العدد 3780 - الجمعة 11 يناير 2013م الموافق 28 صفر 1434هـ

احرقوا هذه الأسفار وألقموا تلك الأفواه حجارة

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل يومين، تحدثنا عن «مداخل أولية» للقضاء على داء الطائفية. وعدَّدنا ثلاثًا من الملاحظات، التي من خلالها توسَّمنا أننا نجترح معاول هدم لمشهدها الأسود. وقلنا إن صياغة العقول على التشاركيَّة والنظرائيَّة وليس على الفروقات المادية، وفهم مدارك الأنظمة المغلقة في استعمال التطييف الاجتماعي للهروب من الإصلاح، ثم ترسيخ الزيجات المختلطة، وكذلك تشتيت الديمغرافيا الطائفية وتذويبها، هي من الأمور التي تساعد على خلق بيئة مناهضة للطائفية.

اليوم، سأضيف على تلك الملاحظات الثلاث، ملاحظتيْن، هما في الأساس، من الأشياء المركزية، التي من خلالهما يصبح الاقتدار على غيرهما أيسر.

الملاحظة الأولى، هي الخاصة بالإرث التاريخي المدوَّن للأديان والمذاهب، بغثِّه وسمينه، والذي يُعتبر خزان الوقود الحقيقي للاحتراب الطائفي. أما الملاحظة الثانية فهي التي تخصُّ دور «بعض» رجال الدين، الذين لا هَمَّ لهم سوى تسعير الحرب الطائفية، وتسريجهم لخيولها. وهو ما يمكن الإشارة إليه بشيء من التفصيل وفق الآتي...

الملاحظة الأولى: وهي المتعلقة بالتدوينات التاريخية/ الدينية الموبوءة.

فنحن كعرب (مسلمين، مسيحيين، يهود، صابئة وكل الأديان والمذاهب التي كانت ولاتزال عند العرب)، لسنا مستفيدين إن نحن عَقَدنا مناظرات ومحاكمات، لمناقشة ما قام به رهْطٌ لفلان ضد رهطٍ آخر. ولسنا مستفيدين من التحقيق، أو محاكمة ما جرى لسمَّاك اليهودي أو سلام بن مِشْكم، ولا من الصراعات التي وقعت بين المسلمين، في حروب طاحنة طيلة عشرات السنين. فأصحابها قد ماتوا، وذابت عظامهم، أما نحن فلانزال نضطلع بإعمار الأرض، أحياء نرزَق.

ثم أيضاً، لسنا معنيين بحجم الشتيمة الإعلامية، والتخوين والتفسيق والتكفير والتنصيب والترفيض والتخريج، وغيرها من العناوين الدينية والمذهبية التي أفرزتها النزاعات المسلحة بين المسلمين، والتي صِيْغَ كثيرٌ منها على أثير التحام السيوف، واصطكاك الأسنَّة في ذلك الأوان.

كلُّ هذا التراث المتخاصم، يفتح الباب في حاضرنا أمام النفوس المريضة لاقتناص ما يشفي صدورها من أمراضٍ وأحقادٍ دفينة، والتي عادةً ما تبحث لنفسها عن مسوِّغات لقتل ضحاياها بدمٍ بارد. وبالتالي؛ فنحن لا نستزيد منه سوى على أنه تاريخ وكفى، لا تشريع للقتل.

فتراث البشر في الأديان، وأفعالهم في مشوارها، يجب أن يتطوَّر بتطوُّر ظروف التابعين لتلك الأديان، لأنه من البلاهة أن نتحدث عن مقاطع الزمن، دون أن نتحدث عن موضوعاته في سابقها ولاحقها. لنا أن نتخيَّل، لو أن المسيحية، لم تقم بمراجعة إرثها الديني، فهل يا ترى، ستكون مدينة مونستر في ويستفاليا في منأى عما جرى لها في العام 1529 من مآسٍ إنسانية؟ وهل كانت الفرق المسيحية، ستتجنب ما كانت تلقاه في المناطق الواطئة (الهولندية الآن) من حَيْف؟ هذه لازمة في تطور الناس. فإذا كان كلُّ شيء قابلاً للتطور والنمو، فعلامَ لا نفعل الشيء ذاته في فهمنا لذلك التراث؟ وخصوصاً، أن جُلَّ ما كان مِنْ قولٍ أو فعلٍ قد قيل على ألسن، وجرى على أيدي بشر ليسوا بمعصومين ولا منزّهين، بل هم الأقرب للانقلاب على الأعقاب. وبالتالي، لا حاجة لنا لاجتهادات خاطئة، جرَّت الويلات على مجمعاتنا السابقة من دون فائدة، وتداعت إليهم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها، بل وبسببها، قد خَارَت قوى الدِّين ومتبعيه.

الثاني: وهو المتعلق برجال الدِّين الطائفيين... فهؤلاء هم وبال الأمة ومقتلها. وإذا ما بقِيَ هؤلاء وأضرابهم يركبون منابرنا، ويُعلون الصَّوت فينا بتكفير بعضنا وتفسيقهم، وإخراجهم من الملة، وإحلال سفك الدم، فلن تكون هناك فرصةٌ لسلامٍ اجتماعي. ومادامت تلك الألسن والأبدان، قادرةً على قول وفعل ما يخجل المرء على قوله وفعله، فهذا يعني أن كريه القول، وفاحش الفعل، سيبقى هو المتحكِّم في أمرنا، لا إصلاح ولا تقدم ولا سكينة لنا بعد ذلك.

بداية القطع مع هذه الجوقة الفاشلة، هي في ألا نُبقِي مصائرنا يتحكم فيها هؤلاء المرضى. وألا تكون علاقاتنا الاجتماعية والسياسية، مُحدَّدةً ببوصلة أمثال هؤلاء المعتوهين؛ لأنهم بالأساس، غير معنيين إلاَّ بتصغير وحصر دائرة الأخيار والمسلمين في نفرٍ قليل، بعد أن يُغربلوا الناس ويحاكموهم، ثم يجرون الأودية من دمائهم. الغريب، أن هؤلاء يُحدِّثونك عن امرأةٍ ذهبت النار، لأنها حَبَسَت الطعام عن هِرَّة، لكنهم لا يتورَّعون في أن يحبسوا الطعام والماء وحقّ الحياة عن ملايين البشر، لأسبابٍ دينيةٍ وطائفية! أليس هؤلاء مرضى نفوس في أقصى حالاتهم؟ عندما نقرأ التاريخ (الواجب قراءته) سنجد، أن الشعوب التي ابتليت بالطائفية، وتحديداً الأوروبية منها، لم تبدأ مشوار الخلاص من مأساتها إلاَّ عندما أنهَت ارتهانها لأمثال هؤلاء الدمويين، وفَسَحَت المجال لآخرين، ممن امتلكوا حصافة الرأي، وسعة الصدر، والكلمة السواء، كأسقف بريكسن الكاردينال نيكولا دو كوزا، الذي أرسى السلام في زمانه في أحلك ظروفه، وباعد الخلافات المسيحية المسيحية، واضطلع بمهمَّة الإصلاح في ألمانيا، والتوفيق ما بين الهوسيين والكرسي الرسولي.

لقد قام هذا الرجل وبعد سقوط القسطنطينية على يد الجيش العثماني في العام 1453، بالدعوة إلى الحوار مع المسلمين، رافضاً الحروب الصليبية. وعندما أتى إلى الفوارق بين الأديان، أسّس منهجه القائم على نظرية «الجهل المعرفي» القائل بأنه يستحيل إدراك أي حقيقة في كينونتها المطلقة بل في غيريَّتها، ليقضي على مبدأ الاستقامة المتصلب، وترسيخ نسبيَّة الحقائق في كل نظام ديني قائم، وبالتالي، أن يرى في الجميع أنهم يمتلكون جزءًا من الحقيقة.

أيضاً، ظَهَرَ لديهم مارسيل فيسان (1433– 1499) رئيس الأكاديمية الفلورنتينية في إيطاليا، وبيك دو لا ميراندول (1463– 1494) الذي ماتَ شابّاً في الحادية والثلاثين من العمر، إلاَّ أنه استطاع أن يؤلف وهو في الرابعة والعشرين من عمره، ما يجمع بين المذاهب المسيحية والفلسفية المتنوعة، والمتعارضة مع بعضها. (راجع تاريخ التسامح في عصر الإصلاح، جوزيف لوكلير).

في كل الأحوال؛ فإن معركتنا مع الطائفية شاقة، لكن النصر فيها ليس ببعيد.

غاية الأمر هو أن ندرك ما نحن فاعلون، وأن نشخص عدونا جيداً، ونحكّم العقل خارج التأثيرات العاطفية الآسرة له. وأن نستوعب أن القول يجب أن ينتقل إلى الفعل. فليس للاقتناع قيمة، إذا لم يتحوَّل إلى سلوك كما قال توماس كارليل.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3780 - الجمعة 11 يناير 2013م الموافق 28 صفر 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 8:37 ص

      الفتنة نائمة لعن الله من ايقضها

      اقول قولان فقط تصح فى ما نحن فيه, الاول اذا كان رب البيت بالطبل مولعا !!! فما شيمت اهل البيت !!!! الثانى الفتنة نائمة لعن الله من ايقضها !!!
      على مدى التاريخ الطويل هناك من لا يمكنه العيش والبقاء على الكرسى الا على اثارة الطائفية فهو السلاح الذى يعتقد مستخدمة أنه الاخرين لايدركونه وأنه لن يطاله ولكن هذا الزمن ولا وانتهى فالأمور اختلفت واصبح كل انسان يريد أن يعرف الحقيقه علية أن يجتهد قليل للبحث وستكون واضحة كالشمس ,, فكفى الله المؤمنين شر القتال..

    • زائر 4 | 3:29 ص

      لا تنسى هذه الحكمة القائلة :

      لنا قوم لو اسقيناهم العسل المصفى مازدادوا فينا الا بغضا ولنا قوم لو قطعناهم اربا اربا ما زدادوا فينا الا حبا

    • زائر 6 زائر 4 | 9:51 ص

      القضية متبادلة

      القضية متبادلة فالجميع يكرهون بعضهم رغم إغراء العسل أو تقطيع السيف

    • زائر 3 | 2:35 ص

      المصيبة من الحقد

      هؤلاء يستطيعون أن يتعاملوا مع الامريكان والصهاينة لكنهم لا يستطيعون أن يتعاملوا من فريق مهم من المسلمين حيث يرونهم أخطر من اليهود!! وين صارت

    • زائر 1 | 12:25 ص

      فارق كبير بين الاطروحات هنا والقذف والشتم في اماكن اخرى

      الا يتعلمون لا يعون الا يفهمون؟ جرائد وبرامج مخصصة للقذف والسب والشتم في طائفة باكملها وهم يعتقدون انهم بذلك مخلصون للوطن وهم يؤججون نار الفتن لكي يحترق بها الوطن

اقرأ ايضاً