العدد 3767 - السبت 29 ديسمبر 2012م الموافق 15 صفر 1434هـ

الكتابة للقصة لها أحساس يحتوينا

القاص البحريني أيمن جعفر في كتابه «أسفار الجحيم»...

أيمن جعفر
أيمن جعفر

في دراسة عن الكتابة القصصية، أجرت الطالبات في كلية الإعلام بجامعة البحرين: رباب عبدالله سرحان، بشرى محمد ناصر، وسكينة عبدالنبي ضيف، لقاءً مع الكاتب القصصي أيمن جعفر، الذي بدأ لقاءه قائلاً: «الكتابة للقصة لها أحساس ورغبة ما، فهناك ثمة أقلام أدبية لها مفهومها في كتابة القصة، فتترجم الكلمات إلى إحساس يحتوينا»، فمع الكاتب أيمن جعفر كان هذا اللقاء:

هل من فلسفة معينة تسعى الوصول إليها من خلال كتاباتك؟

- لكل كاتب هناك فلسفة حياتية وشخصية، الكتابة هي الطريق لإظهار هذه الفلسفة بشكل واعٍ أو غير واعٍ، لهذا بالطبع سوف تظهر إن كان لي فلسفة فيما أكتبه، ولكنها سوف تظهر وتنمو من خلال الكتابة وحينما يكتمل مشروعي الكتابي سوف تظهر هذه الفلسفة التي ما أزال أحوم بها.

قصة «نشيد الأمل» وهي كانت أول بداية لك، لماذا لم تضعها ضمن المجموعة القصصية؟

- قصة «نشيد الأمل» أنا أعتز بها كثيراً وجدّاً، فزت بهذه القصة في مسابقة البرنامج الأسبوعي «حروف وكلمات» بإذاعة البحرين، فكانت أيضاً دافعاً، ولكن بعد المرحلة اللاحقة، كانت القصة الآن تطور مستواها، فكنت أمام شيئين، إمّا أن أستجيب لعاطفتي، باعتبارها القصة الأولى التي أعتز بها وأنشرها مع فارق المستوى بينها وبين القصص اللاحقة، وخاصة مثل ما ذكرت في الكتاب أن هناك قصصاً أعدت كتابتها فكانت مستوى أرفع مما كانت عليه، كان هذا الشيء تحدياً إمّا أن استجيب لعاطفتي ويكون على حساب فنية الكتاب، أو أن أحاول تطوير القصة وأعيد كتابتها مثل ما فعلت مع القصص الخمس الموجودة. ولكن في ذلك الوقت لم أدر المفتاح أو البوابة التي بإمكاني أن أعطي «نشيد الأمل» روحاً أخرى جديدة تنطلق فيها، ممكن أن أبقي على العنوان، ولكن القصة بداخلها لن تتغير كثيراً.

«نشيد الأمل»

ما قصة «نشيد الأمل»؟

- هي عبارة عن حالة يجد نفسه فيها البطل مفرغاً من كل شيء، محاصراً من كل الجهات، ثم يبقى عليه أن يستوقد في داخله الأمل، أو أن يتأنى، أو أن يوجد نشيد الأمل الذي يخرج ويواجه كل هذه الصعاب، هي حالة مكثفة.

بعدها تمددت في القصص، فهذا التمدد يوجب نسج خيوط أخرى جديدة، ولكن ربما أرتضي في القصة الأولى أن يكون هناك بعض التقليد أو التكرار أو الكلاسيكية من ناحية حَبْك القصص، ولكن هذا لم أرتضه لنفسي لاحقاً مع قصص المجموعة الأخرى، لذلك وجدت الأفضل أن أؤخر القصة حتى أن يأتي ربما يوم آخر، لاحقاً أن تتحول فيه لشيء آخر أكثر عمقاً، والقصة تكون أكثر نسجاً بفنية أرقى، لذلك أخرتها اعتزازاً منها وخوفاً عليها.

قد تكون رواية؟

- من الممكن جداً قد تكون رواية، وخاصة أن موضوع الأمل واستيقاظ الأمل، من أكثر الموضوعات التي أحب أن أكتب فيها، لأنه موضوع راهن وباقٍ، والدراسات النفسية الحديثة تركز على أن هذا الموضوع له أهمية ونحن غفلنا عنه، الأمل ليس شيئاً مجرداً نقوله ونمضي، وإنما هو فلسفة وطريقة حياة، لا أريد أن أدخل في مداخل، ولكن بالفعل الموضوع يغري للكتابة، فربما يكون مشروع رواية.

من هم أهم الأدباء الذين تأثرت بهم في مشوارك الإبداعي؟

- أدباء كثر، وأنا أعتقد بأني مدين لكل من قرأت سواء أعجبوني أم لم يعجبوني ولكن ثمة هناك من الأدباء مَن يرسمون أمامنا دروباً معينة أو يجعلوننا أمام تحديات على الصعيد الفكري والثقافي والكتابي أيضاً، أذكر منهم إيزابيل أيندي وماريو بارغاس يوسا... الأغلبية للأجانب، دعونا نعترف بصراحة بتفوق الأدب الأجنبي على العربي، ومن أدبائنا العرب معجب جداً بيوسف سويدان وبإبراهيم نصر الله وعبدالرحمن بومنيف، ولكن يبقى الميل الأكبر للأدباء الغربيين.

الإصدار الأول من كتابك يحمل اسم إحدى القصص، وهو «أسفار الجحيم»، لماذا اخترت هذه القصة لتحمل اسم المجموعة القصصية مع رغبتك في عنونتها بـ «مرافئ السحر»؟

- كان العنوان المسبق «بمرافئ السحر»، وكانت القصة تحمل من التأويلات الكثيرة، وأنا اجتهدت جداً في كتابتها، أيضاً العنوان «مرافئ السحر» أكثر شاعرية وإعطاء مساحات أمل، فكان يناسب جو إصدار أول، ولكن «أسفار الجحيم» كانت طاغية ربما، لأنني أرهقت وأنا أكتبها، أكثر من شهر كامل وأنا أكتبها، موضوعها هو الموضوع الأعمق في قصص المجموعة، والأكثر إلحاحاً وأهمية، جعلتني أعيد النظر في العنوان.

قبل «مرافئ السحر» وضعت عنوان «شذا الأيام» ثم استبدلته «بمرافئ السحر»، ولكن بعد ذلك، وجدت أن الأنسب فعلاً، إذا كان عنوان المجموعة هو سيوجه الأنظار للقصة داخل الكتاب، وباعتبار أن هناك سؤالاً بديهياً «لماذا عنون الكاتب الكتاب باسم هذه القصة»، ليس لأجل العنوان فقط، «أسفار الجحيم» لم يكن العنوان الأجمل، ولكن هناك شيء آخر لو مضيت خلف العنوان فقط، فسوف أهضم حق القصة، ولكن وجدت أنه ممكن من خلال العنوان أن يكون بوابة للتركيز على القصة التي تطرح الموضوع الأعمق وكان موضوع قصة «أسفار الجحيم»، ولذلك فضلتها في المرحلة الأخيرة وكان اعتمادها على هذا العنوان.

لاحظنا اهتمامك بذكر التواريخ والزمان عند الانتهاء من القصة، فكيف يؤثر هذا الأمر على القارئ؟

- يؤثر على القارئ من ناحية تتبع لمسار تطور الكاتب، ومن ناحية نقدية يتاح للناقد ويتاح للقارئ، أن يقف على أين تطور هذا الكاتب من قصة لأخرى من فترة لأخرى، أو أين وقع في مطبات أو تراجع مستواه. أو هل الفارق الزمني القريب أو البعيد أحدث أثراً، هناك قصص كتبتها بفارق ضئيل، وهناك قصص كتبتها بفارق طويل، وأنا لا أخفيكم أنا شخص مقل في الكتابة لأن أحرص دائماً على اشتغال على النص مدة أطول، أخلص مع النص لذلك أبقى معه، مع أنه هناك أفكار دائماً موجودة، أفكار كتابة جديدة، ولكن حتى أرضى عن ما أكتب بشكل نهائي، اشتغال كتابي يكون دائماً بجهده أقل من مستوى الزمن التي أرضى فيه عن النص.

من خلال كتاباتك، نلحظ استخدامك مجازات من الطبيعة بكثرة، ما الفلسفة الكامنة وراء ذلك؟

- الفلسفة لغوياً، التشبيه أو الاستعارة، والذهاب إلى الشيء الأقرب لإعطاء المعنى المضاف، نحن نذهب للطبيعة مثلاً للتأكيد على البحر، للتأكيد على الكرم أو للتأكيد على الغرق، أي معنى كان، ولكن لأن الشخص يرى شخصاً عياناً، يرى البحر عياناً مباشرة، فيعي، ما شعرت به وأنا أكتب، ولاسيما عن أكثر الأشياء تجريداً، أي بالمعنى المجرد، مثل الأمل، الحزن، الحنان، نستطيع التعبير لغوياً من خلال هذه الطبيعة، وهو سوق كلاسيكي قديم، ولكن بلغة حديثة محدثة، نستطيع دائماً أن نعطي المعنى المضاف، فكان وجود الطبيعة من هذا المنطلق، الأخذ من الطبيعة بما يمكن لها أن تتيحه لنا من الغنى في الدلالة والمعنى، وأيضاً لمساءلة هذه الطبيعة، لم تكن دائماً صوراً مباشرة في الطبيعة، أي أن هذا البحر هو البحر فقط، وأنه من الممكن أن يكون «بحر الليلك» مثلاً، «بحر الياسمين»، وهذا يكمن خلف أيضاً فلسفة فنية، أنا مع الاتجاه الحديث في الكتابة الذي يرى على جمع المتناقضات، أو جمع الأشياء التي قد لا تتشابه، وإنما تتشابه على أساس الإحساس حينما أقول بأن «القمر يسبح»، وحينما أقول بأنك «من حقك الغرق في مجرات الياسمين»، فهذا يكمن خلف الإحساس وليس تجريداً لغوياً، وهذا ما يقع في فخه الكثير من النقاد، حينما يأتي وينظر أين المتشابه بين مجرات والياسمين؟، وهل يغرق الشخص في مجرة؟، قياس المسألة كيميائياً أو بمنطق رياضي بحت، في الأدب نحن أمام الإحساس، هذا أولاً، ومن هناك تنطلق لغتي الشعرية التي أكتب فيها القصة، تنطلق من هذه الرؤية، أنطلق في الكتابة لغوياً من خلال هذا المنظور «الإحساس»، أركز أيضاً على إعطاء الإحساس مساحة كبيرة على حساب الحدث في كثير من الأحيان، بأن هنالك قصصاً في كتابي الأول موجودة ترى أن فيها الإحساس بوصف الحالة النفسية للبطل أكثر من الحدث نفسه، وذلك أيضاً بفلسفة أؤمن فيها في مجال الأدب، بأننا لسنا بحاجة لنقول ما الحدث وتداعياته فقط، وهذا كان الارتجاف في بداية القرن العشرين، الحدث، ما الذي يحدثه، الحدث وتداعياته، ولكن انتقلنا بعدها في القصة الحديثة إلى ما هو أبعد للقصة التي تحدث أثراً في داخلي نفس الوطء، البحث في نفس الإنسان، بعد بدايات القرن العشرين، كان اتجاه القصة استمر وتطور، البحث في الذات وليس في الحدث، الحدث يأتي هامشي عرضي، ولكن مافيه الذات، كثير من الأحداث التي نراها اليوم، الحدث المباشر ليس بالسبب الذي يستدعي كل الحزن أو كل الفرح الذي يحدث في ذاتنا، ولكن ما السبب؟ نبحث في الذات، نجد ما ارتباطاته السابقة واللاحقة؟

الفصة والتكنلوجيا

برأيك، هل قراءة القصة في هذا العصر الذي غزته التكنولوجيا تلاقي رواجاً ومتابعة من الجماهير؟

- هذا السؤال يتكرر دائماً، وللأسف يتكرر أكثر مما يتكرر في عالمنا العربي، أنا مطلع بشكل جيد على الآداب الأجنبية، وأجد بأن هذا السؤال لا يسأل؛ لأن القصة لها مسار ولها قراؤها، وللرواية وللشعر وللكتاب الورقي، نعم في الغرب أثير هذا السؤال حول الكتاب الورقي والكتاب الإلكتروني، وتمت الإجابة عليه بقليل من القلق، بأن الكتاب الورقي موجود، وحتى نتخفف من الآراء نذهب للإحصائيات، لنجد بأن الإحصائيات تؤكد بأن سوق الكتاب الورقي في الغرب بخير، ويكفي أن تصدر رواية لكاتب مشهور أو حتى أقل شهرة، لتجد أن رواياته قد بيعت في وقت قياسي، ولكن نحن العرب لأننا أساساً مازلنا أمام مشكلة القراءة أولاً، لذلك نذهب إلى هذا السؤال، التكنولوجيا، ونصنع لأنفسنا وهم التكنولوجيا، هذا السؤال تكون خلفه فلسفة عربية موجودة، نحن بتنا أمة لا تقرأ للأسف، ولأننا بتنا هكذا، نتذرع بالتكنولوجيا، نتذرع بما تحدثه هذه التكنولوجيا.

ويضيف: التكنولوجيا عامل مساعد ومسهم في القراءة وليس العكس، وأيضاً فيزيائياً الكتاب الورقي يعطي مجالاً، القصة لا تختلف عن هذا الإطار، القصة نعم هي الآن في مرحلة خطيرة وحساسة جداً أمام ما تفتحه الرواية من مجالات، الرواية اكتسحت القصة القصيرة وكثير من كتاب القصة ذهبوا إلى الرواية، وكثير من الشعراء تحولوا إلى الرواية، فالرواية اليوم أدبياً هي الرقم الأول، وهي حلم أي كاتب.

ويقول في مجمل حديثه: أنا لا أنكر هذا الشيء أنا أكتب القصة، ولكن أعرف بأنني أكتب القصة مرحلياً، وأن في يوم ما، سأقرر الذهاب إلى الرواية، ليس ذلك تقليلاً من شأن القصة، ولكن أيضاً لنعترف بأن الرواية تفتح مجالات أرحب، ثم أن هنالك المقروئية، في عالمنا العربي نعم هناك انجراف تام نحو الرواية، وهو عالمياً موجود، ولكن عالمياً هناك مساحة لكتاب القصة، لا نجليها بصورة مقاربة في عالمنا العربي، هذه من المشكلات حتى لا أكون أرسم صورة وردية تماماً عن القصة والمقروءة، هذا الشيء موجود، ولكن القصة ستبقى ولكن هي في مأزق، كما كان الشعر في مأزق، عليها أن تطور أدواتها، أنا مؤمن تماماً بتداخل فنون الآداب.

كيف تقيَّم القصة القصيرة في بلادنا... وكيف يُنظر إلى النقد المحلي؟

- القصة البحرينية مرت بمراحل، هناك تجارب في السبعينات، كانت تجارب في أغلبها مميزة، تجربة محمد عبدالملك مثال، ولاسيما في مجموعته القصصية التي مازلت أذكرها جيداً «موت صاحب العربة»، ثم مرت بمراحل قليلاً من الانحدار، التجارب القصصية الحديثة، هناك بعضها جيد جداً، وبعضها مازال يتلمس الخطى.

ويضيف: المشكلة ربما بالتفاوت في هذا المستوى يعود إلى منطق التجريب، أصبحنا ربما نذهب نحو التجريب في الأعم الأغلب دون وعي تام بماهية التجريب، هل أجرب في كتابة القصة لأجل التجريب، لأقول بأنني جربت أن أفعل وهذه تجربتي، هذا الرأي موجود، أو أن أجرب شيئاً جديداً ولكن بوعي تام بما يحدثه هذا التجريب، وأنا أقدم التجربة وأنا على اطمئنان، من أنني جربت شيئاً ما جديداً جديراً ويضيف للقصة، هذا هو السؤال. أعتقد أننا إذا انطلقنا من هذا المنطلق النقدي، سوف نفهم لماذا تفاوتت المستويات الفنية في كتابة القصة تحديداً وحتى على المستوى الأعم في كتابة الأدب عموماً لدينا في واقعنا البحريني، أجد بأن ثمة ميلاً عند الأغلبية للتجريب لتجربة شيء جديد، وهذا الشيء هو الذي أثر تأثيراً كبيراص وفادحاص في المستويات الفنية، ونحن حينما نضع أنفسنا أمام رهنة التجريب، فنحن في خطر ومغامرة.

ويقول: ربما هذه التجربة اليوم فشلت ونتداركها غداً، ولكن في المجمل المستوى يكون متفاوتاً، ولكن حينما أجرب بوعي، وتنجح التجربة أو تقارب النجاح، فإنني سوف أؤسس عليها نجاحاً آخر وتجريباً آخر أكثر وعياً، هذا ما أستطيع قوله بشكل تجريدي بعيداً عن ذكر الأسماء أو تجارب، ولكن بشكل عام هذا ما لمسته نقدياً من خلال قراءاتي لأغلب من كتبوا بحرينياً في مجال القصة القصيرة، وأما عن النقد المحلي فأنا أجد بأن هناك تجارب، هناك محاولات، ولكن مازلنا بعيدين جداً جداً عن ملامسة واقع نقدي حقيقي، لا أدّعي هذا الشيء.

ويضيف: من منطلق دراسة أكاديمية، أستطيع القول بأن ما كتب نقدياً في بعضه جيد، وفي أغلبه بعيد تماماً أو جداً عن روح النقد الأكاديمي، هناك قراءات انطباعية تسمى نقد، وهذا الشيء خطير جداً على مستوى النقد المحلي، حينما قررت أن أكون أكاديمياً، وحينما أصدرت كتابي الأول كنت لا أزال طالباً، فذهبت بكتابي واستمعت لآراء نقدية محلية، في أعمها الأغلب كانت آراء انطباعية، ذوقية، وتفتقر في أغلبها لأسس النقد، إلا على أساس النقد القديم الكلاسيكي، بما أن القصص تتكون من حدث وزمان ومكان وشخصيات، مما يدرس للطلبة في مرحلة الإعدادية.

ويذكر: هناك شيء آخر هناك مستجدات وبنية الكتابة وفي طريقة معالجة النص وفهمه وقراءته، نقدياً هناك مناهج حديثة الآن استحدثت، ولكن الواقع أنهم بعيدون عنه ولم يطلعوا ولو على جزء يسير منه، وهنا تكمن المشكلة لأننا إذا كنا في قراءاتنا نرتكز على ما هو عادي ومسلّم به ومتجاوز منذ زمن بعيد، فعن أي واقع نقدي نتحدث، هذا لا يعني أنني أرسم صورة سوداوية أو محبطة... ولكن الأعم الأغلب أو الأكثر الموجودة حالياً بهذه الطريقة، ونحن بحاجة إلى نقاد يكونون ذوي تأهيل أكاديمي صحيح وقادر على قراءة وتقويم التجربة أو التجارب الإبداعية المستجدة لنظرة حديثة لا أن نرتكز على ما هو موجود مسبقاً وتم تجاوزه مثلما ذكرته سابقاً، أو أننا نبقى بمنظور الناقد القديم.

ماذا عن الكاتب منذر عياشي؟

- الدكتور منذر، هو أستاذي العزيز، والحي الذي لا أجرؤ أن أتكلم فيه، وأي كلمة سوف أقولها بحقه، سوف تكون دائماً أقل بكثير جداً، هو كان من الأشخاص الذين شجعوني في مرحلة كنت أشد ما أحتاج فيه إلى التشجيع، لذلك حينما تقدمت له بقصة «أسفار الجحيم» لينتقدها، يومها ارتعبت جداً أمام انتقاده، وأنا أعرف بأن انتقاده ماذا يعني، ولكنه عجب بالقصة ودفعني ودعاني لجلب أي قصة أخرى أنا كتبتها، فكان هذا الدعم هو ما حفزني، لأن أدعوه أن يكتب لي التقديم، لم يمانع فكان مرحباً جداً، فضلاً عن ذلك كتب المقدمة برؤيته الخالصة، وتجمعني به أحاديث من وقت لآخر، عن أي نص كتبته من باب الاستئناس برأيه، فالاستفادة تكون سلبية أكثر مما تكون إيجابية، ولكن مع المودة الموجودة، هي تحدث أثراً إيجابياً، فأعتز جداً بما كتبه عني منذر عياشي، وبما يفتحه لي دائماً من مساحات حوار رغم وقته الضيق لمناقشة قضايا مهمة في الكتابة والقراءة وأحدث الإصدارات وما يتلو ذلك من مشاريع أحياناً أن أكون متردداً بشأنها.

الرواية في المنتديات

الرواية في المنتديات الإلكترونية طرف خاسر كما يقولون، فهل تملك وجهة نظر أخرى بهذا الشأن؟

- بالطبع طرف خاسر، لأنها لم تعمل على إعادة إنتاجها بطرق أخرى، أنا لا أميل كثيراً إلى العامية، ولكن حين نكتب أدباً من وجهة نظري ما لم يكن شعبياً مثل ما كتب من قصائد وأهازيج بالعامية يعتبر أدباً شعبياً، لكن اليوم في عالم الإنترنت أنا لا أرى هناك ضرورة لوجود أدب يكتب باللغة العامية، لا أتوقع أن ثمة شخصاً لا يستطيع أن يكتب باللغة الفصحى في أبسط الأشياء، دعه يخطئ في النحو ولكن ليكتب باللغة المعتدلة لغة الصحافة الموجودة أو حتى أقل منها بقليل، ولكن أرى أن الفصيح هو ما يعطي أكثر من العامية، ليس هذا تطرفاً، وأنا شخص قريب من عالم الإنترنت وأشرفت على عدة منتديات أدبية وثقافية، حتى حينما حررت القصص القصيرة في مجلة «أقلام» الإلكترونية على المستوى العربي، كانت تضع بعض القصص باللهجة العامية كـ «الفلسطينية والجزائرية وعليَّ أن أفهم ما يكتب، فوضعت من ضمن قوانين المكتبة، لا تنشر أي قصة باللهجة العامية.

ويضيف: أجد الأدب العالمي الذي ينشر على المنتديات والمواقع الإلكترونية خاسراً لأنه أمام تحويل وأمام وعي يمتد باللغة الفصحى التي يفترض التعبير عنها، أيضاً من ضمن السياق ما نجد ما يكتب اللغة الإنجليزية المعربة، تعتبر خطورة على اللغة وخطورة على التكوين الفني والأدبي واللغوي للأشخاص لمتكلميها ومتلقيها، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تنسلخ من لغتنا الأساس وأن نجيد التعبير عن أنفسنا تماماً مثلما في علم اللغة. هذا الشيء موجود، الإنسان هو ابن لغته مازلنا نتغير من لغتنا الأساس نحو لغة أخرى؛ فنحن قمنا بعملية تزييف لوعي أو تشويش على ما نعي تماماً.

علمنا أنك بصدد طرح كتاب جديد، حدثنا عن هذا المولود؟

- نعم هناك كتاب جديد بعنوان «دفاتر البحر والموت» وسيصدر قريباً إن شاء الله، وموضوع في المطبعة العامة يتخذ إجراءاته. هذا الكتاب أعتز به كثيراً باعتبار أنه بعد تجربة الكتاب الأول الذي استغرق مني أربع سنوات، هذا الكتاب استغرق مني خمس سنوات، بالفعل ودون مبالغة هذا الكتاب استنزف الكثير من الجهد لأنني بحثت فيه عن شيء آخر جديد ولأنني على المستوى الثقافي والأدبي تطورت كثيراً والكتاب تطور كثيراً وكان لابد لهذا الكتاب أن يعكس هذا التطور، حاولت أن أجرب أسلوباً جديداً في القصة القصيرة والتأسيس على ما وجد في الكتاب الأول من خلال البنى والتقنيات الجديدة، اتكأت أيضاً على جمل ومعارف ممتدة أعتقد بأنها تضيف للكتاب مثل الأساطير وهذا الموضوع أعتز به جداً ولا أبالغ حتى معظم الأساطير قرأتها في فترة متقاربة ومن أكثر من مرجع لأصل لما أريد أن أصل إليه في كل قصة، أتماهى، مع بعض الأساطير لأجل أن أرى إلى أين يأخذني المسار أو أين يمكنني في هذا القصة أن أوظف أسطورة ما، وكيف سأعمل على توظيفها ومعالجتها. فهذا الشيء استنزف جهداً. أيضاً القصص اتخذت طابع الطول، أطول بكثير من القصص الموجودة هنا فاكتفيت بالكتاب بخمس قصص فقط ومقدمة. المقدمة قصصية ولكن تشمل ما يفوق 200 صفحة... فعلى الصعيد الكتابي قبل صدور الكتاب نهائياً ونشره في الأسواق، أعتز بالتجربة لأنها قصص (أعي تماماً بأنها قصص قصيرة) بأنها تؤسس بالفعل لاختبار مدى نفَسي الروائي وهي لذلك أعطتني دافعاً لأبدأ كتابة الرواية وهو ما فعلته حديثاً.

أخبرنا عن تجربتك الأخيرة في معرض «تاء الشباب»؟

- تجربة تاء الشباب كانت تجربة مميزة على الصعيد الشخصي وتجربة غنية جداً، جربنا عدة فعاليات، طبقنا عدة أفكار، أنا كنت سعيداً جداً بالفعاليات التي قدمت من ناحية المستوى الفني. سعيد بتجربة حائط «ثلاثي الأبعاد» لأنها المرة الأولى التي يحدث فيها هذا النمط في البحرين. كانت على بساطتها تجربة مميزة في البداية.

جربنا عمل حائط ثلاثي الأبعاد بالمنظور الثلاثي الأبعاد واختبار ما سوف يؤول إليه، لوحة الكولاج هي فكرتي أنا، بطاقات الهاتف، لنعبر عن الفن بطريقة أخرى، لأن هذه الأشياء البسيطة المهملة (والمرمية) ممكن أن نستغلها في لوحة تعطي منظوراً آخر ولا نعود ننظر للمادة الأساس بالنظرة الدونية.

ويضيف: من حضروا في الفعالية لم يعودوا لينظروا من بعيد لهذه البطاقات لأنها بطاقات «سمسم» وإنما رأوها وحدة لونية موجودة. أيضاً هناك تجربة أعتز بها جداً، معرض «من قبيل الكلام» والذي جمعت فيه الخط مع الصورة، كانت هذه فكرتي وكنت أود البدء بها في الجامعة، ولكن كان في «تاء الشباب» فرصة - مساحة حرية - أكبر لطرح الموضوع.

ويقول: اخترت مجموعة من المصورين وأخذت أرشيفهم من الصور، وزملائي الإداريين لا يعلمون ماذا سوف أفعل في هذا المعرض من ناحية الخط مع الصور، تكتمت على الموضوع؛ ليس خبثاً أو دهاءً وإنما للمفاجأة.

ويضيف: الفكرة لديَّ واضحة وأحتاج إلى عنصر المفاجأة والمباغتة. فجمعت الأرشيف، وقمت باختيار الموضوع من خلال الصور، ولكن وجدت موضوع الطفولة الموضوع الأغنى؛ فاخترت الصور وأرسلتها إلى المطبعة، وبعد طباعتها صنعت أحباري ومع كل صورة كانت الأفكار تبدأ تنضج، فعملت على الصور والحمد لله نجح المعرض نجاحاً جيداً، انتقل لثلاث مراحل: المرحلة الأولى في باب البحرين حيث كان الافتتاح في مجمع السيف في جناح «التاء» ثم بعد ذلك في درة البحرين.

ويقول: أيضاً هناك أحاول أن أحفظ حقي الفني، باعتبار أن هذه فكرتي وأول مرة تُطبَّق، وحتى من طبقوها سابقاً ليس في البحرين، ولم يطبقوها بفكرتي، فقد طبق الخط والصورة بطريقة... ولكن أنا عايشت الموضوع بطريقة أخرى، فمن حقي أن أدعم هذا الشيء، هو معرض أصبح في «التاء» فعلاً هو أول مرة يحدث ولكن أفكر أن أعممه في أماكن أخرى، سوف أرى الأمر وسوف ينتقل إلى مكان آخر، وأيضاً سأطبق نفس الفكرة لأحفظ لنفسي هذا الحق... أنه خطاط ويعمل مع مصور لأجل صورة مع خط، ثم في النهاية نذهب في إشكالية... من بدأ هذه التجربة؟ هذا الشيء أخشاه، الشيء الآخر أيضاً؛ من حق هذا المعرض ومن حق هذا الأسلوب أن ينتشر على نطاق أوسع من نطاق التاء، فما دامت هذه الطريقة ممكنة فأنا أجد بأنه يمكن لنا أن نعطي مساحة أخرى تكون من خلالها الرؤية الفنية أوسع.

ويضيف: هذه التجربة بالفعل كانت أمنية لي في «تاء الشباب»، أيضاً تحفزني للمواصلة والتجارب التي عملنا عليها أيضاً واعدة... «حائط ثلاثي الأبعاد» أيضاً واعد... لوحة الكولاج واعدة، ومعرضي الذي أعتز به جداً أيضاً واعد على مستوى حتى على مسيرتي الفنية سوف ينقلني إلى مساحات وآفاق أرحب انطلاقاً من هذا الأساسيات. يعني دخلت من خطاط في إطار اللوحة بخط فقط، إلى العمل المشترك مع المصورين، أشتغل على الصورة بالخط العربي ثم بعد ذلك أيضاً هناك معرض «حقيبة» الذي كان في «التاء»، ومعرض مشترك مع الفنانة رنوى... سوف نقيمه بعد فترة وهو عبارة عن معرض mix multimedia يعني هناك رسم باعتبارها هي رسامة، هناك خط باعتباري خطاطاً، وهناك نصوص شعرية مشتركة باعتباري أكتب الشعر وهي شاعرة أيضاً... نشترك في النصوص، نشترك في اللوحة، وهناك الحقيبة ذات الحقيبة (سواء نسائية أو مدرسة أو حقيبة الطبيب) بالإضافة لأشياء أخرى، أيضاً نعمل ولكن نحن بحاجة إلى مزيد من الوقت لينضج العمل بصورة أكثر وإن شاء الله سيكون بالفترة القادمة.

العدد 3767 - السبت 29 ديسمبر 2012م الموافق 15 صفر 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 12:42 ص

      موفق يارب ...... اترقب اشتري كتابك...

      افتح باب منزلي كل صباح و اخرج,انسى ما فات بمعنى مضى ماضي و تجدد يوم جديد على نفسي.....الامل كلمة رائعه حتى في قولها تشعر تفرحك من الداخل,من فتح باب منزله صباحا و خرج فقط بجسده فهو تعب نفسة بلخروج!بمعنى تفتح الباب لتغلق ماضي وراك دعك تجدد كل يوم تنفس بعمق و تفتح ليوم جديد كانك مثل الزهور كانه ترى الشمس لاول مره, لا تقول في فكر امس الاحد و اليوم الاثني و كل يوم مثل بعض لا هذا انكسار بنفس و تعب انت لا يتغير اسمك كل يوم!اضحك ودع كلمة امل امام عينك لتحقيق هدف...حره

اقرأ ايضاً