العدد 3773 - الجمعة 04 يناير 2013م الموافق 21 صفر 1434هـ

أمَا وقد حَكَمَ الإسلاميون... فماذا بعد؟

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

مَضى عامٌ وجاء آخر. هل في هذا جديد؟ للوهلة الأولى، يمكننا أن نرى الجديد، في الرقم الذي على يمين الألفيَّة، وقد تبدَّل من اثني عشر إلى ثلاثة عشر. هذا هو التغيُّر الآلي للزمن. لكن، ماذا عسانا أن نجرِد من أشياء في هذا الرقم المنصرف؟ باعتقادي ان أهم تساؤل هو: كيف كنا في ذلك العام؟ نعم... إنه تساؤلٌ مشروع. كيف كان حالنا بعد أن شهِدنا قبل السنة الممحوقة، وفي بحر أشهر، انهيار ما تسالَمَ عليه نظرنا وزماننا وتتبعنا الخبري، طيلة أربعين عاماً. فدولٌ كتونس، مصر، ليبيا، اليمن، لم نعد نسمع فيها عن بن علي، ولا عن مبارك، ولا عن القذافي ولا عن علي عبدالله صالح.

هو عام الأفول بامتياز. وما أعقبه هو عام الظهور. ظهور سلطات جديدة. هي ليست أي سلطات. إنها الجماعات التي كانت تُداس تحت أقدام الآفلين، وبالتحديد، الجماعات والأحزاب الإسلامية. تحديها الأول هو الإجابة على هذا السؤال: هل ستأتون بحكم جديد، أم أن الأمر سيَّان؟ بالتأكيد فإن عائقهم الأول هو أنهم في مواجهة الإرث القديم ذاته، والسياسة، التي لا تعني سوى القذارة، فمن أين يا ترى سيكون حكمهم مختلفاً، وعطاؤهم زاخراً ومستقبلهم زاهراً؟ يضاف على كل تلك التحديات، أن سياساتهم محكومة بجغرافيا هم يسكنون جوفها.

وهذه الجغرافيا وهذه البلدان التي يحكمونها هي ليست أي بلدان. إنهم في أتون «الأزمات السياسية العالمية» الكبرى. ثم إنهم في بؤرة صراع العالم على منافع الأرض.

الإسلاميون اليوم، باتوا يحكمون بلداناً (كانت ومازالت) تسوس أمرها على وَهَج مصالح العالم. أليست تونس، الطبعة العلمانية الأهم للمشروع الفرنسي، في الشمال الإفريقي؟ أليست مصر، هي وازن العرب، المتضمنة، تاريخهم الطويل للصراع مع الصهيونية والتحرُّر؟ أليست ليبيا، هي لغزٌ لايرلندا (الصراع)، ولأميركا (الخصومة)، ولافريقيا (التسيُّد) وللعرب (التناقضات)، وللأحزاب (الدسائس)، ثم لجنوب أوروبا (النفط)؟. أليس اليمن، هو مَنْ يرقص على رؤوس ثعابينها مخزون السلاح القبلي، ومشهد الانفجار الهائل، واشتعال جنوب شبه الجزيرة؟ هذه هي دولنا، وهؤلاء هم مَنْ سيحكمونها. لذا، فإن التساؤل الذي يجب أن يُطرَح، هو ماذا عساهم أن يفعلوا بعد أن كَنَسوا مَنْ قبلهم؟ هل ستتبدَّل السياسات، والتحالفات، والمؤامرات، والمهاترات، والنزاعات؟ أم أن الأشياء ستبقى على ما هي عليه، ليبقى مقدار التبدُّل شكلياً؟ هل ستظلّ تونس في قوس الفرانكفونية؟ وهل ستظل مصر حليفة للولايات المتحدة، ومتصالحة مع «إسرائيل»؟ وهل ستبقى ليبيا بوابة للإيطاليين؟ وهل سيبقى اليمن ساحة للقاعدة، تجول فيه الطائرات الأميركية دون طيار؟

والأهم هل سيبقى ما بداخل تلك الدول مستعراً. هل ستبقى القبيلة في ليبيا وتونس واليمن، والمسألة القبطية في مصر؟ هذه هي أسئلة الضرورة.

الحقيقة، أن هذا التساؤل هو ما يتوجَّب علينا أن نبحث له عن إجابة وافية.

فما نراه اليوم من صراعات داخلية في الدول «المتغيِّرة»، هو أمرٌ طبيعي، يعقب كلَّ تغيّر عمودي في الدول. حَصَلَ ذلك في فرنسا (1789)، وروسيا (1917) وإيران (1979) وحتى أجزاء من أوروبا الشرقية بعد العام 1991.

لكن ما ليس بطبيعي، هو عدم إدراكنا لمعنى السلطة. فنحن لا نملك موروث دولة شيَّدتها الأفكار، وإنما نثارٌ من بقايا حكم قديم أو دُوَيْلِي (إلا ما ندر). وحتى عندما قامت الامبراطورية في تركيا، فإنها كانت «عثمانية».

وفي إيران كانت «صفوية أو قاجارية». وفي مصر كانت على يد «محمد علي باشا». نحن لا نملك معياراً تاريخياً للدولة الحاكمة.

السبب، هو أننا لم نصنع لأنفسنا «تاريخاً للأفكار». وعندما افتقدنا ذلك التاريخ، صار أمراً طبيعياً أن نفتقد إلى «التواصل بين الأفكار». أفكار الحقب المتوالية ونتاجها. لقد كان الاستبداد حاكماً بشكل مطلق على بلداننا. وكان المفكرون يُقتَلون. وأفكارهم تُوأَد، والذي لم يُقتَل أو تُوأد أفكاره بالسيف، كان له ذلك بالانكفاء والانهزام، لأن المشاريع كانت «سلطوية» بحتة. فكانوا أمام خياريْن: إما «التسلطن» أو «الموت» في سبيل الإيمان بالأفكار والمعتقدات.

حتى تراثنا، المتناثر، الذي لم يجمعه سياق منتظم، اضطلع على تفكيكه وترجمته وإعادة قراءته المستشرقون. كيف يُمكن لهنري كوربان أن يُحقق في المؤلفات الفلسفية لشهاب الدين السهرودي؟ وكيف لانا ماري شيمل أن تؤلف في الصوفيَّة الإسلامية؟! حتى إلهيات شفا والمبدأ والمعاد كَتَبَ فيها من غير العرب. لماذا كان أولئك ولم نكن نحن؟ عندما قامت الثورات في الغرب، وسقطت أنظمة الاستبداد، كان لديهم (فضلاً عن روسو وأضرابه من جهابذة الفكر) الفلسفة ما قبل السقراطية، ولديهم نظرية المثل، ونتاج الكوبرنيكية والميكيافيللية والهوبزية، والمذهب العقلي والتجريبي والليبرالية والبراغماتية والديالكتيك، ولاحقاً الاشتراكية والفاشية، ثم حلقة الاتصال بينها جميعاً.

كان الغربي يبحث عن كلِّ شيء يمكن أن يحتاجه مفهوم الدولة عنده، وسبل تطوُّر المجتمع لديه. لنا أن نتخيَّل، أن شخصاً كمارسيل موس، وهو من أعظم علماء الاجتماع، قام ببحث قد لا يدير له أحدٌ بالاً، يتعلَّق بشكل التبادل وعلته في المجتمعات القديمة. وهو بحث قُصِدَ منه تحليل أشكال السوق، قبل ظهور التجار والعملة، ثم مكانة الأخلاق والاقتصاد في تلك العملية التبادلية. وكان يؤكد ضرورة فهم المجتمعات المعقدة من خلال دراسة المجتمعات البسيطة.

لقد بحثوا في كلَّ شيء، وراكموا كلَّ شيء. حتى الأفكار الشيوعية، التي حاربتها أوروبا وأميركا بِهَوَس شديد، لدرجة أنها سقطت في «المكارثية»، باتت مادة دراسية، يتم تعلمها في الجامعات الغربية. أما نحن، فمازالت دولنا وأنظمتنا السياسية تستحي أو تخشى أو تتمنع من ذكر عنوان ما، في صحيفة يومية، فضلاً عن بحث محكَّم، يتم طرحه للنقاش العام!

لا أملَ في دول جديدة إلاَّ بأنساق جديدة للأفكار لنبدأ بها مراكمة فكرية. هذه هي علة تطورنا وحسب.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3773 - الجمعة 04 يناير 2013م الموافق 21 صفر 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 4:09 ص

      اصحاب التفجيرات

      استاذي الكريم . هؤلاء الذي يفجرون انفسهم في النساء والاطفال والمسنين كيف لهم أن يفهموا انهم بشر فضلا عن انهم سيدركون من هو ميكافيلي وهوبز وموس . هؤلاء هم شرار الخلق فكيف يمكن ان ينتجوا دولة عدل . شكرا

    • زائر 5 | 12:57 ص

      عبد علي البصري

      وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا تلك الطريقه المحمديه السمحاء لو ان الناس استقاموا عليها لأخرت الارض خيراتها ، لانه سيكون عدل سيكون امن سيكون ازدهار سيكون العلم والوئام وسيكون وسيكون ...... ولاكن البشريه ابت الى قتل الخيرين من الانبياء والاوصياء والذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ،

    • زائر 4 | 12:45 ص

      فنحن لا نملك موروث دولة شيَّدتها الأفكار،

      صحيح الدول السابقه المسميه بالدوله الاسلاميه لم تكن دوله عدل وأفكار دول ظلم وتسلط وجبروت بس ، هذا لا يعني ان ليس هناك فكر متأصل تقبله الارض والسماء يعني الشريعه الاسلاميه و الفطره الانسانيه . نعم هناك موروثات اسالميه اصيله للحكم . حديث ذو شجون !!!هذا حضنا يا محمد عبد الله !!! ويش انسوي .؟؟

    • زائر 3 | 12:05 ص

      عبد علي البصري ((فهل سيأتون بحكم جديد))

      اظاهر انك ما قريت تراثنا الاسلامي ؟ وكأنك ولدت في احضان الثقافه اليونانيه والاوربيه عموما أو الامريكيه . حتى بت تستشهد بهم ناسياالفلاسفه الاسلاميين أمثال ابن سينا وأبن رشد والسيد الطباطبائي صاحب تفسير الميزان والسيد كمال الحيدري ....... وغيرهم كتبوا في الفلسفه وغيرها؟ الغرب يذكرهم وأنت ناسيهم . يالله ... أما عن قولك هل سيأتن بحكم جديد ... ؟؟ روح شوف حكم امير المؤمنيين يأتونه بزكوات افريقيا وغيرها فيردها يعني عنده فائض في الميزانيه ؟؟؟ هذا ما حكم الا بضع سنين ؟!!مع فتن الاعراب

    • زائر 2 | 11:16 م

      عبد علي البصري

      والمؤاخذه الثانيه : قولك فماذا بعد ؟؟؟ كان من الاحسن ان تقول فبماذا سيحكمون ؟كما استهجنتهم في ألمقال ! بقولك ((تحديها الأول هو الإجابة على هذا السؤال: هل ستأتون بحكم جديد، أم أن الأمر سيَّان؟)) ولا تقول فماذا بعد ؟؟ الجماعه لم يمارسوا حكمهم . الدوله الوحيده في الربيع العربي التي حكمها الاسلاميون هي مصل فقط . أنا ما اشوف تونس ولا ليبيا ولا اليمن ولا حتى سوريا ينادون بالدوله الاسلاميه؟؟؟؟ .

    • زائر 1 | 11:05 م

      عبد علي البصري

      صباح الخير يا كاتبنا العزيز وسلام على من اتبع الهدى من عباده المؤمنين وبعد.
      عنوان المقال فيه مؤاخذاتان الاولى قولك أما وقد وانت تعرف أن قد اداة تحقيق ، والحقيقه أن الاسلاميين كما تسميهم لم يحكموا بعد هم ما زالوا على الساحل . اعنى بذلك الدول العربيه التي تتكلم عنها انت عزيزي. لا ايران ولا باكستان ولا افغانستان . فهذه ليس موضع حديثك كما يبدوا . من هذه الجهه . استعجلت المقال أما لو انك تريثت قليلا لكان احسن لك .

اقرأ ايضاً