بحلول العام 2012 لم يعد مبعث القلق الرئيس في المسألة السكانية كثرة عدد الناس؛ بل السرعة التي تتزايد بها أعداد كبار السن وتراجع قوى اقتصادية رائدة مثل اليابان وألمانيا. وأخيراً كانت الرؤية العمياء في العام 1962 واضحة. فأوروبا كانت تمثل مشكلة.
ربما تتمكن الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي من تفادي صراع شامل في الأراضي الأوروبية؛ لكن الرفض الفرنسي المنتظر للطلب الذي تقدّمت به بريطانيا للانضمام إلى المجموعة الاقتصادية الأوروبية (وهو ما حدث العام 1963) كان نذير شؤم بما قد يحدث بعد ذلك. ومع ذلك فالرؤية المتبصّرة تصوّر أوروبا وهي تتطلع إلى أهدأ خمسة عقود في تاريخها وأكثرها رخاء بكل تأكيد. وكانت التقديرات الاقتصادية الشائعة في العام 1962 خاطئة في أغلبها. ولحسن الحظ كانت الأخطاء إلى حدّ كبير في الإفراط في التشاؤم. فماذا عن نصف القرن المقبل؟ من اللطيف أن نتنبأ بمزيد من الأخبار الطيبة في مجملها لكن هذا التفاؤل قد ينقلب إلى الضد. أخشى أن أتنبأ بالرخاء فأجد المصائب. ومع ذلك يجب ألاَّ يخشى الصحافيون والاقتصاديون أن يظهروا بمظهر الحمقى وخاصة بعد وفاتهم. ولهذا سأغامر بنبوءة جريئة: بحلول العام 2062 سيكون عالم المال كما نعرفه قد اختفى كلياً. ربما يستغرق الأمر بضعة عقود وبضع أزمات أخرى لكني أعتقد أن الساسة والاقتصاديين سيدركون في نهاية المطاف أن السماح بالجشع في النظام المالي أشبه بالسماح للثعالب بالدخول إلى حظائر الدجاج. ستتضح حقيقة الجشع المالي الذي يتبين في الرغبة في الحصول على عوائد كبيرة لا مبرر لها من الاستثمارات في الأسهم والسندات والعقارات وسيرى الناس أن الجشع المالي عقبة في سبيل التقدم الاقتصادي. فهذه الفكرة ثورية على الأقل بقدر ما كانت فكرة أن أوروبا ستظل مسالمة فكرة ثورية. وستدفع بصانعي القرار لتقرير أن النظام الحالي غير صالح للغرض منه. فالنظرة النقدية لكل جوانب عالم المال من ديون ذات آجال استحقاق وأسعار فائدة ثابتة إلى بنوك مركزية يفترض أنها مستقلة ستوضح أن أدوات كثيرة تقدّم وعوداً بيقين أكبر من الممكن في عالم لا يقين فيه. وهناك أدوات أخرى تسبغ الكثير على الوسطاء الماليين أو أنها ببساطة لم تعد مناسبة للاقتصاد الحديث. وما أن يتضح أن النظام القديم لم يعد يصلح للعصر سيتم اكتشاف وسائل جديدة. فربما تختفي أدوات الدَّيْن بوعودها الخلاّّبة بكل بساطة وتحل محلها أدوات مالية مثل الأسهم لها صفة الدوام في الأساس وتخضع دائماً لاحتمالات الخسارة في القيمة. وربما تتوقف الحكومات عن الاقتراض من أسواق المال فبوسعها طبع النقود مباشرة لسد متطلبات الإنفاق بالعجز. وربما تجد السلطات الاقتصادية أدوات أقوى من سياسة أسعار الفائدة والتنظيم القحّ للبنوك. هل هذا بعيد الاحتمال؟ نعم لكنه ليس أبعد احتمالاً مما وقع فعلاً في السنوات الخمسين الأخيرة.
إدوارد هاداس
خدمة رويترز بريكنغ فيوز
العدد 3756 - الثلثاء 18 ديسمبر 2012م الموافق 04 صفر 1434هـ