استعد الطفل «علي» البالغ من العمر 12 عاماً ومجموعة من رفاقه (لتدشين)... إن جاز لنا التعبير، مضيفهم الذي اختاروا له اسم (مضيف أشبال المهدي)، قبيل حلول شهر محرم بعدة أيام... أشبال ذلك المضيف، ورغم صغر سنهم، وزعوا العمل فيما بينهم بدءاً من شراء المسامير والأخشاب والتوصلات الكهربية، وانتهاءً عند خطة العمل اليومية طيلة أيام الإحياء العاشورائي.

ومنذ العام 2002 أو قبله بقليل، بدأت «ظاهرة المضايف» تنتشر في المجتمع البحريني خلال موسم عاشوراء الحسين (ع)... كانت في بداية انطلاقتها تستمر طوال شهري محرم وصفر، إلا أنه ومنذ العام الماضي، أوجبت الظروف المستجدة أن تعمل حتى يوم الرابع عشر من شهر محرم على أعلى تقدير، ومع ذلك، فقد عادت المضايف الحسينية هذا العام لتستقبل ضيوف المآتم والمواكب الحسينية، وهي بالتأكيد تعتبر اليوم طرفاً خدماتياً مهماً... المآتم الحسينية والقائمين عليها يكرمون ضيوف مجالسهم دون شك، إلا أن دور هذه المضايف لم يعد مكملاً، بل اصبح سنداً رئيسياً للمآتم من الصباح الى المساء.

ولا يوجد احصاء دقيق لعدد المضايف في قرى البحرين ومدنها، لكن يمكن تقدير عددها في العاصمة المنامة بين 800 وألف مضيف، فيما تنتشر المضايف في القرى بشكل ملحوظ، ولربما وجدت بعضها لا يبعد عن بعضها الآخر الا عدة أمتار، لكنها، بكوادرها، تعمل متعاونة بتواد ومحبة، لإكرام ضيوف موسم الحسين «ع» الذين يتوافدون من مختلف مناطق البلاد وفقاً لاختياراتهم من الخطباء والمآتم، بالإضافة الى تضييف المشاركين في المواكب العزائية السيارة.

على مدى عشر سنوات، أدار كريم علي كرم مضيف «أم البنين»، ولعله يستذكر البداية حينما اختار مع مجموعة من أصحابه قطعة أرض صغيرة وشيدوا عليها مضيفاً صغيراً، لكن ذلك المضيف ما لبث أن أصبح علامة مميزة من ناحية تخصيص جزء منه للبث الفضائي وجزء آخر للمجسمات والأعمال الفنية، ويعبر كرم عن سعادته الغامرة بتوفيق رب العالمين له ولأصحابه بنيل شرف (وسام خدام الحسين «ع»)، ويعبر عن غبطته أيضاً بهذا التفاني من جانب مجموعة المضيف التي لا يمنعها التعب والجهد من أن تواصل عملها طيلة الموسم.

وداخل كواليس تلك المضايف ما يغيب عن بال الكثيرين، فغالبها الأعم يعمل بنظام يسري على الجميع وليس بعشوائية فوضوية... فهناك القائد... المشرف على المضيف والذي يضع خطة العمل ويتابع شئونه أولاً بأول بل ويستصدر التصريح الرسمي للعمل بشكل قانوني لا يخالف الأنظمة، وهناك المجاميع من المتطوعين الذين تبدأ أعمارهم من السادسة حتى الخمسين والستين من العمر وأكبر، تجمعهم تلك الثلاثة... القائد والمجاميع، والركن الثالث الأهم وهو... إكرام ضيوف الحسين «ع».

ويوضح الحاج محمد عبدالرسول الذي (يتشرف) بخدمة عشاق الحسين «ع» في قرية بني جمرة نقطة يراها مهمة، وهي أنه لا يقبل المقولة التي يرددها البعض أن الموسم لتنويع ما لذ وطاب من الطعام والشراب فيشرح قائلاً: «من يقول هذا الكلام يجهل أصالة الدين الإسلامي وتحبيبه لإكرام الضيف... نحن عرب، ومن شمائلنا إكرام الضيف، فحين ينكر البعض علينا أننا نحيي الموسم للأكل والشرب، نقول ان هذا الكلام لا يقوله منصف... هناك العشرات وربما المئات وربما الآلاف من المشاركين في المآتم والمواكب، يحلون ضيوفاً في قرانا ويشاركون في الإحياء... ولأن من شمائل العرب الكرم، فحري ولزام علينا أن نكرم ضيوف سيد الشهداء «ع»، فهذا شرف لنا، ولا أدري لماذا يتجاهل هؤلاء الصورة الرئيسية وهي المحاضرات والفعاليات والبرامج التي تخاطب العقل والفكر والعاطفة، فيحصرون موسم عاشوراء في الأكل والشرب... هذا كلام غير صحيح».

وعن آلية العمل، يشير الى أن «لكل مضيف بالطبع مجموعته من المتطوعين القائمين عليه، والعمل يسير بشكل منظم بتوزيع المهمات، ثم فيما يتعلق بالتمويل، فلله الحمد، نساهم نحن ويساهم أهل الخير وكم هو جميل أن ترى الكثير الكثير من المارة وهم يقدمون ما تيسر من مساعدات مالية، فيما يخصص البعض الآخر مبالغ للمضايف، ويبادر بعض ثالث بتقديم المواد العينية من أغذية ومستلزمات للمضيف».

والصورة الأجمل في تلك المضايف، هي أن جميع أهل البحرين من مختلف الطوائف، وكذلك الجنسيات المختلفة من الوافدين والمقيمين، يحلون ضيوفاً على هذه المضايف، ويحظون دون شك، بما يستحقه الضيف من اقراء وإكرام.