العدد 3729 - الأربعاء 21 نوفمبر 2012م الموافق 07 محرم 1434هـ

الدخول في الغيبوبة

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يبدو أننا سندخل مرحلةً جديدةً من مراحل محاكم التفتيش، بهدف ملاحقة الناس ومحاسبتهم على أفكارهم والبحث في جماجمهم عمّا يؤمنون ويعتقدون.

لا نعتقد أن من مسئولية أجهزة الأمن التفتيش في صدور الناس، وملاحقتهم على أفكارهم، ومعاقبتهم على معتقداتهم، سواءً كانوا خطباء أو رواديد أو شعراء أو كتاباً، فضلاً عن الناشطين الحقوقيين والسياسيين. مثل هذه الرقابة اللصيقة للبشر قد تبث بعض الخوف، لبعض الوقت، في نفوس بعض الأفراد، إلا أنها لن تغيّر من قناعاتهم، أو تبدّل أفكارهم، أو تكبح تطلعاتهم نحو غدٍ أفضل سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.

تاريخ قمع الأفكار في مختلف دول العالم، شرقاً وغرباً، يثبت أن الأفكار المقموعة تتطوّر وتتقوى وتنغرس أكثر في الصدور. صراع الأفكار يتم في الساحات والمجالس والصحف والمنتديات العامة، وليس في أقبية السجون.

قبل قرون، كانت ترجمة كتابٍ فكري إلى لغةٍ أخرى تحتاج إلى عشرات السنين، أما اليوم فتجري أكبر عملية تبادل أفكار في التاريخ عبر وسائل التواصل الاجتماعي. فالشاب يستطيع خلال ثوانٍ أن يراسل أستاذاً جامعياً أو لاعباً أو ناشطاً حقوقياً في بلد بعيد، ويحاوره في أية قضية يُمنع تداولها في الإعلام الرسمي. والتهديد بإعادة قيود الرقابة القديمة تبدو خارجةًً من داخل كهف. إنها باختصار، سباحةٌ ضد حركة التاريخ.

في الحرب الباردة بين المعسكرين الشيوعي والرأسمالي، لم تستخدم الدبابات والقاذفات الاستراتيجية والأسلحة النووية، وإنما كانت حرب أفكار وتنافُسٌ على العقول. هذه كانت استراتيجية الغرب، التي استمر فيها أربعين عاماً، حتى انتهت بتفكيك المعسكر الشرقي وانهيار جدار برلين. كانت صراعاً بين فكرة الحرية الملهمة للشعوب، وفكرة البقاء رهائن لدى الحزب الحاكم الواحد القائد.

هذه التجارب طُبّقت في عددٍ من أنظمة العالم العربي، حتى انتهت إلى أنظمة حزبية مغلقة، ذات دوائر ضيقة، يتم توريث الحكم لأبناء الرئيس كما في مصر واليمن وسورية. وحين ينتقد أحدٌ الوضع السياسي يُتهم بالعمالة للخارج، والإرهاب وأكل الكباب! وحين تجرّأ أحدهم على ترشيح نفسه للانتخابات ضد حسني مبارك، لفقت له تهمة واُلقي في السجن بضع سنين. كل العالم تقدّم واستجاب لإرادة الشعوب في الحرية والتغيير، إلا منطقتنا العربية، إذ قمنا بتهجين الديمقراطية وتدجينها حتى أصبحت أضحوكةًً تسخر منها شعوب الكرة الأرضية.

هل نريد أن نكرّر التجارب الفاشلة؟ وإلامَ قادنا إحكام قبضة الأمن وتكميم الأفواه في العقود الماضية وملاحقة الناس على أفكارهم ومعاقبتهم على ما يؤمنون؟ وهل نجح أي نظام عربي في تحقيق التنمية ونهضة الوطن؟

ثم ماذا نتوقع من خطيبٍ يرتقي منبراً حسينياً غير الحديث عن كربلاء وما فيها من آلامٍ وأحزانٍ وظلمٍ حاق بأهل بيت النبي محمد (ص)؟ وهل أصبح الحديث عن الإمبراطوريات الغابرة التي سادت ثم بادت، جريمةً يُحاسب عليها القانون؟ وفي أي قانون يُجرّم ذكر وقائع التاريخ الإسلامي التي تُدرّس في الكتب المدرسية؟ وعن ماذا تريدون الخطيب الحسيني أن يتحدّث إن حُجر عليه الحديث عن الحسين ومناوئيه في تلك الواقعة التي اقشعر لها التاريخ؟

ثم أيّ منطقٍ يحكم بأن ذكر تاريخ الدول «إساءةً» للحكام الغابرين؟ وماذا نفعل بآيات القرآن الكريم التي تأمر بقراءة التاريخ؟ وماذا ستفعلون بأقسام التاريخ في الجامعات العربية؟

إننا نوشك أن ندخل في مرحلة من الغيبوبة الحضارية، حيث تصادر الآراء وتخنق حرية التعبير، ويُستخف بالعقل ويموت الضمير. فكيف ستنظر الأجيال إلينا إذا قرأت بعد خمسين عاماً، أن خطيباً اعتقل واستُجوب لأنه تحدّث عن معركةٍ تاريخيةٍ وقعت قبل 1373 عاماًَ بتهمة الإساءة إلى امبرطورية قديمة؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3729 - الأربعاء 21 نوفمبر 2012م الموافق 07 محرم 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 42 | 3:38 ص

      الموت اولى

      هم جذي جذي العرب ميتين فعلياً لا انجاز ولا تقدم وفوق هذا يبونه ننسى الواقعة التي هي خير شاهد على الحقد والكره لال بيت نبي الرحمة ع وكيف ان الحسين ع ضحى بنفسه وعياله من اجل ان تحيا امة جده التي هي اليوم تحاول محو آثار كربلاء لعن الله الظالمين

    • زائر 41 | 12:55 م

      اقترح

      اقتراحي هو من يخاف من القرأن ومافيه من تحذير وأندارات للظالمين والذين يكفرون بنعمة الله أن يغير ما فيه وأن يحرق كتاب التاريخ لما فيه من ظلم الحكام واجرامهم.

    • زائر 39 | 6:03 ص

      الحسين عليه السلام

      انه لقتل الحسين حراره لاتبرد ابدا الرسول الاعظم صل الله عليه واله

    • زائر 36 | 5:45 ص

      مع أننا لسن يهود .. ولكن ننصح المتشددين بقرائة: وثيقة العهد النبوي

      وثيقة العهد النبوى مع اليهود.. تعايش بلا نفي ولا إقصاء
      ومن طبيعة دعوة الإسلام الانفتاح على الآخر ومخاطبة المخالفين والتفاعل مع المجتمعات والثقافات غير الإسلامية.
      من كلام رسول الله (ص) وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم وأن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف (هذه مجرد جملة واحدة من الوثيقة)، وانصح الجميع أن يقرأها ويأخذ منها العبر،ثم يعطي كل ذي حق حقه دون نقصان. (هذا إذا تعتبرون المسلم () في هذا البلدكاليهودي) وشكراً.

    • زائر 29 | 3:25 ص

      الحرب على الحسين وشعاراته

      اليوم سيدنا كان لدينا مقابلة في سجن الحوض الجاف وأوشك حدوث مشكلة لأحد نزلاء السجن شاب لم يتجاوز السابعة عشرة سنة ، جاء له أهله بثياب ومن ضمنهم فانيلة سوداء لا تحمل أي شعار ولا كلمة ، فمرت في التفتيش إلا أن الشرطي المأمور بالتفتيش الأخير لم يعجبه وجود الفانيلة السوداء فرفض دخولها وهنا حصلت مشادة بنه وبن ذلك الطفل وفشل رجل الأمن في سوق المبرر وراء ذلك حتى أجاب مرغماً بأنه ممنوع الإحتفال بعاشوراء داخل السجن وهذه طامة ليس بعدها طامة !!

    • زائر 35 زائر 29 | 5:13 ص

      الحمد لله,,,,

      المعرفة بالناس نعمة,,,,ما تحصل للجميع,,,,,

    • زائر 40 زائر 29 | 6:08 ص

      وضعت أصبعك على الجرح

      لقد وضعت يدك على الجرح وليس أصبعك لأن الجرح تجاوز حجم الإصبع كما أن لهذا الجرح عمق لا يعلمه إلا الله . سيجل لنا التاريخ بأننا قد وصلنا إلى مرحلة من أسوأ المراحل التي مر بها الإنسان باعتبار أننا نعيش في القرن الحادي والعشرين وليس في عصور الظلمات أو العصور الحجرية أو أي حقبة عاشها وهو يناضل من أجل حريته سيسجل التاريخ دون رحمة ويدون صفحاته السوداء ولعل كل من تلطخت يداه بالجرائم سواء كان بسفك الدم أو هتك الأعراض أو التعذيب الجسمي والنفسي أوالقمع الفكري سيخلف رصيدا كبيرا من العاروالخزي فكيف تحكمون ؟

    • زائر 28 | 3:11 ص

      التاريخ يعيد نفسه

      بعد قتل آل البيت عليهم السلام في عاشوراء مارست الدولة الأموية سياسة تكميم الأفواه حتى لا ينتشر خبر قتلهم لآل البيت !! هل نجحوا في تعتيمهم الإعلامي ؟؟؟ السيرة الخالدة تروى كل عام و بنفس الحرارة و لم تستطع كل الممالك و الدول من وقفها عبر التاريخ و حتى قيام الساعة

    • زائر 24 | 1:15 ص

      بما ان البحرين غير او قير في كل شيء فلا اجد مشكلة في التخلف

      ما في مشكلة لو رجعنا وعدنا الى العصور الوسطى والى التخلف والتقوقع طالما اننا نقول ان البحرين غير خاصة واننا بلد صغير لا يؤثر على العالم اذا رجع للتخلف
      ماذا انتجنا في الاساس وماذا حققنا للعالم حتى اذا تخلفنا سوف يكون تخلفنا مؤثرا او ذا اهمية ابدا.
      هكذا يراد للبحرين ان تظل قابعة ومتقوقعة فالخيرات لا بد ان تكون حكرا بايد معينة يتلاعب بها ذات اليمين وذات الشمال واي نظام يستطيع المحاسبة فهو مرفوض

    • زائر 22 | 1:03 ص

      إن في قصصهم لعبرة لاولي الالباب ولكن اولي الالباب غير موجودين

      هم لا يريدون ارجاعنا الى العصور الوسطى فقط بل يريدوننا ان نرجع الى الجاهلية الجهلاء ونلغي كل عقولنا وكل عقائدنا وديانتنا وما تعلمناه من الاسلام الحنيف.
      يريدون للاسلام ان يفصل على مقاساتهم وافكارهم التي اصبحت منبوذة من كل الامم المتطورة والمتحضرة.
      يريدون ارجاع الناس القهقرة بحيث الحجر على الفكر والعقل ويسيّروا الناس كالنعاج

    • زائر 21 | 12:49 ص

      سياسات فاشلة ولم تنجح حتي في زمن الكهوف

      يريدون لنا أن ان لا ننكر الظلم والفساد وبالتالي فما لنا الا أن نقول بأن الحسين (ع) قد مات بصعقة كهربائية (أستغفر الله من هذا التعبير) لكي نبرر قتلهم للذين طالبوا بحقوقهم والحر تكفيه الاشارة.

    • زائر 27 زائر 21 | 3:10 ص

      قالها السيد رحمة الله عليه

      ايه نعم مثل ما قالها المرحوم السيد علوي التوبلاني عشان ما يحسس اللي كانو جايين في فاتحة وما يعجبهم ما يقوله التاريخ.

    • زائر 20 | 12:38 ص

      والقهر يبون يسون اجتماع لدورة عن التاريخ في البحرين

      مهزلة والله بربقة

    • زائر 19 | 12:28 ص

      bahraini

      السلام عليكم ،،موضوع حساس ،،سيدنا حصل قبل يومين ان احد المعارف وهو في نقطة التفتيش كان ينظر الى الشرطي بدهشه ،،فرد عليه الاخر بكلمات لا تليق ان ارددها ،،،خلاصة الكلام ،،حتى نظرات الحق تكويهم ،،،شكرا لاعطاء الفرصه

    • زائر 18 | 12:26 ص

      إن الملك لعقيم يا سيّد

      نعم إن الملك عقيم والأسلوب الذي يستخدمه من يخافون خسارته هو الميكيافيلي، الذي لابد أن يكون وبالاً على مستخدمه في الوقت الحاضر. ويا ليتهم يستمعون لنصحك المبذول يا سيّد ففيه راحة لهم ولشعبهم.

    • زائر 17 | 12:23 ص

      صحيح ولكن

      ارحم الله والديك ها انت قلتها أصبح الحديث عن الإمبراطوريات الغابرة التي سادت ثم بادت، جريمةً يُحاسب عليها القانون؟ وانتم كل عام تعيدون وتزيدون عن احداث كربلاء

    • زائر 38 زائر 17 | 6:00 ص

      كرامة كرامة كرامة كرامة كرامة

      نحن لا نعيد ولا نزيد وانما نتعلم من كربلاء دروس الكرامة والحرية والاباء التي يجهلها كثير من العرب حتى أعترفوا بانهم نعاج. هذه هي الحال يا أخي هداك الله.

    • زائر 15 | 12:18 ص

      Well done writer!

      Thank you sayed Qassim Hussain for this article which difinitely touch the wound!! The weel of time is spinning whereas the underdeveloped will be outdated!! All the nations read their history and try to benefit from their mistakes except the arab nation, they read their history just to show off!!
      Busadiq Al-Durazi
      Ottawa-Canada

    • زائر 14 | 12:03 ص

      تسلم روحك سيدنا...خوش مقال...مأجورين

      لقد أسمعت...

    • زائر 13 | 11:48 م

      نصيحه!!!

      خلى الذين تم استدعائهم يسالون الذين لم يتم استدعائهم عن ماذا يتكلمون على المنابر حتى لا يتم استدعائهم اسوتا بالاكثرية من الخطباء

    • زائر 26 زائر 13 | 2:09 ص

      مو محتاجين الى دروس,,,,

      إذا استمر الحال في التدني,,,,,
      قطعاً ستتحول الأكثرية الى اقلية,,,,
      و اذا كان الهدف تطبيق القانون فليطبق على الجميع,,,,
      و اذا كان الهدف تكميم الضمائر,,,,فهو اسلوب قديم,,,,لو بينفع لكان نفع,,,,

    • زائر 12 | 11:45 م

      إلى الزائر رقم 5

      والله إنت اللي ماعندك سالفة وشكلك مو مال جرايد مولية!! الظاهر داش بالغلط موقع الجريدة لأن حتى من يقمعون حرية التعبير يعلمون علم اليقين بصحة كلام الكاتب ولكنها المصالح التي أعمت قلوبهم.

    • زائر 23 زائر 12 | 1:15 ص

      حرية الراى

      يا اخى انت ليش زعلان هذه الدمقراطية والحرية الراى و كل واحد حر فى رائيه

    • زائر 6 | 10:45 م

      اعتقد ان البحرين اضحت سيرك كبير

      فكلما نقرأ خبرا يكون مضحكا اكثر من سابقه يبدوا ان كتاب السناريوات فقدوا البوصلة ويجب تبديلهم لقد ارهقوا على مدى عامين

    • زائر 5 | 10:42 م

      اليوم

      ما عندك سالفه

    • زائر 10 زائر 5 | 11:39 م

      هع

      لان السيد جابها على الجرح فما عجبك الحجي

    • زائر 11 زائر 5 | 11:42 م

      رد الرقم 2

      لوفهمت المقال لما كانت هذة اجابتك ...ولو فهمت التاريخ لما كانت اجابتك ... شريحة واسعة لم تفهم المعني الحقيقي من التغيرات المحيطة بنا ولم تستوعب الدرس ان الزمن سيتغير وان لا يوجد شئ يبقي كما هو لمجرد وجود ارادة للتغير ثم مجرد النظر للوضع الاقليمي عوائل رسالة واضحة ان الالتحاق بتغير امر سيحدث كان اليوم أم غدا ولكن البعض لا يعرف كلمت ماذا فاعل أنت غدأ اكنت معة او ضدة ...ان الأمم لا تنسي الجراح ولا تنسي الماسي . وحركت الحسين أكبر مثال عسكريا هزم الحسين ولكن لنري من انتصر

    • زائر 30 زائر 5 | 3:34 ص

      مقال مو طبيعي

      سيدنا ويش ها المقال العجيب مو مدح فيك بس كل يوم نشوف مقالاتك ترتقي اكثر واكثر من وين ها الاسلوب الى اختزل كل جراحاتنا والامنا فى كلمات بسيطه ومفهومه وسهلت الهضم؟ سيد ياريتك تفتح معهد علشان تدرس الى يطلعون في التلفزيون وتعلمهم شلون ينهضون ويرجعون الناس اتطالعهم .

    • زائر 4 | 10:04 م

      لو استطاعوا

      لو استطاعوا بالتمني من تغيير مفردات القرآن الكريم بكل ما يحمله من معاني في الوقوف ضد التعسف والطغيان والجبروت والجهاد سبيلا لما استطاعوا، فكل الخوف يكون عندما يسأل المرء من الخالق الجليل ،ماذا فعلت في حياتك بعد مماتك الحتمي لصون دينك فبماذا يجيب؟

اقرأ ايضاً