن نصل إلى أسوأ ما وصلنا إليه، ولا داعي للقنوط والحزن فالذي ذهب من عندنا ذهب ولن يعود، والذي سيأتينا سيكون نتيجة أعمالنا التي سنقوم بها الآن. وعلى هذا الأساس فأنا أوافق أخانا المنجم في كثير مما قال، وأؤكد (دون قراءة الكف ودون النظرة في البلورة) أن عامنا القادم كله خير، بإذن الله، إذا كنا نحن أهلا للخير.

العدد 1 - الجمعة 06 سبتمبر 2002م الموافق 28 جمادى الآخرة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً