العدد 3778 - الأربعاء 09 يناير 2013م الموافق 26 صفر 1434هـ

ارتفــاع معــدل الإصابــة بأمراض الحساسية في البحرين

ضيف العدد:يعد «عراب» المهنة في هذا المجال... الدكتور فاضل الصباغ:

قاده العشق لهذا المجال، قبل أن يدرك الحاجة لوجوده في المجتمع، كابد الأمرين ليدفع نحو تقبل الفكرة، التي ما زالت مبهمة بالنسبة للسواد الأعظم من المجتمع، غير أن حب التحدي وخدمة الناس كان المحرك، الذي أمده بالعزم ليكون الأول في تخصصه، الذي يرى أنه قادر على مساعدة الكثيرين ليعيشوا بشكل أفضل.

“الوسط الطبي” تحتضن في عددها الأول شخصية لطالما أشير إليها بالبنان في عالم الطب، فهو “عراب” أمراض الحساسية والمناعة في البحرين، وهو أول من حمل على عاتقه الفكرة التي يؤكد من خلالها أهمية علاج الأمراض التي تسببها مختلف الحساسيات، ليكون الدكتور فاضل الصباغ الرائد بين أقرانه في هذا المجال.

في حوار مع “الوسط الطبي” يكشف الصباغ خفايا وحقيقة الحساسية التي يعاني منها الكثيرون في مجتمعنا، دون أن يدركوا حقيقة الأمر، ليضع النقاط على الحروف التي يمكن من خلالها تغيير حياة المرضى، وتخليصهم مما كانوا يعانونه منه لسنوات طوال.

وفيما يلي نص الحوار:

- بداية، ما سبب اختيارك تخصص الحساسية؟

- منذ أن كنت طالباً كان لدي اهتمام بعلم المناعة بشكل عام، ولربما يعود السبب لكونه حينها علما جديدا ومبهما بالنسبة للغالبية، إضافة لحبي هذا التخصص قبل أن يكون سببه الحاجة، وبعدها أدركت أن نطاق التخصص في مجال الحساسيات في البحرين وفي منطقة الخليج بشكل عام، هو أحد أقل التخصصات إقبالاً عليه، فبالرغم من انتشار أمراض الحساسية فإنه لا توجد إلا قلة من المتخصصين في هذا المجال.

- هل لك أن توضح للقراء ماذا تعني الحساسية بمصطلحها العلمي؟

- الحساسية تمثل ردود فعل جهاز المناعة تجاه أمور طبيعية سواءً كان مسببها الطعام أو المؤثرات الموجودة في الجو على غرار اللقاحات والغبار والحشرات والنباتات بمختلف أنواعها، والتي لا تكون لغالبية الناس ردود فعل مشابهة تجاهها. وأعراض الحساسية من الممكن أن تشمل أي جهاز في جسم الإنسان، ابتداءً من الجلد لكونه أكبر عضو، إلى الجهاز التنفسي الذي يصاب بمرض الربو على سبيل المثال، وحساسية الأنف والأذن والحنجرة والعين والجهاز الهضمي.

وبناء عليه فإن الحساسية تدخل في مختلف الأمراض، وهذا بطبيعة الحال يخلق العديد من المشكلات من ناحية تحويل المريض من طبيب متخصص في الجهاز الهضمي على سبيل المثال إلى طبيب آخر متخصص في الحساسية، لهذا يكون علاجها مبنيا على تقبل الأطباء لموضوع الحساسية.

- ما هي أبرز الصعوبات التي واجهتك في البحرين لخوض هذا المجال؟

- في الحقيقة لم يستوعب الجميع بعد فكرة وجود طبيب متخصص، والأمر مستمر إلى حد ما حتى اليوم، أي بعد مرور عشر سنوات على عودتي للبحرين، ولكن تفهم الناس تغير نسبياً منذ عودتي في عام 2002، ففكرة وجود طبيب متخصص في الحساسية كانت غير مطروحة، وانتظرت عامين من أجل إقناع الجميع بفتح عيادة متخصصة في هذا المجال بمجمع السلمانية الطبي، وضرورة وجودها وقد تمكنت من ذلك وما زالت العيادة موجودة لغاية اليوم...نحن نحتاج إلى المزيد من التثقيف فيما يتعلق بالحساسية، لا سيما بالنسبة إلآ الأطباء قبل المرضى، الذين يجب أن يدركوا وجود علاج خاص للحساسيات، وسبق أن أجرينا بحثا حول الفترة الزمنية بين ملاحظة المريض للأعراض وبين تحويله من قبل الطبيب إلى مختص في الحساسية تبلغ حوالي 3 أعوام في المتوسط بعد استنفاد جميع العلاجات الأخرى الممكنة.

- بعد مرور عشرة أعوام، هل مازلت المتخصص الوحيد في البحرين بهذا المجال؟

- كصاحب عيادة متخصصة في الحساسية ما زلت الوحيد، ولكن يوجد عدد من الأطباء الذين يدرسون في هذا المجال وأنتظر عودتهم إلى البحرين لمواصلة العمل.

- هل هناك إحصائيات دقيقة تكشف نسبة المصابين بأمراض الحساسية في البحرين؟

- للأسف لا توجد إحصائيات ثابتة أو أرقام تكشف نسبة المصابين في البحرين، وقد يعود ذلك لقلة الإمكانات، ولكن أعتقد أن نسبة المصابين في المجتمع البحريني قد تتراوح ما بين 20% و40%، ومقارنة بالعالم مازلت البحرين تعتبر من الدول ذات المستوى العالي، وفي أوروبا أيضاً تصل نسبة المصابين إلى حوالي 20%.

- ما هي أكثر أمراض الحساسية انتشاراً في البحرين؟

- أكثر مرض انتشاراً بين الأطفال مرتبط بالحساسيات الجلدية والربو، فمن الولادة لمدة عادة تكون الحساسية الطاغية لدى هذه الفئة تجاه الطعام، وقد تظهر على شكل “أكزيما” في الجلد أو مشاكل في الجهاز التنفسي أو الجهاز الهضمي، أما الفئة من عامين لغاية 5 أعوام فتقل فيها الحساسيات الجلدية نسبياًّ، وتظهر تلك التي تصيب الأنف والرئة وتسبب الربو، وهذا الأمر يستمر لما بعد البلوغ، وفي هذه المرحلة تظهر الحساسية المرتبطة بكل ما سبق بالإضافة إلى حساسية الأدوية، فالأمر مرتبط باختلاف الفئات العمرية، إلى جانب الحساسيات المرتبطة بطبيعة عمل الشخص وتعرضه وملامسته لمواد معينة، كمن يعمل في مصنع، وحتى الموظفين في المكاتب وأكثر هذا النوع يسبب مشاكل جلدية وأخرى في الجهاز التنفسي ولها أساليب تشخيص مختلفة ومتنوعة.

- ماهي أبرز المسببات والعوامل التي تصيب الإنسان بالحساسية؟

- المسببات التي تؤدي للإصابة بالحساسية تعتمد إما على البيئة وإما على العوامل الوراثية، فزواج الأقارب في البحرين أحد أسباب الحساسية، إضافة إلى طبيعة البيئة الصحراوية وتكاثر الأتربة والغبار، إضافة إلى أنواع معينة من النباتات الموجودة، كما يمثل نمط الحياة في مملكة البحرين أحد المسببات، كالمكوث في المنازل والأماكن المغلقة أكثر من اللازم، مما يسبب نسبة تحسس اتجاه أمور معينة أعلى من بقية الدول، فنحن نعاني من حساسيات العث المنزلي والصراصير والغبار أكثر من الدول الأوروبية مثلاً، والذين يعانون من مسببات

أخرى مثل اللقاحات والنباتات.

كما أن للاعتماد الكلي على الغذاء المحفوظ والمثلج والمعلب دورا في ظهور حساسيات المواد الحافظة والملونة في الأكل.

- هل الحساسية مرتبطة بالمواسم، كالصيف والشتاء على سبيل المثال؟

- بالطبع، الحساسية الموسمية مثال على ذلك، وتتغير بحسب الموسم لدرجة أن الأعراض تختفي بالكامل، ويلاحظ بدرجة أكبر مع النباتات واللقاحات، ولكن في البيئة المحلية نلاحظ زيادة في مواسم معينة، ومنها فصل الشتاء بسبب زيادة الرطوبة، حيث يتزايد العث المنزلي في هذا الفصل فترتفع نسبة الحساسية، قياساً بالأيام الجافة، إضافة إلى تأثر جهاز المناعة بالالتهابات الفيروسية مثل الزكام الذي يؤثر بدوره على الحساسية.

- هل أمراض الحساسية يمكن علاجها بالكامل، سواءً عند الأطفال أو البالغين؟

- الحساسيات الناتجة عن أنواع الطعام من الممكن أن تختفي مع مرور الوقت عدا البعض منها، مثل حساسيات الأسماك والقشريات والمكسرات، ولكن معظم الحساسيات الأخرى التي تأتي بسبب الحليب والقمح تنتهي مع تقدم العُمر، ولا يوجد علاج فعال لهذا النوع سوى تفادي تناول الأطعمة المسببة.

وفي بعض الحالات نقوم بعملية تعويد الجسم على النوع المسبب للحساسية، وهذه الفكرة مطروحة منذ حوالي 100 عام، وهي قائمة على تربية جهاز المناعة على تقبل المسببات، ويطلق عليه “العلاج التحصيني”، أما المسببات الأخرى كالغبار والعث المنزلي ولسعات الحشرات فالعلاج فيها فعال جداًّ ويمكن أن يلغي الحساسية إلى الأبد، فقد أثبتت الدراسات مدى فعالية العلاج التحصيني في التخلص من حساسيات الأنف والجيوب بشكل كامل أو جزئي بالنسبة للربو والحساسيات من لسع وسموم الحشرات.

- ما هي أعراض الحساسية وهل يمكن الكشف عنها مبكراً لتفاديها ؟

- الأعراض تعتمد على الجزء المتأثر في الجسم، فحساسيات الطعام لدى الأطفال تبدأ بالطفح الجلدي أو التفريغ أو الإسهال، وقد يسبب الطعام كذلك الربو والحساسية الشديدة في الجهاز التنفسي عبر العطس والحكة في الأذن والأنف والبلعوم، وفي حالات الحساسية الشديدة من ذات المسبب قد تصل إلى الإغماء (الصدمة) وقد تؤدي إلى الوفاة.

أما الكشف المبكر فيبدأ منذ الصغر ويحتاج إلى ملاحظة الأهل للأعراض، لا سيما إذا كانت العائلة تعاني من أحد أنواعها، والتشيخص يبدأ بالاستشارة ومن ثم إجراء التحاليل، ومن بينها اختبار الجلد عبر الوخز بالإبر باستعمال مواد مسببة للحساسية، وهذه المواد تختلف من بيئة إلى أخرى، لهذا استطعنا طوال السنوات الماضية اكتشاف حوالي 50 مادة نستخدمها في هذا الاختبار.

- هل لك أن تحدثنا عن أساليب الوقاية المنزلية، والتدابير البسيطة الممكن اتخاذها في المنزل؟

- الثتقيف له دور مهم سواء في المنزل أو المدرسة بالنسبة للأطفال، فنسبة 50 في المئة من الحساسيات في البحرين مرتبطة بالأجواء المنزلية، وكما أسلفنا أن العث المنزلي أكبر مسبب للحساسية، وهي حشرة تعيش في أماكن معينة داخل المنزل مثل السجاد والسرير وتعتمد على الرطوبة، فأول حل لتفاديها يتمثل في تخفيف الرطوبة في المنزل عبر التهوية والتشميس، وهو ما يقلل التعرض للحساسية، إلى جانب دور الأهل في التقليل من وجود الأطعمة التي تسبب الحساسية للأطفال في المنازل.

- هل علاج الحساسية يعتمد فقط على الدواء؟ أم أن هنالك أساليب أخرى تتبع لعلاجه؟

- علاج الحساسية يبدأ بتثقيف المريض بماهية هذا المرض وكيف تفاديه، وهذا جزء مهم جداًّ، والخطوة التالية تتركز في علاج المريض حينما يعاني من الحساسية في خارج العيادة، إضافة إلى العلاجات الوقائية الأخرى، التي تمنع وقوع ردود فعل قوية. أما عن العلاج الوقائي فهو مانع عن الصدمة ويستخدم فيه “الإدرينالين” وهي حقن سهلة الاستخدام تعطى في عضل الفخذ، ويمنع من التعرض لتضييق القصبات وهبوط الدورة الدموية، وتساعده على الوصول لأقرب مستشفى من دون مشاكل كالإغماء والصدمة.

- ما هي أحدث التقنيات المستخدمة حالياًّ في علاج الحساسية؟

- أحدث العلاجات المستخدمة هي دوائية، ونحن نستخدم أنواعا حديثة نسبياًّ غير مستخدمة من قبل، في حين مازال الوخز بالإبر التقنية المستخدمة في التشخيص على سبيل المثال وهي قديمة نوعاً ما، كما حدث تطور على طريقة فهم الحساسيات قبل علاجها، وهي أساليب تعالج الحساسية بشكل سريع وبطرق مختلفة عن تلك التقليدية. في السابق كان استخدام المضادات كـ”الكورتيزون” ولكنها ليست سوى مهدئات.

واليوم تغيرت الأساليب عبر استخدام “العلاج التحصيني” بالرغم من أنه قديم كفكرة، إلا أنه في ظل وجود الأدوية بات حديثاً، بسبب درجة نقاء المحاليل المستخدمة، وتحولت في السابق من كونها تقتصر على الإبر إلى قطرات تعطى تحت اللسان أوأقراص، وله دور كبير في حماية حياة المريض ويؤدي إلى تلاشي الحساسية إلى الأبد. كذلك هناك مرحلة متطورة في العلاج وهي عبارة عن استحداث أجسام مضادة لمسببات الحساسية، كـما في علاج الربو.

العدد 3778 - الأربعاء 09 يناير 2013م الموافق 26 صفر 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً